الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

البند الأهم في الموازنة


ينتظر المواطن المصرى بداية شهر يوليو من كل عام كهلال العيد .. وتتجدد أشواقه عند قراءة كل رقم من أرقام الموازنة العامة للدولة التى تغازل أحلام الملايين من هذا الشعب الصابر الصامد حول مستقبل الأجيال فى تعليمهم وصحتهم وبقاء سلالتهم!.

ويراهن الرئيس عبد الفتاح السيسى منذ وأن تولي السلطة فى ٢٠١٦ فى تنفيذ برنامجه الإصلاحى على صبر المصريين إزاء قضية الدعم ورفع الأسعار وتحمل مشقة البناء والتعمير ولو لسنوات معدودة لحين استنشاق الهواء النظيف مع هبوب رياح الازدهار والانتعاش الاقتصادي .. وانطلقت تصريحات المسئولين شرقا وغربا تنادى بأهمية توفير السيولة النقدية الكافية من أموال رفع الدعم عن الطاقة والسلع الرئيسية لضخها فى برامج تنمية التعليم وتطوير الخدمات الطبية والمرافق الصحية فضلا عن القطاعات الحيوية الأخرى التى تمتد إلى صُلب الحياة اليومية داخل كل بيت ومع "طلعة نهار" كل أسرة. 

وقرأنا جميعا بنود الصرف فى الموازنة الجديدة لنجد أن النصيب الأعظم من مبلغ الموازنة الكلى يتجه إلي قطاعى التعليم والصحة بنحو ٤٨ مليار جنيه .. وبقية الأرقام الضخمة تنصب على شبكات متعددة لضمان تحسين النقل والمواصلات والبنية التحتية وعلاج أزمات الإسكان والبطالة وتشجيع الاستثمار لخلق فرص عمل وبيئة صالحة للإنتاج .. ولم ألمح سطرا واحدا عن البحث العلمى وموقع العقول المصرية من هذه الخريطة الرقمية، اعتمادا على أن هذا البند يندرج تحت ميزانية التعليم المخصصة، وإذا كان ذلك صحيحا، فلا أتفق مع الحكومة فى الرأى!.

إن البحث العلمى فى أى دولة متحضرة تقدس العلم والعلماء لابد وأن يحظى بميزانية خاصة ومعلنة وتحت رعاية النظام السياسى ذاته انطلاقا من أن أفكار ومبادرات عقول الأساتذة والعباقرة تمثل قاطرة التنمية الأولى والركيزة الأساسية لبناء قاعدة متينة لكل مشروعاتنا وأهدافنا الكبرى . 

ولا نتوقع أبدا أى ترجمة لطموحات الدولة واستراتيجيتها إلا بمعامل أكثر حداثة ومختبرات علمية وتكنولوجية على أعلى مستوى واحتضان كامل لأوراق البحث التى يطرحها المخلصون والأكفاء فى المراكز البحثية فى كل التخصصات والفروع، والتى يمكن الاستعانة بها كخارطة طريق نحو النهضة العلمية والاقتصادية .. ولكى نفلح فى هذه المهمة الوطنية بامتياز، على الحكومة الواعية رفع نسبة البحث العلمى إلى أكثر من ١٠ ٪ من ميزانية الدولة اقتداءً بمن سبقنا فى هذا المضمار وتفوق علينا بآلاف الخطوات علميا وثقافيا وحضاريا!.

والنسبة المذكورة ليست بالمطلب العسير إذا ما حلّل الخبراء والمستشارون المحيطون بالسلطة "رواتبهم المريحة" التى يتقاضونها نظير آرائهم وتوصياتهم، ووضعوا حلولا ومخارج ذكية لتوفير الأموال المناسبة للارتقاء بالبحث العلمى وكادر أساتذتنا وعلمائنا النابغين، وخصوصا جيل صغار الباحثين وهم فى زهرة شبابهم ونفوسهم ممتلئة بطاقة العمل وأمل التغيير .. ودائما نشاهد احتفالات تكريم العلم والعلماء، وكلمات الحفاوة والتقدير تحاصرهم وتخاطب مشاعرهم .. وأعظم تكريم تنتظره هذه النخبة فى المجتمع، ولم تتلقه حتى ساعة كتابة هذه السطور، حيث لا أغلى على أى عالم أو باحث أو مبدع من رؤية اكتشافاته على الورق وتحت الميكروسكوب واقعا ملموسا يعيشه الناس ويستفيدون من ورائه .. وهذه أيضا فرصة الدولة لاستثمار العقل المصرى فى تدعيم أركانها وتقوية شوكتها فى الداخل والخارج .. وأى تهاون أو تقصير فى هذه القضية، إما أن يغذى الشكوك والريبة من أى نية للإصلاح ويُفقد الحديث المتكرر عن المشروعات العملاقة الوردية معناه وجدواه .. أو قد يعزز الاقتناع بأن هناك من يفرض شروطه وإملاءاته علينا ليتحكم فى اختيارنا ومصيرنا ويحرمنا أحلامنا.. وفى الحالتين الخسارة من نصيبنا، ولكننى مازلت أراهن على يقظتنا وذكائنا .. وحسن تصرفنا!.


المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط