الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ثقافة الانضباط


لا يمكن أن تستقيم نهضة مجتمع في ظل تعدد ثقافات الفوضى في الحركة اليومية للشارع المصري, وتعدد مشاهد اللامبالاة من بعض الذين فقدوا روح الإنتماء للمجتمع, وصاغوا مفردات حياتهم اليومية بشكل إنفرادي, دون النظر للمصلحة العامة, ثقافة الانضباط السلوكي هي وسيلة فعالة لتنمية روح النظام في كل ميادين الحركة, سواء كانت في العمل أو المنشأة الخدمية.

برغم القوانيين المقيدة لحركة ثقافة الفوضى التي ينتهجها البعض في الشارع المصري إلا أن القوانيين لا تطبق في كل الأماكن ؛ فتأتي قوانيين المرور صارمة في الطرق السريعة أو في الشوارع الرئيسية لمدن المحافظات, بينما تختفي في بقية الشوارع ؛ نتيجة قلة عدد الأفراد, ويستغل مدمنو فوضى التصرف السلوكي الأمر ويتمادون في تصرفات تؤدي لعرقلة حركة السير في الشارع, بالإضافة لحوادث لا قدر الله تقضي على استقرار بعض الأسر. وغالبا ما ترى في الشوارع الداخلية حركة السيارات تسير بدون الالتزام باتجاهات السير ؛ نتيجة قناعة البعض بعدم جدوى الإلتزام من منطلق قناعة "مصلحتي فقط", وتوفير الوقت أو التكاسل في السير لتقليل المسافات. إلتزام الجميع كلًا في عمله يؤدي لتحقيق الصالح العام, ويعتقد هؤلاء بأنهم لو طبقوا السلوك الانضباطي سيكونون تابعين للآخر, ويُنقص من كرامتهم, ولكن ما هي الوسيلة أو المؤسسة التي يجب أن تُقنعهم بأن الانضباط السلوكي في الشارع يحقق المصلحة العامة؟ وهو أيضًا أحد الوسائل الإيجابية في نهضة المجتمع, لابد أن تتولد في نفسه أن قيمة الإنسان ونهضة الأمة في تحقيق الإلتزام والانضباط في التصرف, وأن كل المنشآت والخدمات المقدمة للمواطن هي نِتاج جُهد الآخر, وملكية عامة يستفيد بها الجميع.

رأيت تخريبا كثيرا في فوضى التظاهرات إبان الثورة ما يثير العجب, فالبعض يقذف السيارات بالحجارة دون أن يعرف من مالكها, والبعض ينتقم من منشأت الدولة والآخرين بشكل يثير الدهشة, أعمال فوضى التخريب طالت كل شيء. كنت أتأمل المُخَربين وتصرفاتهم العشوائية, وذات مرة سألت أحدهم -أيام أحداث شارع محمد محمود - لماذا تخريب المحلات وتكسير السيارات؟ كانت إجابته صادمة لكل من ساهم في تربيته, حينما صرخ : عايزين نكسر كل شئ ونولع الدنيا, ولم أتلقى إجابة عندما سألته عن السبب, وسألت نفسي من الذي زرع داخله -وهو مثال للآخرين- كل هذا السلوك الفوضوي وجعله أداة طيعة للهدم؟ ومن كان السبب في عدم بث روح الانتماء والالتزام السلوكي؟ أهي الأسرة أم المؤسسات التربوية والدينية أم وسائل الإعلام؟

كوارث هي التي تسببها ثقافة عدم الانضباط, وما أُثير في لجان امتحانات الثانوية العامة مؤخرًا من كوارث ستؤدي بالقطع لكوارث أكبر مستقبلا يُساهم في تحقيقها من نطلق عليهم حماة مصالح الشعب الذين أصبحوا الأولى بتلقينهم ثقافة الانضباط من أجل مصلحة الوطن, وهم بعض أعضاء البرلمان, فوزير التربية والتعليم حينما أصر على عقاب طلاب لجان الفوضى وتطبيق القوانين عليهم, فوجئ بتكاتف بعض النواب ضده لإثنائه عن قراره, وكان المُضحك المبكي هو إصرارهم على إلغاء قرار الوزير دون النظر للمصلحة العامة. الطالب الفوضوي الغشاش الذي يتقدم للالتحاق بكليات القمة هل من المتوقع أن يكون طبيبًا أو مهندسًا ناجحًا أو محاسبا أمينا؟ ومن الذي ساهم في تكوينه الفوضوي وإفلاته من العقاب؟ مؤخرًا يقوم بعض أعضاء البرلمان أيضًا بصنع كوارث فوضوية في المؤسسات التربوية التعليمية حينما يرضخون لصاحب الصوت الانتخابي في الدائرة, ويضغطون على المسئول التنفيذي الأول في المحافظة للحصول على تأشيرات باستثناء بعض الأطفال من شرط سن السادسة للتقدم للصف الأول الإبتدائي, ويرضخ المسئول التنفيذي لطلبات النواب, ويتم إلحاق أطفال دون السنوات الست بالصفوف الأولى بالمخالفة للقانون الذي يجب أن يكونوا الأحرص علي تطبيقه ومن الذي يحصل على التأشيرات سوى أصحاب النفوذ والمصلحة ؟ الأمر الذي يسبب ارتفاع كثافة الفصول, وحرمان الطلاب الصغار من الانضباط في التعليم؛ نتيجة زيادة الكثافة التي نعاني منها من جراء إفساد بعض نواب البرلمان للعملية التعليمية, ونشرهم فوضى مخالفة القانون دون النظر لإعتبارات المصلحة العامة التي قننتها وزارة التربية والتعليم, ويحرص عليها د. طارق شوقي, وتأتي المعوقات من هؤلاء المفترض فيهم حماية مصالحة الشعب, فيجب أن يكون الانضباط أسلوب حياة, يؤمن به الجميع كلًا في عمله, دون أن يشعر بأنه حِمل ثقيل على كاهله, وهو مبدأ لا بد أن يؤمن به الأطفال منذ الصغر, ليستقيم المجتمع وينهض, حتى لو حاول البعض إعمال الفوضى سيجد من يعيده لرشده, لأنه تربى على ثقافة احترام حقوق الغير, وإحترام الحريات والملكيات العامة والخاصة.

ثقافة الانضباط مسئولية الجميع لنهضة الأمة ... فمتى تتحقق؟
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط