الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حاجتنا الملحة لمعانى الإسلام الحضارية والتربوية


في رسالته التي بعث بها الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية الدكتور أسامة العبد، مهنئا المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز على النجاح المبهر لموسم الحج هذا العام، مشيرا إلى أن المملكة بذلت كل ما في وسعها لرعاية حجاج بيت الله الحرام، بناء على رصيدها التاريخي العظيم في خدمة الإسلام والمسلمين، عبر وسجل أيضا "العبد" إعجابه الشديد بجهود رابطة العالم الإسلامي برئاسة الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، رئيس رابطة الجامعات الإسلامية في نشر ثقافة السلام، وتعزيز الحوار وخطاب التواصل والوسطية والاعتدال، وكم كان جميلا ورائعا تنظيمها الراقي لمؤتمر موسم الحج الذي عقد تحت عنوان: (المعانى الحضارية فى الإسلام)، حيث أسهمت رابطة الجامعات الإسلامية ممثلة في أمينها العام معالي الدكتورأسامة العبد، في إدارة إحدى جلسات المؤتمر وتقديم ورقة بحثية بعنوان: (المشاريع الحضارية الناجحة للأمة الإسلامية)، والتى تتضمن سن التشريعات، وغرس القيم والفضائل، وإرساء حقوق الإنسان.
الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية أكد خلال إدارته للجلسة العلمية على أن الحضارة بمعناها السامي تعني العطاء، لافتا ومنبها إلى أن المرحلة التي تمر بها أمتنا كي تستعيد ريادتها، تحتاج إلى منظومة تربوية وتعليمية حديثة، وإلى تفعيل منظومة القيم الإسلامية والإنسانية وعلى رأسها قيم التقدم في الفكر الإسلامي، وإلى بناء الإنسان وتنميته بشريا بشكل مستدام؛ ذلك لأن بناء البشر مقدم على بناء الحجر، والانطلاق من أصول حضارتنا وباستجابة واعية لمستجدات العصر الحديث، كما نحتاج إلى تفعيل نظرية (رجل الواجب) وهو ذلكم الشخص الذي يؤدي ما عليه ولا يبحث عن ما له.

والحق أننى اتفق تمام الاتفاق مع ما جاء به استاذنا الدكتور أسامة العبد الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية مسبقا، وغيره من كبار مفكرينا الإسلاميين والمصلحين الاجتماعيين، ومنهم استاذنا الدكتور حامد طاهر نائب رئيس جامعة القاهرة الأسبق، الذى له أيضا باع كبير ودراسات ومقالات عديدة تنادى بذلك أيضا، وكاتب المقال العبد الفقير لربه، إذ بالفعل تحتاج أمتنا الإسلامية لكى تستعيد ريادتها إلى إحياء منظومة القيم الأخلاقية والتربوية والحضارية والإنسانية التي أرساها وجاء بها -لنا وللبشرية جمعاء- نبينا الحبيب فخر الكون صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، مقرنين تلك المنظومة بمستجدات عصرنا التكنولوجية والعلمية، مفعلين نظرية "رجل الواجب"، الذي يؤدي ما عليه بضمير وإخلاص ولا يبحث عن ما له من مدح وثناء زائف.

ولكم طالبت أيضا مرارا وتكرارا في العديد من كتاباتى بما طالب به أستاذنا الدكتور أسامة العبد الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية، من ضرورة أن تشتمل التربية الإسلامية الحديثة في عالمنا الإسلامي على الكنوز التربوية التي ربي عليها الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه، فكوّن منهم رجالا وأبطالا ملأوا الدنيا خيرا وعدلا وسماحة، ومن بينها:ما قاله لسيدنا عمر بن أبي سلمة، وهو غلام صغير تربي في حجره الشريف، وكَانَتْ يده تَطِيشُ في الصَّحْفَةِ – أي يُحرِّكُها في جوانبِ إناءِ الطَّعامِ- فقال له: "يا غُلَامُ، سَمِّ اللَّهَ، وكُلْ بيَمِينِكَ، وكُلْ ممَّا يَلِيكَ"، وما قاله لسيدنا عبد الله بن عباس حين علمه مبدأ إسلاميا عظيما افتقده الكثير منا الآن للأسف: "يا غلامُ، إني أعلِّمُك كلماتٍ: احفَظِ اللهَ يحفَظْك، احفَظِ اللهَ تجِدْه تُجاهَك، إذا سألتَ فاسألِ اللهَ، وإذا استعنْتَ فاستعِنْ باللهِ، واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك، وإنِ اجتمعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لم يضُروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك، رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفَ"، وحين وجه صلى الله عليه وسلّم سيدنا ابي ذر الغفاري: "اتَّقِ اللَّهَ حيثُما كنتَ وأتبعِ السَّيِّئةَ الحسنةَ تمحُها وخالِقِ النَّاسَ بخلقٍ حسنٍ".

وتقريره صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم لأمته جميعا لأهم مبادئ إسلامنا التربوية والحضارية حسن الخلق، والتي بابتعادنا عنها فقدنا وأمتنا الكثير من رصيدها ومكانتها بين الأمم الأخرى الأقل منا شأنا، في قوله: "ما من شيء فى الميزان أثقل من حسن الخلق"، وقوله: "خياركم أحسنكم أخلاقا"، وقوله: "أخبركم بأحبكم إلىّ، وأقربكم منى مجلسا يوم القيامة؟ فسكت القوم، فأعادها مرتين أو ثلاثا، قال القوم: نعم يا رسول الله، قال: "أحسنكم أخلاقا".

حقيقة مرة بات علينا الاعتراف بها، مفادها فقدنا للتربية بمفهومها الأخلاقي، وفى هذا يقول استاذنا الدكتور حامد طاهر: "التربية بمعناها الأخلاقى ظلت بعيدة بصفة عامة عن المدارس، واقتصر وجودها على المنزل، والمسجد أو الكنيسة، حيث يقدم للنشء بعض النصائح الأخلاقية دون أن تتم المحاسبة الدقيقة على تنفيذها، وهو الأمر الذى جعل أجيالا من الشباب يكبرون، ولكل منهم سلوكه الخاص النابع من تجربته الخاصة، ولذلك راح الجميع الآن يشكون من تدهور الأخلاق، الذى أصبح نتائجه تفجؤنا جميعا فى كل المجالات تقريبا".

وقد وضع لنا مفكرنا ومصلحنا الاجتماعى الكبير استاذنا الدكتور حامد طاهر عدة أهداف إذا حاولنا اليوم مواجهة أنفسنا بصدد محاولة ترسيخ التربية الإسلامية فى نفوس النشء، وهى تنشيط حاسة الضمير فى نفس الفرد، بحيث تتكون لديه يقظة دائمة ومراقبة ذاتية لكل ما يجول بفكره، ويوجه إرادته، ويترتب على أفعاله، وتعظيم قيمة إتقان العمل لذاته، دون حرص على الطمع فى عائده، أو خشية من التقصير غير المتعمد فيه، والتمييز الدقيق بين الفضائل والرذائل، تمهيدا لاتباع الأولى واجتناب الثانية، وحسن التعامل مع الناس جميعا، وفى مقدمتهم الأهل، والجيران، والأقارب، وزملاء العمل، ومن الواضح يقينا أن هذه الأهداف كلها مستمدة من التعاليم الإسلامية.. فما أحوجنا الرجوع لديننا ومبادئه ومعانيه الأخلاقية والتربوية والحضارية، لنلحق بباقى الأمم التي سبقتنا، وأضحت لها الكلمة والريادة الفعلية.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط