الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

اللواء محمد إبراهيم: السيسي كان واضحا وحاسما بأن مصر لن تسمح بالمساس بحقوقها في مياه نهر النيل.. وإثيوبيا استمرت في نهجها المتشدد وتجاهلت التزامات إعلان المبادئ

الرئيس عبد الفتاح
الرئيس عبد الفتاح السيسي

  • اللواء محمد إبراهيم:
  • القيادة السياسية المصرية تنتهج في سياستها الخارجية مبدأ حسن الجوار والتعاون المشترك
  • الجانب الإثيوبي استمر في نهجه المتشدد متجاهلًا الالتزامات الواقعة عليه طبقًا لإعلان المبادئ
  • السيسي كان واضحا وحاسما في تنبيه العالم بأن مصر لن تسمح بالمس بحقوقها في مياه نهر النيل
  • إثيوبيا قد بدأت بناء السد في الفترة التي كانت فيها مصر في حالة سيولة في أعقاب ثورة 25 يناير 2011
  • الولايات المتحدة تعاملت بسرعة وإيجابية مع المطالب المصرية بشأن الوساطة الدولية في مشكلة سد النهضة
  • مصر لم تعترض على قيام إثيوبيا ببناء سد النهضة لكن بشرط ألا يؤدي ذلك إلى الإضرار بحصة مصر المائية

أكد اللواء محمد إبراهيم، عضو الهيئة الاستشارية للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية، أن الرئيس عبد الفتاح السيسي كان واضحا وحاسما وأمينا في تنبيه دول العالم، خلال خطابه أمام اجتماعات الدورة 74 للجمعية العامة للأمم المتحدة التي عقدت مؤخرا في نيويورك، بأن مصر لن تسمح بالمس بحقوقها وحصتها التاريخية في مياه نهر النيل، وأن هذه الحقوق الراسخة هي قضية حياة ووجود.

وقال اللواء محمد ابراهيم ـ في مقال نشره المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية اليوم، الخميس، إن الرئيس السيسي أحاط، في هذا الخطاب، المجتمع الدولي بأن المفاوضات المتعلقة بسد النهضة الذي تقيمه إثيوبيا على أهم منابع نهر النيل لم تصل إلى أي نتائج، وأنه قد حان الوقت لوساطة دولية للضغط على أطراف المفاوضات لإبداء مرونة في مواقفها المتشددة.

وأضاف أن الرئيس عبد الفتاح السيسي يحرص دائما على تأكيد التزام مصر بحماية حقوقها المائية في مياه النيل، وأنها سوف تتخذ كل الإجراءات على الصعيد السياسي وفي إطار قواعد ومبادئ وأسس القانون الدولي في هذا الشأن، مع الإشارة إلى أن نهر النيل سيظل الرابط الجغرافي والتاريخي بين دول المنبع ودول المصب.

وأشار عضو المجلس المصري للشئون الخارجية إلى أن كل المواقف التي أعلن عنها الرئيس السيسي تجاه هذه القضية تركز على القانون الدولي والتحرك السياسي من أجل الحفاظ على الأمن القومي المصري المائي، وهو ما يؤكد أن القيادة السياسية المصرية تنتهج في سياستها الخارجية مبدأ حسن الجوار والتعاون المشترك والبحث عن المصالح المشتركة، وهو ما يتسق مع حرص الرئيس السيسي، منذ توليه رئاسة الاتحاد الأفريقي، على حل الصراعات بين الدول الأفريقية بالطرق السياسية، وأن تتجه القارة بقوة نحو السلام والتنمية.

وقال اللواء محمد إبراهيم إن الولايات المتحدة تعاملت بسرعة وإيجابية مع المطالب المصرية بشأن الوساطة الدولية في مشكلة سد النهضة، حيث أعلن البيت الأبيض، في تصريح رسمي، دعم المفاوضات، وطالب الأطراف بالتوصل لاتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد بما يحقق المصالح المشتركة للدول الثلاث ويحافظ على حقوقها في التنمية مع احترام حقوق الطرف الآخر في المياه.

وأضاف أن هذا التصريح الأمريكي متوازن لأنه يعبر عن نفس الموقف الذي لا تزال مصر تلتزم به، والمتمثل في ضرورة تنفيذ المعادلة الواضحة التي تجمع بين المنفعة المشتركة والحقوق المائية.

وأوضح أنه إذا كانت مصر قد منحت المفاوضات وقتًا طويلًا تأكيدًا لحسن نواياها ورغبة منها في التوصل إلى حل سياسي مرضٍ للجميع رغم عدم وصول عملية التفاوض لأي نتائج، فإننا كان لزامًا علينا أن ننتقل إلى مرحلة جديدة من الجهد والتحرك السياسي المتمثل في المطالبة بوساطة دولية، ووجود طرف ثالث يطرح حلولًا مقبولة ويمارس دورًا أكثر إيجابية يؤدي في النهاية إلى إنهاء هذه المشكلة والانتقال بها إلى مرحلة من تقنين المصالح والمنافع المشتركة، وهو الأمر الذي لا زالت مصر تتبناه وتحرص عليه في كافة تحركاتها المرتكزة على مبدأ أن مياه النيل مسألة حياة ووجود.

وتوقع اللواء محمد إبراهيم أن تشهد الفترة المقبلة آلية جديدة للتفاوض في إطار الوساطة الدولية، وقال: "علينا أن نفسح لهذه الآلية المجال بكل مصداقية وثقة وشفافية وانفتاح وروح إيجابية، وهو أمر مطلوب من جميع الأطراف، ولا سيما الجانب الإثيوبي، حتى يتم الانتهاء من هذه المشكلة، ليكون حلها نموذجًا أفريقيًا ناجحًا للتعاون المثمر بين مصر وإثيوبيا، ويحقق مصالحهما المشتركة ولا يجور على حقوق أي منهما".

وتناول اللواء محمد إبراهيم ملابسات قضية المفاوضات حول سد النهضة بشيء من التوضيح، حيث قال: "من المؤكد أن الحديث حول سد النهضة يحظى بقدر كبير من الأهمية خلال المرحلة القادمة في ضوء التعثر الواضح في المفاوضات، ووصولها إلى طريق مسدود بعد أكثر من خمس سنوات من التفاوض المباشر مع إثيوبيا والسودان، وعدم توصل اللجان المختلفة التي تم تشكيلها على مدار الفترة الماضية إلى أي نتائج إيجابية، الأمر الذي دفع بمصر إلى الاعتراف علنًا بعدم جدوى عملية التفاوض حتى الآن مع أهمية البحث عن بدائل جديدة".

وأضاف: "هناك ثلاثة محددات رئيسية من الضروري الإشارة إليها قبل الخوض في أبعاد مسألة المفاوضات ومشاكلها والمسارات المتاحة للتحرك".

المحدد الأول: "أن قضية سد النهضة تمثل قضية أمن قومي مصري، وبالتالي فإن تحرك الدولة المصرية في هذا المجال يعد تحركًا على قدر كبير من الأهمية، ويعتمد على خطوات محسوبة وإجراءات مدروسة، ومن ثم، لا مجال هنا لقرارات انفعالية أو تحركات غير مطلوبة، وهو الأمر الذي تحرص معه القيادة السياسية ، بصورة لا تقبل الشك، على أن يكون تحركها مرتبطًا بإطار موضوعي وفي إطار المواثيق الدولية".

المحدد الثاني: "أن قضية سد النهضة بكل مكوناتها ومراحلها أصبحت أمرًا واقعًا، ومن ثم فلا مجال أمامنا سوى التعامل معها من هذا المنطلق من أجل الوصول إلى حلول منطقية مقبولة تحافظ على أمننا المائي، لا سيما أن نهر النيل يمد مصر بحوالي 95% من مصادرها المائية".

المحدد الثالث: "أن مصر لم تعترض على قيام إثيوبيا ببناء سد النهضة أو أي سدود من شأنها المساهمة في دعم التنمية الاقتصادية الإثيوبية، ولكن بشرط ألا يؤدي ذلك إلى الإضرار بحصة مصر المائية التي كفلتها لنا القوانين الدولية المتعلقة باستخدام وإدارة الأنهار الدولية والاتفاقيات السابقة التي تحاول إثيوبيا تجاهلها وعدم الاعتراف بها".

وأكد اللواء محمد إبراهيم أن مصر أبدت العديد من التحفظات على المعايير التي أعلنتها إثيوبيا لبناء السد، ودون الدخول في تفصيلات فنية وإجرائية، مشير إلى أن أهم هذه التحفظات كان ضرورة إعادة النظر في مسألة قواعد ملء وتشغيل السد، حيث تطالب مصر بأن تطول فترة الملء حتى سبع سنوات بدلًا من ثلاث أو أربع سنوات، كما تطالب إثيوبيا، خاصة أنه في حالة تنفيذ هذا المطلب الإثيوبي سيؤدي ذلك إلى نقص في المياه المتدفقة إلى مصر سنويًا بحوالي من 9 – 15 مليار متر مكعب "نشير هنا إلى أن حصة مصر من مياه النيل هي 55 مليار متر مكعب سنويًا".

وتابع: "هذا النقص سوف يرتب تأثيرات سلبية متتالية على توليد الكهرباء وعلى الزراعة في مصر بنسب متفاوتة، وفى نفس الوقت، كانت هناك تحفظات مصرية أيضًا على بعض النواحي الفنية المتعلقة بأمان السد، لكن لم تتعاون إثيوبيا مع المطالب الواردة إليها من لجنة الخبراء الدولية المتعلقة بهذا الشأن".

وقال: "ومن المهم أن نشير في هذا المجال إلى أن إثيوبيا قد بدأت بناء السد في الفترة التي كانت فيها مصر في حالة سيولة في أعقاب ثورة 25 يناير 2011، حيث قام رئيس الوزراء الإثيوبي بوضع حجر الأساس لبناء السد في أبريل 2011، وبالتالي حرصت مصر في أعقاب ثورة 30 يونيو 2013 على أن تمنح هذا الموضوع أهمية خاصة في أعقاب تعافي الدولة واستعادة قوتها وهيبتها، وبدأت عملية تفاوض مطولة مع الجانب الإثيوبي من أجل التوصل لحل لهذه المشكلة".

وأضاف: "وبالفعل، دخلت مصر في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي مفاوضات جادة مع إثيوبيا اعتمدت فيها على موقفها القوي طبقًا للقانون الدولي، وليس ذلك فقط، بل انتهجت مبدأ التفاوض بكل شفافية ومصداقية وثقة وحسن نية من منطلق أن الهدف النهائي من عملية التفاوض يتمثل في الوصول إلى حلول مقبولة من الطرفين تحقق المصلحة المشتركة لكليهما".

وتابع: "أسفرت عملية التفاوض عن التوصل إلى إعلان مبادئ تم توقيعه في الخرطوم في مارس عام 2015 بين قيادات الدول الثلاث "مصر وإثيوبيا والسودان"، كان من المفترض أن يكون بداية جديدة لعهد جديد بين هذه الدول يحقق الرخاء والتنمية ويؤسس لمرحلة من التعاون والتفاهم والتنسيق والمصالح المشتركة، وينهي في نفس الوقت أية أفكار للصراع أو الخلاف".

واستطرد قائلا: "وفي هذا الشأن لا بد أن نشير إلى مدى أهمية إعلان المبادئ الموقع بين الدول الثلاث، حيث تضمن عشرة مبادئ واضحة تصلح تمامًا لإنهاء هذه المشكلة، وهي مبادئ تتحدث في معظمها عن المنافع والمصالح المشتركة، والتعاون وحسن الثقة، وتبادل المعلومات، وتفهم الاحتياجات المائية لدول المصب "مصر والسودان"، ثم طالب الإعلان في أحد بنوده إثيوبيا باستكمال تنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية المتعلقة بأمان السد، ومن الضروري أن نشير هنا إلى مبدأ الإلزام في هذا الإعلان، حيث نصت ديباجة إعلان المبادئ على أن الدول الثلاث ألزمت نفسها بكافة المبادئ العشرة التي تضمنها".

وقال اللواء محمد إبراهيم: "وإنه بتوقيع إعلان المبادئ دخلت المشكلة فيما يمكن أن نسميه المرحلة التنفيذية للحل المؤسس على المصالح المشتركة المقبولة من جميع الأطراف، إلا أن الجانب الإثيوبي استمر في نهجه المتشدد متجاهلًا الالتزامات الواقعة عليه طبقًا لإعلان المبادئ، ولم يبد أي مرونة في المفاوضات التي تلت عملية توقيع الإعلان حتى وصلنا إلى المرحلة الحالية التي استهلكنا فيها أكثر من أربع سنوات ونصف من مارس 2015 وحتى الآن دون أي نتائج، ولا سيما فيما يتعلق بقواعد تشغيل وملء السد، ومن ثم كان على القيادة السياسية التحرك والبحث عن بدائل جديدة للحفاظ على حقوق مصر المائية".

وأضاف: "في هذا الإطار، حرص الرئيس عبد الفتاح السيسي على أن يطرح القضية أمام المجتمع الدولي كله، حيث تضمن خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في دورتها 74 في الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر الماضي، أن المفاوضات المتعلقة بسد النهضة لم تصل إلى أي نتائج، وأن الوقت قد حان لوساطة دولية للضغط على الأطراف لإبداء مرونة في مواقفها المتشددة، مؤكدًا أن قضية المياه بالنسبة لمصر هي قضية حياة ووجود".

وتابع: "وفي الوقت نفسه، حرص الرئيس السيسي في تصريحات واضحة وحاسمة منذ أيام قليلة، في أعقاب فشل اجتماع وزراء الري في الدول الثلاث الذي عُقد في الخرطوم، على تأكيد التزام مصر بكل مؤسساتها بحماية الحقوق المائية لمصر في مياه النيل والتزامها باتخاذ كل ما يلزم من إجراءات على الصعيد السياسي وفي إطار محددات القانون الدولي في هذا الشأن ، مع الإشارة إلى أن نهر النيل سيظل الرابط الجغرافي والتاريخي بين الجنوب والشمال".

وقال اللواء محمد إبراهيم: "إنه من الملاحظ هنا أن كل المواقف التي أعلن عنها الرئيس عبد الفتاح السيسي تركز على القانون الدولي والتحرك السياسي من أجل الحفاظ على الأمن القومي المصري المائي، وهو ما يؤكد أن القيادة السياسية المصرية لا تزال تنتهج في سياستها الخارجية مبدأ حسن الجوار والتعاون المشترك والبحث عن المصالح المشتركة بعيدًا عن الدخول في أي صراعات لا طائل من ورائها".

وأضاف: "ولا يجب أن ننسى أن رئاسة مصر الحالية للاتحاد الأفريقي كانت نقطة تحول واضحة في سياسة هذا الاتحاد، حيث حرص الرئيس السيسي على أن تشهد فترة رئاسته للمجلس توجهًا واضحًا نحو حل الصراعات بين الدول الإفريقية، وأن تتجه القارة بقوة نحو السلام والتنمية، ومطالبة المجتمع الدولي بدعم هذا التوجه".

وتابع: "لقد حرصت الولايات المتحدة على التعامل بسرعة وإيجابية مع المطالب المصرية بشأن الوساطة الدولية في مشكلة سد النهضة، حيث أصدر البيت الأبيض تصريحًا واضحًا يدعم المفاوضات ويطالب الأطراف بالتوصل لاتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد بما يحقق المصالح المشتركة للدول الثلاث ويحافظ على حقوقها في التنمية، مع احترام حقوق الطرف الآخر في المياه، وفي رأيي إن هذا التصريح الأمريكي يعد تصريحًا متوازنًا لأنه يعبر عن نفس الموقف الذي لا تزال مصر تلتزم به، والمتمثل في ضرورة تنفيذ المعادلة الواضحة التي تجمع بين المنفعة المشتركة والحقوق المائية".

واستطرد: "وإذا كانت مصر قد منحت المفاوضات وقتًا طويلًا تأكيدًا لحسن نواياها ورغبة منها في التوصل إلى حل سياسي مرضٍ للجميع رغم عدم وصول عملية التفاوض لأي نتائج، فإننا كان لزامًا علينا أن ننتقل إلى مرحلة جديدة من الجهد والتحرك السياسي المتمثل في المطالبة بوساطة دولية، وهي في النهاية عملية تفاوض أيضًا ولكن مع وجود طرف ثالث يمكن أن يطرح حلولًا جديدة مقبولة، ويمكن له أن يمارس دورًا أكثر إيجابية يؤدي في النهاية إلى إنهاء هذا المشكلة، والانتقال بها من مرحلة يمكن أن يشوبها الصراع، إلى مرحلة أفضل من تقنين المصالح والمنافع المشتركة، وهو الأمر الذي لا تزال مصر تتبناه وتحرص عليه في جميع تحركاتها، دون أن نبتعد عن مبدأ أن مياه النيل بالنسبة لنا مسألة حياة ووجود".

واختتم اللواء محمد إبراهيم مقاله بقوله: "ومن المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة آلية جديدة للتفاوض في إطار الوساطة الدولية، وعلينا أن نفسح لها المجال بكل مصداقية وثقة وشفافية وانفتاح وروح إيجابية، وهو أمر مطلوب من جميع الأطراف، ولا سيما الجانب الإثيوبي، حتى يتم الانتهاء من هذه المشكلة، وليكون حلها نموذجًا أفريقيًا ناجحًا للتعاون المثمر بين مصر وإثيوبيا، ويحقق مصالحهما المشتركة، ولا يجور على حقوق أي منهما".