وسط ربوع محافظة أسيوط توجد مواقع أثرية مهمة تحتل مكانا لائقا في التاريخ،ومنها منطقة أثار منقباد التي كشف لنا حكايته وتاريخها الدكتور أحمد سليمان عبد العال مدير عام مناطق مصر الوسطي للآثار الاسلامية والقبطية.
وقال:تقع منطقة آثار منقباد بقرية "منقباد"شمال مدينة أسيوط وتبعد عنها حوالي 8 كم،وتبلغ مساحة المنطقة الأثرية حوالي 83 فدان،وتشتمل المنطقة علي كميات كبيرة من المباني الأثرية،منها مازال مطمورًا تحت الأتربة،ومنها ما تم الكشف عنه علي مر الأعوام الماضية ، حيث تم الكشف عن المنطقة عام 1965، وبدأ العمل الفعلي فى الحفائر عام 1976م علي فترات غير متصلة وفى مواسم منفصلة.
وأسفرت الحفائر عن العديد من الاكتشافات الأثرية منها بيت حاكم المدينة وهو مبني من الأجر،كما تم الكشف عن بعض المباني السكنية ومبانٍ استخدمت كمخازن للغلال،كما تم الكشف عن عدة كنائس منها كنائس كبيرة وصغيرة،وكذلك تم الكشف عن مصنع للزيوت،وأيضا تم الكشف عن مبانٍ تتكون من طابقين،كما تم الكشف عن أحواض وآبار وأفران فخارية.
هذا غير العديد من اللقى الأثرية، مثل الأواني الفخارية والأنفورات والعملات الذهبية التي وصل عددها مائة عملة وثلاث،وبعضها بيزنطي والآخر يرجع إلى عصور إسلامية،كما تم العثور على صور جدارية منفذة بألوان مائية وكتابات قبطية وكتابات إسلامية،حيث قام علماء كُثُر بهذه الحفائر ومن أشهرهم الأستاذ الدكتور عبد الرحمن عبد التواب،ثم توالت الحفائر فى هذه المنطقة،وآخرها ما تم عام 2010م.
وترجع المباني المكتشفة إلي عصور مختلفة بدءًا من القرن الرابع الميلادي، وقد وجد اسم القديس "أبو نفر" السائح علي أحد جدران القاعات المكتشفة بالموقع فى أحد المواسم ، كما وجدت تصاوير جداريه تمثل القديس "أبو نفر السائح" والسيدة مريم والمسيح فى موسم 2000/2001م.
وقد استمر استخدامها من قبل المسلمين،حيث تدل الاكتشافات علي أن المسلمين أقاموا بالمنطقة إقامة كاملة منذ القرون الأولي للإسلام حيث وجدت آيات قرآنية علي جدران بعض الحوائط ، هذا إلي جانب العثور علي عملات إسلامية من مختلف العصور (أموي، عباسي، مملوكي، عثماني)،مع أن الأخير يعد دليلًا ضعيفًا،لأن العملة المستعملة فى زمن ما يستخدمها سكان المنطقة بأكملها بغض النظر عن ديانة هؤلاء السكان.
كما استخدمت المنطقة كمعسكرات للسناجق والعساكر بقيادة محمد بك أبو الدهب،والذين أرسلهم "علي بك الكبير"للقضاء علي الأمراء التابعين لشيخ العرب "همام شيخ الهوارة"، الذي أشار عليهم باحتلال أسيوط والاستقلال بها دون علم علي بك لذا عندما علم بما حدث أرسل إليهم إبراهيم بك بلفيا، و محمد بك أبو شنب، وعلي بك الطنطاوي، ومحمد بك أبو الدهب بجيشين كبيرين عسكروا في جزيرة منقباد بالقرب من أسيوط.
ودارت معركة حامية قتل فيها محمد بك أبو شنب وانهزم الأمراء المنفيون وحلفائهم الهوارة وانتصر أنصار علي بك الكبير، وكان مكان الموقعة قرب جبانة أسيوط الآن،ثم هجروها بعد ذلك لظهور قرية منقباد عام 1000م وهي تبعد عن المنطقة الأثرية بحوالي 2كم وذلك بسبب وجود نهر النيل وارتباط المصري بالزراعة.
وقال أن العمائر المكتشفة فى معظمها قلالٍ للرهبان،كما يتضح حيث أسفرت أعمال حفائر موسم 2000/ 2001م ، عن خمس قلالٍ تتشابه كثيرا فى التخطيط ، فهي مستطيلة الشكل تقريبا، وُجد بمنتصف الجدار الشرقي منها شرقية الصلاة ، كما وجدت بها نوافذ مخروطية الشكل من الداخل تطل علي سلم القلاية الهابط واستخدمت هذه النوافذ للإضاءة والتهوية .
وبعض الدخلات(طاقات) صغيرة كانت لإيقاد الشموع وإطلاق البخور، وألحق بها حجرات تخزين عثر بداخلها علي العديد من الأواني الفخارية، كما كانت تقع فى طابقين الأرضي منها مغطي بقبو برميلي، أغلب هذه الأقبية سقط، يتوصل إليها غالبا عن طريق عدة درجات، وأرضيات هذه الغرف من البلاط الأبيض المصنوع من الجير المخلوط بالقش، ومعظم الجدران مكسوة بطبقة من الملاط، وجد علي بعضها زخارف نباتية أو هندسية .
وقال أن اللقي الأثرية يتضح من عددها كل موسم ، كما يظهر أيضا تنوع هذه اللقي،حيث احتل الفخار والأواني الفخارية العدد الأكبر كما تنوعت مابين الأواني والأباريق، الأطباق والقدور، الانفورات، المسارج، القلل، المباخر، تركوتا(لعبة أطفال)،وتلي الفخار من حيث العدد الحجر الجيري، حيث وجد العديد من شواهد القبور المكتوبة باللغة القبطية، كما وجد عدد من الأفاريز، هذا إلى جانب تيجان الأعمدة.
ثم النحاس والبرونز حيث عثر علي عدد من العملات التي تنوعت فتراتها التاريخية من القبطي ،المملوكي الجر كسي، والعثماني، ومن أهمها اثنتا عشرة عملة نحاسية وجدت ضمن أعمال موسم 2000/2001م، كانت عليها طبقة من الصدأ "الجنزرة" تم إزالتها وتنظيفها، وهي ترجع إلى العصر الإسلامى، عليها كتابة عربية بالخط الكوفي مكتوب على بعضها "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، وعلى بعضها الآخر مكتوب عليه" لا إله إلا الله وحده لا شريك له" ، ومن المحتمل أن ترجع للعصر المملوكي، كما عثر علي خمسة أطباق نحاسية.