الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

خذوا الحكمة من "المبخراتى"!


من يقرأ لأنطون تشيكوف يعشق فن القصة القصيرة من حلاوة الكلمة وعذوبة المعنى وعمق الرسالة الإنسانية التى تتولد من سطور تنطق بالمشاعر والخيال .. ومن قصصه فاز الروائى الروسى العبقرى بلقب "أبو القصة القصيرة" .. قصص مليئة بالفلسفة والخبرة وخصوبة التحربة فى الحياة .. وشرب منه أساتذة من جيل الستينات ليخرج إلينا أنيس منصور عبر موسوعته الثقافية وأسفاره حول العالم بمئات النماذج من القصص المكثفة أسلوبا والثرية فى مغزاها ودلالاتها .. ولمع اسم الدكتور يوسف إدريس فى سماء هذا اللون الأدبى الرفيع صانعا المجد والتاريخ كواحد من أبرع مؤلفى القصص القصيرة بلغة تجمع بصورة مدهشة بين جمال الأدب ووضوح النزعة العلمية الناضجة!.

وكدنا أن نفقد الأمل فى ظهور جيل شاب من نفس الفصيلة يمتلك أدوات الكتابة الواعية وحرفية التأثير بالكلمة وما بداخلها من تفاصيل وأشياء .. إلى أن وقعت العين على "المبخراتى" للمبدع الصغير مصطفى رشوان ليتجدد الحلم فى دم نقى يرث "جينات" القصة القصيرة ويهضم مفرداتها .. وبدأنا القراءة وانجرفنا من أول قصة بعنوان "المايسترو" لنتشوق إلى المزيد من القصص التالية الى بلغت ٢٠ روحًا تنبض أحداثها وخيوطها السحرية بالكثير من المعانى والرسائل .. فعشنا ألم فقدان الذاكرة فى "أذهب عائدا"، ولوعة الهجرة عند "باب البحر"، ومرارة الحرمان لدى "الخادمة"، ومأساة المشاعر المحطمة التى أصابت "ورود الشحات"، وكنا شهود إثبات لبراءة "عابد بن بهلول"، واكتشفنا عظمة "الصائغ، وحكمة "البرزخ"، وأسرار "صندوق الدنيا" وعجائبها .. ومع كل حرف داخل كل قصة مستقلة ما يدفعك للانتقال إلى القصة الأخرى اقتناعا بموهبة الكاتب الواعد فى الصياغة والتعبير وقدرة مبشرة على تلوين مشاهد قصصه وصور أبطالها على نحو يُشرِّح الواقع ويفضح أمراضه بذكاء فنى وأدبى!.

ولم يجد الفتى "رشوان" سوى "المبخراتى" ليختم بها عِقده الذهبى، ويصل إلى محطته الأخيرة بطرح أهم سؤال فى حياتنا .. من يقبل بدور حامل البخور ومهنة الترويج لـ "تفاح الجن"؟! .. بصيغة أبسط .. وقالها فى عبارة موجزة "خلق الله لنا الأقدار .. وخلق لنا أيضا السعى والاجتهاد والدعاء لتغيير مصيرها" .. وتلك الكلمات نداولها بين الناس ليتجنبوا أشد عقاب لأكبر ذنب .. وهو أن تكون "مبخراتى" فى عالم لايعترف إلا بالعلم والعمل والعقل .. ومن هذه الأدوات تستحق لقب "إنسان"!.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط