الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

آه من البنات وخلفتها!


نقابل في ثقافات الشعوب أمثالًا ليست بالضرورة تتفق مع أمثالنا الشعبية، بل حتى إشارات اليد الواحدة تختلف أيضًا من شعب لآخر، فربما أتيت بإشارة بعينها في مصر، نجدها تثير مشكلة في بلد آخر....وأدركت عبر رحلاتي في أقطار المعمورة أن الإختلاف أصاب أيضًا الأمثال، لأسباب تختلف من شعب لآخر.

ولنضرب مثلًا "بالأَفْية" أو النكتة المصرية الساخرة؛ فإذا صادف أن سمعت نكتة بالإنجليزية قد تجدها قطعة من النثر العقيم، والمفترض أن تضحك عند سماعها؛ وفي المقابل تجد نظيرتها المصرية الأكثر رشاقة وخفة تنتزع القهقهات منك حتى تنكشف نواجذك.

ومن أمثالنا الشعبية، التي خرجت من قاع المجتمع المصري وتعكس ثقافته الجامدة قولنا: "أبو البنات في الهم حتى الممات"؛ وأتذكر هنا فيلم "أم العروسة" الذي يعكس بعبقرية شديدة الأب المهموم ببناته، وزواجهن والإنفاق على عرسهن، حتى أضطر للإختلاس من خزينة الشركة؛ وفيلم "بيت العز" الذي يعكس شخصية الأب الصارم الموسوس دومًا تجاه بناته ولا يسمح لأحد بالإقتراب منهن؛ وفيلم "بداية ونهاية" الذي يُحمل البنت منفردة تبعات الخطيئة.

ومن أمثالنا الشعبية العقيمة عن البنت وخلفتها، تلك التي ترى أن "الخراب يحل بالبيت على يديها"، وأن "خيرها لزوجها"، كقولهم:"عقربتين فى حيط ولا بنتين فى بيت"، و"موت البنات سترة"، لأنهم يعتبرون أن البنت ستجلب لهم الفضيحة وأنها ستكون سببًا للهم والغم، ومن ثم فـ "موت البنت سترة" و"المرأة يا سَترها يا قبرها"، و"البنت يا جَبرها يا قبرها".

وفي مقابل هذه النظرة السوداوية للبنت وخلفتها، تجد أشقائنا الشوام يفكرون بطريقة مغايرة، تُعلي من شأن البنت وخلفتها، وتبعث على المرح والإبتهاج، وتَزين الوالدين بها أينما سارا، فيقولون: "أبو البنات شايل على أكتافه حسنات"، "واللى حظها قوي تجيب البنت قبل الصبي"، "والبنت هدية والصبي بلية"، "والحياة بدون أخت زي الشارع بلا زفت"، "وياللى بدها يسعدها زمانها تجيب بناتها قبل صبيانها"، وغير ذلك من الأمثال الباعثة على الحياة السوية.

تذكرت وأنا أغوص في أعماق الشخصية المصرية، وكيف ترى البنت وخلفتها حتى الآن، كيف كان العربي في الجاهلية يسود وجهه إذا بشر بأنثى، وما أن ترى النور حتى يتخلص منها ويدفنها تحت الثرى، ويقول الله عز وجل:﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ*يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾.

تذكرتُ أيضًا تلك الزوجة المقهورة، المجبرة على الحمل تباعًا حتى تلد لزوجها الولد، لأجد حزمة من الجهل تغشي عقولنا، فالأمثلة القائلة: "أم البنت مسنودة بخيط..وأم الولد مسنودة بحيط"، و"لما قالوا لي بنية انهدت الحيطة عليَّ"، و"يا جايبة البنات يا شايلة الهم للممات" لأكبر دليل على أن ثقافتنا تحمل في طياتها رمالًا من صحراء العرب في الجاهلية الأولى، لتحجب عنا الرؤية الحقة، فلا ندرك نِعم الله علينا، وننسى أنه:﴿يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُور*أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾.

علي أن أُذكر كل من منحه الله أنثى، بأن الله منحه أيضًا مفتاحًا من مفاتيح الجنة، حين قال النبي محمد (صلى الله عليه وسلم): «مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ وَضَمَّ أَصَابِعَه»، وأيضًا «مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ أَوْ ابْنَتَانِ أَوْ أُخْتَانِ فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُنَّ وَاتَّقَى اللَّهَ فِيهِنَّ فَلَهُ الْجَنَّةُ».

بشراك يا من رزقت بأنثى، وهنيئًا لك الجنة!





المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط