الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

منطقة الشرق الأوسط وخيال الحقل


سألنى صديقى الفرنسى الذى تعرفت عليه خلال سفرى الى مارسيليا والمشاركة فى احدى الدورات التعليمية ، سألنى مباغتا : هل تحبين ان تكملى مابقى من عمرك فى بلادك ؟ وعلى عكس ماتوقع هو اجابتى فقد بغته بنفس السؤال ؟ فضحك متعاليا وقال: ولكن بلدى الامر فيها مختلف كلية فنحن صناع القرار ونسير فى منظومة متجانسة بين الحاكم والمحكوم ونحن ايضا نعلم ما للمواطن من حقوق وماعليه من واجبات.
 ببساطة نحن دولة متقدمة. وصمت فخورا بما قاله متأكدا أن الواقع يؤكد أقواله ويرجحها ، وجاء ردى متجاهلا ما ذكره من محاسن بلاده، بإصرارى على إجابة سؤالى الذى سأله هو لى وهو: هل تفضل ان تستكمل ما بقى من عمرك فى بلادك ؟.

 وأيقن صديقى أننى أريد منه اجابة وليس مماطلة، والتعامل بطريقة خيال الحقل الذى لايتحرك ولكنه يحرك كل من يحاول ان ينقض على حقله ، تبسم وقال لى إن إردتى الحقيقة فانا لا أكره الاستمرار والعيش والموت فى بلادى ؛ ولكنى رغم ذلك أبحث عن الأفضل والأرقى والأكثر استقرارا وامنا ؛ ففرنسا الآن ومستقبلا لن تنعم بالأمان ، لأنها صارت تجمع أجناس كثيرة حملوا الجنسية الفرنسية ولكن ولائهم لبلدهم الأم وخاصة الجزائيريين والجنوب افريقيين.

 وأكاد أجزم أن الأجيال الحالية والقادمة ستزحزح الفرنسيين الأوائل أو أهل فرنسا وابناؤها الأصليين من مراكزهم واماكنهم وستحل على الساحة الفرنسية اقوام سينخرون فى بناء فرنسا كما ينخر السوس فى الخشب ، انا ومعى كثيرين من بنى وطنى لسنا سعداء بما وصلت اليه بلادنا من استقدام ملايين منذ عقود وقد حصلوا على الجنسية واصبحوا يحاربوننا بتقاليدهم وعاداتهم فى بلادنا لدرجة اننا صرنا نشعر بالغربة فى بلادنا ، واستكمل وهو حزينا : هل تعلمين حجم الارقام التى اصبحت فرنسية بحكم ان ابيها او امها جاءوا الى فرنسا وتزوجوا وعاشوا واصبحوا مجنسين فرنسيين ومعهم جواز سفر فرنسى ؟

 سيدتى انا لا اتمنى استكمال عمرى فى باريس ولكن ذلك لايعنى اننى ارى ان منطقة الشرق الأوسط منطقة ديمقراطية وان أهلها ينعمون بالحقوق ويؤدون واجباتهم، وحتى اكون منصفا البلدة الوحيدة الديمقراطية فى المنطقة هى إسرائيل التى لاتعترفون بها وتحاربون وجودها بكافة الطرق والوسائل. 

نظر لى ليؤكد أنه انتهى من حواره لا تحدث أنا وأقول له أعلم تمام العلم ان بلادى وربما منطقة الشرق الأوسط كلها والخليج العربى برمته بلادا نامية ولكن فى هذه البلد الآمنة والمنطقة المميزة هناك عبق خاص، حياة من نوع اخر لا عرفه انت من نشأ فى حضن التكنولوجيا وغياب الدفء الأسرى الذى نشأنا نحن فيه وعليه.

 ففى بلادى جيران متقاربون فى كل شىء خاصة وقت الشدة تجدهم كتائب بشرية ، فى بلادى مشاعر غير ، تعامل مختلف ، روح اخرى ، رغم كل السلبيات فإن الشعب المصرى شعب لا يتكرر فى اى بقعة من بقاع العالم والتاريخ يقول لك ويبرهن ويؤكد بوجود الحضارة الفرعونية تلك الحضارة الباقية بقاء الزمان.

 المصريون نسيج غير خاضع للمقارنة أو حتى التقليد فهم شعب يخلق من الحزن حالة هزلية يطلق عليها وعلى نفسه النكات والافيهات ويضحك حزنا ، شعب قادر على مواجهة كل شىء بروح جعلت رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم يوصى باتخاذ اجناد منهم ويؤكد أنهم فى رباط إلى يوم الدين، وأيضا يصفهم المسيح بمبارك شعب مصر.. التاريخ قال كلمته وأكد أن مصر رمانة ميزان منطقة الشرق الأوسط إن لم يكن العالم كله فكل الهجمات والغزوات اجتاحت البلاد العربية وانكسرت وهزمت فى مصر وعلى ايادى ابناءها الابطال ، حتى المحتل لم يستطع ان يفرض علينا لغته بل جعلناه نحن يتحدث لغتنا بطريقته.

 مصر ماضى وحاضر ومستقبل كتلة واحدة لاتنقسم ولا تتجزأ ؛ واستطردت وكلى فخر: بأننى على يقين بوجود سلبيات كثيرة فى بلادى ومنطقتى كلها ولكنى على يقين اكثر بأن خيال المآته الذى وضعتوه فى منطقتنا ستنعكس اثاره عليكم بصورة او بأخرى وانا على ثقة بأن بلادى ومنطقتى وجيرانى هم اهل البقاء مهما كان وحدث.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط