الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الزنزانة ٥٤!


بحسبة بسيطة .. بطل الحرب والسلام، العظيم أنور السادات من مواليد ديسمبر عام ١٩١٨، وأطلق قرار العبور ليدخل مع الجيش المصرى التاريخ فى أكتوبر ١٩٧٣ .. بما يعنى أن القائد الثعلب انتصر فى معركة الكرامة وهزم العدو الإسرائيلى "الذى لا يُقهر" عن عمر يناهز ٥٤ عاما وبضعة أشهر .. وبقراءة سجل ومشوار بطلنا الأسمر نكتشف دلالة هذا الرقم فى حياته وكيف أبدع القدر فى تخليد اسمه ليس فقط عندما اختاره الله "شهيدا" فى نفس يوم عُرسه .. وإنما أيضا لاقتران عمره عند لحظة الانتصار بالرقم الذى ترك بصمة على شخصيته وتكوينه .. وقراراته!.
الزنزانة ٥٤ .. هذه الغرفة الضيقة من ٤ جدران مصمتة التى ظل فيها السادات حبيسا لأكثر من عام ونصف معزولا عن العالم وسط شهور وليالى من السكون والوحدة القاتلة .. وكانت الحالة كفيلة بتسريب اليأس إلى نفسه، ووأد أي أمل بداخله فى الحرية أو الخلاص .. ولكن الفلاح الصبور على المحن والشدائد حارب الموقف بكثرة القراءة والاطلاع على الكتب المتنوعة باللغتين العربية والإنجليزية، بل وتعلم العبرية والفارسية لإثراء معرفته وثقافته .. وانغمس فى أقوال وعبارات كبار الفلاسفة وأشهر المفكرين والسياسيين فى العالم، وعكف على تدوينها كالطالب المُجد فى "كراسة السجن" التى لازمته طوال حياته .. وتأمل فى تفاصيل طفولته القروية ليقترب بها فى روحانية إلى الله ويستمد من الصلاة والصوم القوة الذاتية للتحكم فى شهواته وقياس قدرته على الفعل وتغيير الواقع وتطوير أفكاره ومعتقداته .. وهكذا تحولت "الزنزانة ٥٤" البائسة إلى طاقة إيجابية صنعت مشروع "بطل شجاع" ينظر إلى المستقبل بخيال الفنان وحكمة المثقف وذكاء السياسى الواعى!.
ولم تفارق أيام السجن فى الـ ١٨ شهرا ذاكرة "الرئيس" ومنها زرع البذرة .. وخطط للفكرة .. وأتقن أسلوب اختيار رجاله وقيادة أبنائه - الصامدين فى خنادقهم مع بنادقهم - نحو النصر والتفوق .. وذهب إلى العدو فى عقر داره واسترد الأرض بالسلاح والسياسة معا .. وعاد إلي وطنه يبنى ويفكر فى العبور الثانى نحو النهضة والأمن والاستقرار .. ولنا أن نتخيل حال مصر إذا ما استمر "السادات" فى طريقه وطاف بنا خياله إلى ما هو أرحب وأعمق .. وكل هذا وذاك، والزنزانة ٥٤ نصب عينيه وكتاباته على جدران "الخندق الانفرادى" تتوهج فى ذهنه وتحرك مشاعره وتصقل قراراته لتمر العقود وتتعاقب الأجيال، ومع كل ذكرى لملحمة أكتوبر المجيدة يتكرر التصفيق وترتفع الأيدى فى قوة لتحية "السجين الحُر"!.
لم يعد ٦ أكتوبر فحسب الرقم الوحيد العبقري فى حياة "السادات"، وإنما يجب أن تتوقف العقول عند الرقم ٥٤ الذى صار أحد أبطال قصة الانتصار وتابلوه "رفع الرأس" .. وفيلم وثائقى محترف عن "الزنزانة ٥٤" نستطيع من خلاله استلهام العبر والدروس ولنتعلم كيف يُولد "صُنَّاع التاريخ"! .. وكم بلغت سعادتى أقصاها وأنا أشاهد ابنتي الصغرى فى فناء مدرستها تحمل السلاح وتزحف على الأرض وتقفز لمحاربة الأعداء فى احتفالات أكتوبر وكلها فخر ونشوة واعتزاز .. وقلبى يقول لها : "أنتِ هنا وهكذا بفضل الله .. ثم خير الأجناد .. وعلى رأسهم سجين "الخندق ٥٤"!. 
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط