الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

استجواب الرئيس صدام حسين


* لا تزال مخيلتي تحمل تلك اللحظة البغيضة في تاريخ أمتنا العربية والتي شعرت فيها بحزن لايزال يعتريني كلما مرت بخاطري لحظات إعدام الرئيس العراقي صدام حسين ، بصرف النظر عن اختلافنا أو اتفاقنا معه غير أن الخزي كان في الطريقة التي تم بها إعدامه، والفجيعة الكبري هي اختيار التوقيت .. إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين تم تنفيذه بعد أن لفقت له أمريكا تهم إرتكاب جرائم ضد الإنسانية، وهي من المضحكات المبكيات، فأمريكا نفسها هي التي تخترق القواعد الإنسانية والديمقراطية، وتدمر شعوبًا وأوطانًا بدعوى الحفاظ على الديمقراطية، وتصمت أمام جرائم الصهاينة في فلسطين، وتمارس في جوانتانامو الأساليب الوحشية وامتهان للكرامة الإنسانية، وكان المشهد المؤلم لكل من يمتلك الكرامة العربية هو ذلك التاريخ الذي تم فيه تنفيذ حكم الإعدام في فجر يوم عيد الأضحى ( العاشر من ذو الحجة) عام 1427 هجرية الموافق 30 من ديسمبر 2006، حين قامت امريكا بتسليمه إلي الحكومة العراقية العميلة الموالية لها، لتقوم هى بالتنفيذ الصوري والإشراف الفعلي للأمريكان، لكي تفلت من جدل قانوني حول اعتبار صدام حسين أسير حرب يجب احترام التعامل معه، وتم إعدامه في اللحظة التي يقوم فيها المسلمين بذبح الأضحية في عيد الأضحي إذلالًا له وللمسلمين دون أن تنتفض كرامتهم التي غابت من وقتها، ووقف الرئيس العراقي السابق صلبًا صلدًا غير متوتر أثناء تنفيذ إعدامه، وادعت أمريكا وبعض القادة العرب أنه تم التخلص من ديكتاتور أباد قطاع كبير من شعبه، وانتهت مرحلة من تاريخ العراق الذي حكمه صدام لنحو ربع قرن قبل أن تتم الإطاحة به عقب غزو العراق الذي قادته القوات الأمريكية عام 2003 ... الآن . علا صوت كان يعمل في مطبخ المخابرات الأمريكية ليعيد لصدام حقه، ويتهم أمريكا بأنها أخطأت في القضاء عليه وإعدامه، ولكن ماذا يفيد ذلك الآن؟

منذ ساعة كنت قد انتهيت من قراءة كتاب صدر في أمريكا إسمه استجواب الرئيس "صدام حسين"، وهو كتاب هام جدًا، وأهم ما في بداية الحديث عن مضمون الكتاب أن مؤلفة هو جون نيكسون كان يشغل كبير محللي وكالة المخابرات الأميركية ( CIA )، وكان مسؤولًا عن متابعة وقراءة وتحليل.

خطب الرئيس صدام حسين، واعترف المؤلف بأنه نشر كتابه الأن إرضاء لضميره ولكي يبين الخديعة التي سطرتها المخابرات الأمريكية عن شخصية صدام حسين، ويعتذر للعراقيين. جون نيكسون كان متعايشًا بحكم عمله مع نبضات قلب صدام ،وكل همسة وحرف ينطق به إبان فترة وجوده رئيسًا للعراق كان نيكسون يقوم بتحليل خطب صدام وكتابة تقارير تعرض على رؤسائه، ومساعدة ضباط الوكالة وتم تكليفه فيما بعد القبض علي الرئيس العراقي بأن يقوم باستجوابه، الآن نيكسون يقول في كتابه إن امريكا أساءت فهم صدام، وفهم دوره كعدو حازم للقيادات الراديكالية في العالم، وأن إنهاء حكم صدام وإزاحته عن السلطة كانت نكبة حلت بالعراق، الذي أصبح الآن دولة فاشلة بجميع المقاييس ، ولكننا استفدنا منهم كثيرًا كما أن التهديدات التي تواجهها أمريكا من التنظيمات الإرهابية في العراق تحت مسمى الدواعش ما كانت تواجهها لو أحسنت أمريكا التعامل مع صدام، وتعايشت معه، وكان صدام يعتبر أمريكا حليفًا استراتيجيًا للعراق في مواجهة التطرف، غير أن الموساد واللوبي الصهيوني بذلا جهدًا كبيرًا في إفساد العلاقة العراقية الأمريكية عقب تهديدات صدام بإبادة إسرائيل ، وأعتقد أنه كان هو الخطأ الذي وقع فيه بتلك التصريحات، وكانت إحدى أسباب نهايته التي خططت لها الجماعات الصهيونية في أمريكا، ويذكر نيكسون أن صدام لم يكن مجنونًا كما ادعت أمريكا وحين تم تكليفي باستجوابه رأيته في كامل قواه العقلية، وكانت بلدان كثيرة مليئة بالسفاحين المختلين، ولكننا اخترنا ملاحقة صدام وحده، والآن أعتقد أننا أخطأنا كثيرًا كأمريكا، ولم نأخذ في اعتبارنا مستقبل الشرق الأوسط الملئ بالدماء الآن ويشير نيكسون إلى أنه كان قد رسم لصدام صورة ديكتاتور جاهل متعجرف من خلال التقارير التي كانت تبثها وكالة المخابرات الأمريكية والصور المغايرة التي كان الإعلام الأمريكي الموجه يرسمها له، ويعترف جون نيكسون بأنه كان ضحية خداع لتلك التقارير تغيرت تلك الصورة عندما تم القبض علي صدام حسين وتكليف جون نيكسون باستجوابه ليقول عضو المخابرات الأمريكية: عندما التقيت بصدام حسين عن قرب تغيرت الصورة التي رسمتها له من خلال تقارير المخابرات الأمريكية ووجدت أمامي قائدًا شجاعًا ذكيًا جدًا ولديه معرفة بكل التفاصيل الدقيقة من حوله وطويت تلك الصورة القديمة له في ذهني وتعايشت معه من جديد والآن إرضاء لضميري أعتذر للعراق وللعراقيين وللرئيس صدام وقال: لا اعتقد أن هناك آية دولة أخرى اضطهدت وأسئ الظن فيها كما حدث للعراق، لأن أمريكا أساءت فهم الرئيس العراقي صدام حسين وأذكر كلمة قالها لي أثناء استجوابه حين وقف شامخًا وقال لي في حدة أمريكا ستفشل في العراق وحكم العراق ليس سهلًا. ويذكر نيكسون أنه ذات يوم استدعاه الرئيس الأمريكي حينها بوش ليقول له أخبرني عن طباع وحالة صدام أثناء الاستجواب، قلت للرئيس بوش: صدام حسين صلبًا حاد الذكاء ولا يخشي الموت، وسأل بوش عضو المخابرات الأمريكية: هل بلغ علم صدام أننا سنقوم بإعدامه؟ أجبته علي الفور: نعم هو يعلم ان حبسه سينتهي بإعدامه، وقال لي الأمريكان خنازير لا تعرف الرحمة ولا العدل.  

وتكلم صدام بجرأة شديدة حين طلبنا منه في 2004 أن يوقع على بيان يدعو فيها المتمردين العراقيين الكف عن المقاومة وتسليم أسلحتهم مقابل التخفيف عنه .. يقول نيكسون: حينها تعالت ضحكات صدام حسين وقال في لهجة حادة أرفض تمامًا حتى قراءة البيان فإن كرامتي لا تسمح ولا يمكن أن أخزل الشعب، أنتم الأمريكان لا تفهموا صدام حسين ولا طبيعة العراقيين العرب نحن قوم أحرار إذا كنتم تريدون وقف سفك الدماء في الشارع العراقي فإرحلوا عن بلدنا، ولن تخسروا شيئًا بمغادرتكم أما نحن فسوف نخسر كثيرًا لو أوقفنا قتالكم وموضوع التخفيف عني لن أقبله على حساب كرامة الشعب أيضًا أنتم قوم مخادعون ليس لكم آمان في الوعد ..
ويذكر نيكسون أن صدام حسين كان سريع البديهة حاد التقييم يتمتع بالجاذبية الشعبية وكان أثناء استجوابنا له كان يرفض أي محاولة لإخضاعه، وكنت من المعجبين بكبريائه العربي كما يقول ويعترف نيكسون بأن صدام كان يحب الشعب الكردي ولم يؤذيه غير أنه كان يحتقر مسعود البارزاني وجلال الطالباني. ويذكر جون نيكسون موقف أثناء استجواب الرئيس العراقي وصفه فيه بالشهامة العربية لرجل يعرف قدر أمته حين سأله عن رأيه في وفاة الخميني سنة 1989، فأجاب صدام: طلبت من المعاونيين لي أن يتعاملوا مع رجل الدين الراحل بإحترام، ويؤكد نيكسون أن المواقف الرائعة لصدم حسين كثيرة، غير أن المخابرات الأمريكية طلبت حذف صفحات كثيرة من كتابه معتبرة أنها مدح وتمجيد في صدام حسين، وتقليل حالة الاعتذار للشعب العراقي، إعتذار عقب الدمار، ماذا يفيد الاعتذار، الآن بعد الدمار الذي حل بالعراق؟ 
الحقيقة الثابتة لدي التاريخ هي : 
الأمريكيون خونة لا عهد لهم ..


المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط