الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

صحتك بالدنيا!


ما أصعب لحظات الجلوس بجوار أقرب الناس إليك راقدا على فراش المرض .. وسط أكياس المحاليل اليومية وروشتات الأدوية المكتوبة .. وما أقساها من مشاعر وأنت تقضى الساعات بين "مشاوير" الأشعات والتحاليل، ومواعيد الزيارة لمتابعة صحة المريض وتطورات الحالة، والحديث المتكرر مع الأطباء لمعرفة التقارير عن الوضع الصحى .. والأكثر من كل ذلك، المكالمات الملحة من إدارة حسابات المستشفى أو المركز الطبى للإسراع فى تغطية دفعة جديدة من رصيد المريض ونفقات العلاج التى تتبع منطق "الحسَّابة بتحسب" .. وإذا كانت المسألة مُرهِقة ومزعجة للأسر الميسورة أو ذات المستوى المعقول، فما بالنا بفقراء الوطن الذين يتدفقون على طوابير وقوائم الانتظار فى ممرات المستشفيات الحكومية، ولايفكرون مجرد التفكير فى طرق أبواب أي مؤسسة أو مشروع طبى خاص حتى لاتكتوى قلوبهم بـ "فواتير" العلاج داخل "جناح الـ ٥ نجوم"؟!.


حالة إنسانية مركبة وظرف إنسانى شديد الارتباك ماديا وصحيا .. ولذلك تتعلق الآمال بطوق نجاة من حديد ينقذ الفقير والمقتدر على حد سواء .. وكانت نقطة الضوء فى مشروع التأمين الصحى الشامل والمنظومة الجديدة المختومة من الدولة لعلاج ملايين المرضى والمحرومين من الخدمة الطبية الآدمية على مدار سنين الظلم الاجتماعى الماضية .. وجاءت ضربة البداية فى مدينة بورسعيد لإطلاق التجربة، حيث رفع المشروع رايته داخل مستشفيات وزارة الصحة والمراكز الطبية الحكومية لتوفير العلاج مجانا أو بأقل التكاليف للمواطنين .. وعندئذ يتجدد الحلم لدينا فى الحصول على رعاية متكاملة تتمثل فى فراش نظيف وحجرات ملائمة للتهوية والإقامة وطاقم أطباء وتمريض على أعلى مستوى خدمى وكفاءة مهنية، وإدارة محترمة تراعى ظروف الأسرة ومشاعر رفقاء المريض وتتفاعل بإيجابية ورقى مع آلامهم جميعا وبأسلوب يجمع بين الأمانة والمرونة ودون التفريط فى أى حقوق أو واجبات!.


والمشروع القومى الجديد فرصة لفوز النظام السياسى بثقة ودعم رجل الشارع عندما يرتقى إلى سقف طموحاته واحتياجاته، ويحظى بمجموعة منتقاة من المسئولين والموظفين تحت إشراف وزارات الحكومة بالكامل .. مجموعة مهمتها المقدسة هى خدمة أى مريض داخل أى مكان وبغض النظر عن طبقته أو وضعه الاجتماعى والوظيفى ..

وقد تكون البذرة طيبة والتربة ملائمة للنمو، إلا أن الخطأ فى طريقة الرى وأسلوب التطبيق، ومن ثم فإن حماية منظومة التأمين الصحى مرهونة بالمتابعة اليقظة والمراقبة الصارمة لسير العمليات داخل المستشفيات والمراكز، والاستماع فى شفافية وسرعة لأى شكوى من أى درجة أو نوع دون ملل أو كلل .. وأتصور أن تحصين القطاعات الحكومية بكل الإمكانيات والطاقات الضخمة لضمان صحة أفضل للمواطن سيمهد الطريق للتأثير على إدارة الكيانات الطبية الخاصة ذات الطبيعة الاستثمارية، بل وسيجبرها على تلبية نداء أى أسرة بسيطة والمبادرة بتقديم أفضل خدمة طبية وبتكلفة أقل منعا لانهيار مشروعها أولا .. وتأكيدا على رسالتها الإنسانية .. هذا ثانيا!.

- قبل كل شيء .. المرض هو المرض .. وأعباؤه لا تعرف سفيرا أو غفيرا، وإذا كانت الدولة برهنت على حرصها لصون كرامة وصحة المصريين باستراتيجية "التأمين الصحى الشامل"، فالفصول التالية التى أشرنا إليها آنفا هى الامتحان الأكبر فى إثبات أن المريض فعلا عند الحكومة "صحته بالدنيا" .. وأسرته أيضا!.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط