الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

لكل اسم حكاية.. ميدان عرابى.. شاهد تاريخي في قلب الإسماعيلية

ميدان عرابى
ميدان عرابى

يعتبر ميدان عرابي بمحافظة الإسماعيلية واحدًا من أهم ميادين المحافظة وربما مدن القناة الثلاث، لما شهده من أحداث تاريخية أثرت في تاريخ مصر الحديث.

ويقول محمد يوسف أحد أهم مؤرخي مدن القناة، في أحد مؤلفاته، لم يشهد مكان فى مصر ما شهده مـيـدان عربـــى بالإسماعيلية فى الـ160 سنة الأخيرة، حيث دارت على أرضه وفى المناطق المتاخمة له أهم الأحداث التى غيّرت تاريخ مصر لمرات عديدة. 

وكانت اول هذه الأحداث في 27 إبريل 1862، عــندما قامـــــت شركة قناة السويس برئاسة الفرنسى " فرديناند ديليسبس " الاحتفال بوضع حجر الأساس لقرية ( التمساح ) – مدينة الإسماعيلية حاليا، حيث تم اعتماد التخطيط الأساسي للمدينة فى هذا اليوم، و الذى كــــان يقوم على أساس وجـــود ميدان محورية تتفرع منه الشوارع الرئيسية للمدينة، و هذا الميدان أطلق عليه اسم " أوجيني " – إمبراطورة فرنسا فى ذلك الوقت -، و هذا الميدان يطلق عليه الآن أسم الزعيم الشعبى المصرى " احمد عرابى " .

ولم تتأخر الأحداث الكبرى عن ذلك الميدان التاريخي، حيث قامت شركة القناة بتاريخ 4 مارس 1863 م بإقامة سرادقا ضخما عــلى أرضه، احتفالا بتغير أسم المدينة إلى ( الإســـــــماعيلية )، بعد تولى الخديو " إسماعيل" مسند الولاية المصرية، وخلال هذا الاحتفال ألقى عدد من الشخصيات العالمية الهامة كلمات وصفت بأنها تاريخية، كان منهم لورد " إليوت " – محافظ العاصمة الهندية الإنجليزي في ذلك الوقت .

وشهدت هذه المنطقة فى شهر نوفمبر عام 1860 م افتتاح الخــــط الحديدي بين مدينتى الزقازيق والإسماعيلية بدون محطة , حيث كان الموجود مجرد رصيف، مع حركة قطارات غير منتظمة، و غير فعالة أيضا.

وفى عام 1868 م تم الافتتاح الثانى لهذا الخط , مما أدى إلى زيادة العمران فى المدينة بشكل كبير، خصوصا بعد بناء محطة، و الاعتناء بها و نظافتها , لدرجة أنها كانت تضاهي المحطات الأوروبية فى ذلك الوقت , و كانت هذه المحطة من أهم المبانى فى مدينة الإسماعيلية , حيث كان من حولها من الجهات الأربعة مظلات ذات أعمدة حديدية رائعة التصميم , و فى عام 1918 م أحترقت هذه المحطة بالكامل , جراء حريق ضخم حدث بالميدان , فقامت شركة القناة بإعادة بنائها على نفس الطراز المعماري للمحطة المحترقة .

وتأتى الأحداث العالمية الكبرى مرة أخرى للميدان، وذلك خلال حفلات افتتاح قناة السويس للملاحة العالمية، و بالتحديد فى يوم 17 نوفمبر 1869 م، حيث أمر الخديوي " إسماعيل " بتهيئة ميدان " الإمبراطورة أوجينى " و شارع " فردينان دى ليسبس " – شارع عرابى الأن – و جعلهما قطعتين من أوروبا، حيث أنهما يشكلان الطريق الموصل إلى القصر الذى أقامت فيه " الإمبراطورة أوجيني " – استراحة المحافظ الأن -، وخلال حفلات الافتتاح قامت الإمبراطورة بالتريض سيرا على الأقدام فى صحبة الخديو " إسماعيل " فى الميدان , و علاوة على ذلك فقد شهد هذا الميدان جزء لا يستهان به من تلك الأحداث العظيمة خلال حفلات الافتتاح .

و بتاريخ 13 يوليو 1941 وخلال أحداث الحرب العالمية الثانية , قامت الطائرات الألمانية بقصف مدينة الإسماعيلية , و قد أصيب ميدان عرابى خلال هذه الغارة الكبرى بشكل مباشر خصوصا محطة السكك الحديدية , كما قتل سبعة و أصيب واحد و عشرين من الركاب .

و يدخل ميدان عرابى التاريخ مرة أخرى , و من أوسع أبوابه , فبتاريخ 8 أكتوبر 1951 , قام النحاس باشا – رئيس وزراء مصر فى ذلك الوقت – بإلغاء معاهدة 1936 الموقعة بين مصر و بريطانيا و التى كانت تعطى الاحتلال الشرعية , و فى أعقاب ذلك تطورت الأحداث بشكل متسارع , لتصل ذروتها يوم 16 أكتوبر 1951 , عندما قام طلاب و عمال الإسماعيلية و بعض الصبية بحرق ونهب المركز التجارى الذى كان يعمل لخدمة جنود و ضباط قاعدة القناة و أسرهم , و الواقع فى ميدان عرابى و المسمى بالنافى – مكان قطعة الأرض الخضراء الموجودة أمام فندق إيزيس الأن - , ليتم رفع العلم المصرى فوق المبنى – فى سبقة فريدة من نوعها لم تحدث قبل الحدث أو بعده - .

ويشهد الميدان مذبحة لم تشهد لها مصر مثيلا فى العصر الحديث – حتى ذلك الوقت، حدث ذلك فى الساعة التاسعة وعشرين دقيقة من صباح السبت 15 يوليو 1967، عندما قامت قوات العدو الإسرائيلى بقصف مدينة الإسماعيلية بمدفعية الدبابات و المورتر الثقيلة , لتصب جحيم متفجر على معظم أحياء المدينة , و لكن أكثر من 80 % من القذائف تسقط على ميدان عرابى، عشرات من هذه القذائف سقطت خلال 10 دقائق، ليتم تدمير محطة السكك الحديدية و قطار القاهرة السريع و الذى كان مقررا له أن يتحرك الساعة التاسعة و النصف , و لكنه لم يتحرك أبدا، حيث أصابته دانة هاون عيار 155 مليمتر إصابة مباشرة , ليستشهد و يصاب العشرات من ركابه , كما أصيب القطار القادم من الزقازيق، و اشتعلت فيه النيران.

وحول هذا يقول الكاتب الراحل "فتحى رزق" فى مؤلفه بالغ الأهمية ( جسر على قناة السويس )، احترق عدد كبير من الركاب , وأصيب عشرات أو قتلوا أمام المحلات العامة والتجارية و المقاهي و دور العرض و فى الشوارع وداخل المنازل، خرج الناس إلى الشوارع هربا من الجحيم الذي حاصرهم، النساء بملابس النوم، وصرخات الأطفال والأمهات تملأ الشوارع، فهذا أب يبحث عن ابنه، وتلك أم تبحث عن طفلتها، وذلك شيخ يصرخ باحثا عن أسرته ".

وخلال أحداث هذه المجزرة الوحشية أصيبت مبان عديدة أخرى داخل ميدان عرابى خلف محطة السكك الحديد , منها مبنى السنترال و البريد و فندقى إيزيس و بلاس، واستشهد خلال هذه المذبحة 362 وجرح 350 آخرين.