لقد كانت حرب السادس من أكتوبر عام 1973، المعنى الحقيقي للجملة المعروفة بأن "الحرب خُدعة"، فقد قام الرئيس الراحل محمد أنور السادات بأكبر عملية خداع إستراتيجي، قام بها أي رجل "سياسي – عسكري" في تاريخ البشرية دون مبالغة، حيث نجحت القيادة السياسية ممثلة فى السادات والقوات المسلحة والمخابرات وأجهزة الدولة فى عملية خداع إستراتيجى للداخل قبل الخارج، خاصة فى الفترة التى سبقت الحرب.
وقد تم اتخاذ مجموعة من الخطوات التى كانت تهدف إلى تضليل العدو الإسرائيلي قبل حرب أكتوبر 1973، وكان أهمها؛ أن الرئيس السادات والجيش المصري، لا يفكرون في الحرب على الإطلاق، واستمرار الوضع على ما هو عليه، وهو «اللاحرب واللاسلم».
وقد سجلت خطة الخداع الإستراتيجى أكبر مفاجآت الحرب وإنجازا ضخما خططت له المخابرات المصرية وشاركت فيه القيادة السياسية وعناصر المخابرات فى الداخل والخارج، وذلك للتغطية على استعدادات مصر للحرب ولإيهام العدو بأن الوقت مازال مبكرا جدا بالنسبة للمصريين حتى يخوضوا حربا.
ويوصف الخداع فى الحروب بأنه مجموعة من الإجراءات والأنشطة المنسقة والمخطط لها بعناية بالغة بغية إخفاء الحقائق التي من شأنها التأثير على مجريات الحرب، ومنعها من الوصول إلى الدول المعادية أو المتعاونة معها، وتوجيه ودعم تقديراتها وجهودها إلى اتجاهات زائفة تؤدي إلى قرارات تخدم الخطط الموضوعة ويهدف الخداع في الحرب والصراع المسلح إلى تمويه العدو عن خطة إعداد الدولة وإجراءاتها مع إخفاء فكرة إدارة الصراع المسلح وطبيعته.
كما اشتملت خطة الرئيس الراحل محمد أنور السادات الخاصة بـ الخداع الإستراتيجي، على إظهار ضعف مصر اقتصاديًا وعدم قدرتها على الهجوم، وإظهار حرصها على أن حل الأزمة يجب أن يكون سلميا، واشتمل الحل السياسي بإظهار قبول حالة اللاسلم واللا حرب والإعلان عن عدم الحسم أكثر من مرة ثم الخداع الإستراتيجي والتعبوي الإعلامي، مثل قرار وزير الحربية بزيارة ليبيا في توقيت معين.
السادات يشرف على خطة الخداع الاستراتيجي
تسريح 30 ألف مقاتل مصري ورفع درجة الاستعداد في القواعد الجوية
إجراء التعبئة العامة والاستدعاء
التمرن على عبور القناة
وهذا التكرار للتدريب على عملية العبور أكبر خدعة للعدو، إذ إنه لم يثر فيهم سوى الضحك والاستهزاء من عدم قدرة القوات المصرية على القيام بذلك وعبور أكبر خط دفاعي زساتر ترابي عرفه التاريخ.
إنشاء الجيش المصري لساتر ترابي على الضفة الغربية لقناة السويس
تحريك القوات المصرية في اتجاهات مختلفة وثانوية
كان من ضمن خطة الخداع الإستراتيجي التي وضعها الرئيس الراحل أنور السادات قبل الحرب، تحريك القوات المصرية في اتجاهات مختلفة وثانوية، وإجراء تحركات عرضية داخل الجبهة وعكسية من وإلى الجبهة تحت ستار التدريب مع التغيير المستمر في حجم وأوضاع القوات البرية وأماكن تمركز القطع البحرية في الموانئ والمراسي داخل وخارج الجمهورية.
استمرار عملية تشتيت العدو الإسرائيلي
كانت خطة الهجوم تتضمن عملية خداع موسعة للعدو، حتى لا يكتشف مبكرًا اتجاه الهجوم الرئيسي، فقد تم الهجوم على طول الجبهة وفي أعماق سيناء وعبر بحيرة التمساح، وذلك بهدف إرباك العدو وخداعه، بالإضافة إلى استمرار الأعمال اليومية الاعتيادية على طول الجبهة وتفادي الإقدام على إجراء يمكن أن يدل على تغيير سير الحياة الطبيعية.
السوريون يأتون إلي مصر عبر السفن
خداع الأقمار الصناعية
ولم تكن ثمة وسيلة لإخفاء طوابير العربات والدبابات وقطع المدفعية عن عدسات هذه الأقمار التي لا تكف عن الدوران حول الأرض في مسارات عديدة منتظمة، إلا أنه بالبحث والدراسة المتأنية ثبت أنه بالإمكان خداعها.
فقد كان من المعروف لدى خبراء الاستطلاع الجوى المصري أن هذه الأقمار تحلل الألوان إلى 32 لونًا تتدرج من الأبيض الناصع إلى الأسود القاتم، ثم ترسل مشاهداتها على هيئة أرقام يعبر كل منها عن لون المربع الواضح في الصورة، وفي مراكز الاستقبال الأرضية يعاد استبدال الأرقام بمربعات لها نفس درجة اللون، فتكون الصورة الحقيقة مرة أخرى.
إعداد المستشفيات لاستقبال الجرحى
وتم إعداد خطة محكمة ضمن خطة الخداع حيث قام الجيش بتسريح ضابط طبيب كبير كان مستدعى للخدمة العسكرية، وأعيد هذا الطبيب إلى الحياة المدنية، وفور تسلمه وظيفته السابقة بوزارة الصحة أرسل للعمل في مستشفى الدمرداش التابع لجامعة عين شمس التي وقع عليها الاختيار لكبر حجمها لتكون في أول قائمة المستشفيات.
وحسب الخطة اكتشف الطبيب بعد وصوله إلى المستشفى أن ميكروب التيتانوس يلوث العنابر الرئيسية للمرضى، ولأن هذا الطبيب كان منزعجًا وقلقًا من هذا الميكروب الذي يهدد حياة المرضى وبعد ضياع يومين من الرسائل المتبادلة بين المستشفى ووزارة الصحة مع بعض الروتين اللازم لحبك الخطة ومناقشات الأطباء والمذكرات أمرت وزارة الصحة بإخلاء المستشفى من المرضى تمامًا وتطهيره.
وتم تكليف الطبيب بالمرور على باقي المستشفيات لاستكشاف درجة تلوثها، وقامت الصحف بنشر التحقيقات الصحفية حول المستشفيات الملوثة ونشر الصور وعمال التطهير يرشون المبيدات الخاصة بالتطهير في عنابر المستشفيات.
وما إن حل أول أيام أكتوبر حتى كان العدد اللازم من المستشفيات قد أخلي نهائيًا، وأصبح على أتم استعداد لاستقبال الجرحى والمصابين كإجراء احتياطي مهم.
اختيار توقيت الحرب
وتنشغل إسرائيل بعيد الغفران اليهودى وتستعد لخوض انتخابات تشريعية، وثانيها اختيار الساعة وقت الظهيرة وتعامد الشمس فوق رؤوس العدو بشكل يصعب عليهم الرؤية، وهذا شىء لم يتوقعه العدو حيث إن العمليات العسكرية تكون مع أول ضوء أو آخر ضوء.