الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الدين مكون رئيسي


هناك العديد من الأفكار المغلوطة التي تعشعش في رؤوس البعض، هذه الأفكار لا تستطيع أن تمشي على قدمين، ولا يمكنها الصمود أمام الفحص والتمحيص، وتسقط في هوة سحيقة حال خضعت لنظرة عميقة متأنية.

ليس صحيحا ما يشاع أن الأوربيين قد تخلوا عن الدين أو عن التعاليم الدينية، إنني أنظر لهذه الفرية، بعدما سكنت الغرب ما يقترب من ربع قرن من الزمن، على أنها في إطار حرب تلويث السمعة من جانب، وفرق في مفهوم القيم الدينية بين المجتمعين: العربي الإسلامي من ناحية والغرب الأوربي المسيحي من ناحية أخرى، من جانب آخر، فتجد الغالبية العظمى، إن لم يكن الجميع، من دعاتنا، المسلمين، يترك الدعوة لعقيدتنا التي من المفروض أن تكون عمله، ليتناول مسالب العقائد الأخرى وعلى رأسها في ظنه المسيحية الغربية، فضلا عن الشرقية التي يحرم بعض دعاتنا ومشايخنا حتى تهنئتهم بأعيادهم، وكأني بهذه التهنئة وقد أخرجت فاعلها من الملة، وهذا هو رأي البعض منهم بالفعل.

وأصحاب هذا الفهم الضيق أظن أنهم يفتعلون مثل تلك المعارك لكي يبعدوا الناس عن حقيقة الدين وجوهره، ويشغلونهم في معارك ليست من الدين في شيء، ولن تعود على المجتمع إلا بالشر كله، وستشعل المجتمع، كما هو حادث في كثير من بلدان المنطقة العربية، بمعارك تشغله عن العمل والبناء الذي هو جوهر الدين وحقيقته، والذي هو قائم هنا في الغرب الأوربي الذي يسلبه مشايخنا! ودعاتنا كل ميزة وكل فضيلة دينية، حتى الدنيوية منها ينسبونها نظريا لقيمنا الإسلامية وعقيدتنا التي دعت لهذه الفضيلة التي تتمتع بها هذه المجتمعات، وهم في ذلك كله يزيدون تلك الحرب التي يشعلونها من محض خيالهم، كما يشيعون في المجتمعات العربية والإسلامية الرضا الخانع بما هي فيه، فإذا كنا نحن المؤمنون حقا، ونحن الأفضل صدقا، ونحن الأتقى ورعا، والمختارون من الله فضلا، فماذا ينقصنا وهذه هي الغاية من الحياة.

أتذكر تفسيرا غريبا عجيبا لأحد أكبر رجالات الدين الإسلامي في العصر الحديث الذي أطلق عليه لقب الإمام على الرغم من عدم تنصيبه شيخا للأزهر الشريف وبكل تأكيد ليس من المراجع الشيعية وهو الإمام محمد متولي الشعراوي الذي قال في رده على سؤال يواجه به المسلمون عن هؤلاء الذين قدموا خدمات جليلة للبشرية وحكم الدين الإسلامي فيهم، وهنا يؤكد الشيخ أن ليس لهم نصيب في السماء حيث أنهم قد أخذوا حقهم في الدنيا، حيث أقيم لهم التكريم، وحصلوا على المال وصنعت لهم التماثيل تخليدا، أما أن يكون لهم نصيب من جنة فهو لا يرى ذلك؛ لأنهم على حد قوله قد صنعوا ما صنعوه ولم يكن الله في بالهم!! ولا أعلم من أين أتى بهذه الجملة الأخيرة!!؟

إن ما قاله الشيخ الشعراوي يعد قطرة في بحر ما يقال لعوام المسلمين، الذين يؤمنون كل الإيمان أنهم مهما كان حالهم ومهما صدرت عنهم من أفعال فهم الأفضل والأحسن والأخير وكلها أفعال تفضيل يلزمها المقارنة بغيرهم الذين هم في الأغلب الأعم اليهود والمسيحيين "النصارى" كما يحلو للغالبية العظمى من المسلمين استخداما للفظ القرآني، والذي يكون، غالبا، الإنسان الغربي هو النموذج الذي يتبادر للذهن، ذلك الأوروبي الذي هو في حقيقة الأمر يعلي قيم الصدق والأمانة والإخلاص في كل ما يقوم به وإتقان العمل "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه"، وهو في إعلائه لهذه القيم إنما يصدر عن ضمير أخلاقي، ليس فقط، كما يحلو للبعض إحالته، لمبدأ الثواب والعقاب الذي هو بالفعل مطبق هنا بالفعل.

وقبل كل هذه القيم التي يتمتع بها ذلك الأوربي المسيحي فإن القيم النفسية مثل التسامح والتراحم والتكافل تلك التي هي روح اﻷديان وجوهرها فستجدها متجسدة في الغالبية العظمى من هؤلاء الذين يحاول مشايخنا جاهدين نفي أي إيمان عنهم.

حقا هناك جوانب أخرى يمكن للمسلم الشرقي أن يأخذها على هذه المجتمعات في إطار ما يسمى "الحريات الشخصية والعامة التي ينزع إليها الغربي نزوعا" والتي يرى أن ليس فيها ضرر، بمفهومه، لا على المجتمع ولا على الدين في جوهره، أو أنه يرى في ذلك نوعا من التجاوز الذي لا ينفي عنه لا إيمانه بالدين ولا بالإنسانية، ويمكنك، عزيزي القارئ، أن تسمع كذلك بعض العبارات التي تشعر فيها أيضا بالتهاون بالتعاليم الدينية في افعل ولا تفعل الذي يخضعها أحيانا لمنطق العقل ذلك الذي لا يستطيع أن يدرك في بعض تلك التعاليم الحكمة المبتغاة.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط