حكم أكل القطط والكلاب.. لماذا حرم الله أكل القطط والكلاب؟ إن هذه الأشياء محرم أكلها على الراجح، ففي الصحيحين وغيرهما عن أبي ثعلبة الخشني وأبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كل ذي ناب من السباع،وفي رواية ابن عباس في صحيح مسلم وغيره: كل ذي ناب من السباع فأكله حرام.
وفي رواية له أيضًا في صحيح مسلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى «عن كل ذي ناب من السباع وعن كل ذي مخلب من الطير»،ويدخل في كل ذي ناب الكلب والهر.
ويشكك بعض الطاعنين في الإعجاز العلمي الوارد في حديث ابن عباس رضي اللهعنهما: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن أكل كل ذي ناب منالسباع، وعن كل ذي مخلب من الطير»، زاعمين أنه لا ينبغي التهويل من الأمراضالتي قد يسبِّبها أكل هذه الحيوانات، فضلًا عن أن الله تعالى قد أباح أكلالصيد كله لغير المحرم، ولم يحدِّد كونه مفترسًا أو جارحة أو غير ذلك؛ فقالتعالى: «وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا» (المائدة/96).
كما يدعي بعضهم أن قوله تعالى: «قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ»(الأنعام/145) يفيد الحصر؛ ومن ثم فلم يحرِّم القرآن منالحيوانات إلا لحم الخنزير، فكيف يتناقض الحديث مع القرآن ويأتي بحيواناتأخرى محرمة لم يذكرها القرآن؟!
وجه إبطال الشبهة:
إن حديث «تحريم أكل كل ذي نابٍ من السباع، وكل ذي مخلب من الطير» في أعلىدرجات الصحة، وهو يفيد تحريم الأكل من لحم الجوارح، وهو ما ذهب إليه جمهورالعلماء. ومن ثم؛ فإن قوله تعالى: «وحرم عليكم صيد البر ما دمتمحرما» يعني صيد الحيوانات التي يحلُّ أكلها، لا مطلق الصيد، أماالحيوانات التي لا يحلُّ أكلها فيجوز صيدها لغرض الانتفاع بها فقط، وأما قولهتعالى: «قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتةأو دما مسفوحا أو لحم خنزير»، فلا يفيد حصر كل المحرمات منالأطعمة مطلقًا؛ وذلك لأن الآية مكية، جاءت في سياق نقض بعض أقوال المشركين،كما أنها جاءت بصيغة الفعل الماضي «قل لا أجد» (الأنعام:145)؛ أي وقتذاك،أما ما جاء الحديث بتحريمه فقد نزل بعد ذلك؛ لأن للسنة النبوية تشريعاتمستقلة فيما سكت عنه القرآن. ومن ثم؛ فلا تعارض بين الحديث والآية.
وعليه؛ فتحريم أكل لحم الجوارح له حِكَم وعلل، وهو ما كشف عنه العلم الحديثعندما أثبت أن أكل هذه اللحوم يسبب أمراضًا فتاكة، ويصيب آكلها بشيء منالشراسة والميل إلى العنف؛ فأي إعجاز تشريعي هذا؟!.
الحقائق العلمية:
أثبت العلم الحديث أن لحوم الجوارح تحمل العديد من الطفيليات التي تسببأمراضًا خطيرة لمن يأكلها، ومن هذه الطفيليات:
1- طفيل الشعرنية ناتيفا: ينتشر هذا الطفيل بين الثعالب القطبية والدببة،ويصيب الإنسان فور تناوله لحوم هذه الحيوانات أو الحيوانات الحاضنة لهذاالطفيل بصورة ثانوية كالقطط.
2- الشعرنيات شبه الحلزونية: تنتشر هذه الطفيليات (تريخنيليا سودوسيبراليس) في الطيور الجوارح (ذات المخلب)، ويصاب الإنسان بالعدوى إذاتناول لحم هذه الطيور؛ كالنسور والعقبان والصقور وغيرها.
3- طفيل تريخينلا نلسوني:*ينتشر هذا الطفيل في الضباع، وبنات آوى، والنمور،والأُسود، وبعض الحيوانات المفترسة الأخرى.
وترجع معظم الإصابات البشرية في أفريقيا إلى تناول لحم الخنزير الداجنوالوحشي؛ فهما حاضنان ثانويان لطفيل تريخينلا؛ لأنهما يتغذيان علىالجيف.
ولا شك أن هذه الطفيليات تسبب أمراضًا خطيرة كما قلنا، من هذه الأمراضالفتاكة التي ظهرت حديثًا مرض سارس الذي اجتاح الصين وجنوب شرق آسيا، وانتقلإلى مناطق أخرى في العالم, حتى أحدث ذعرًا هائلًا لكل الناس، وقد أثبتتالدراسات الحديثة أنه نتيجة لأكل لحم الجوارح والكلاب, وذلك بحسب ما أُعلن؛فقد جاء تحت عنوان "السارس سببه إقبال الصينيين على أكل القطط والكلابالبرية"، قال علماء من الصين وهونج كونج أن الفيروس المسبِّب للالتهاب الرئوي اللانمطي "سارس" قد يكون انتقل إلى البشر من حيوانات قطط الزبّاد وكلاب الراكون.
وذكر راديو الصين نقلًا عن العلماء أن خمسة من ضمن عشرة تجار حيوانات تمفحصهم في إقليم جوانج دونج جنوبي الصين وجد لديهم فيروس السارس, ويعتقد أنالمرض نبع من إقليم جوانج دونج على حدود هونج كونج، إلا أن خبير منظمةالصحة العالمية بوب دايتز قال: إن التعليق على النتائج التي توصَّل إليهاالباحثون سابق لأوانه، وصرَّح دايتز قائلًا: "إن احتمال انتقال العدوى عن طريقالحيوان كان احتمالًا قائمًا, ولا يزال التعليق على ذلك سابقًا لأوانه"، وقال:إن ارتباط الفيروس بالحيوانات كان في مُخيِّلة الكثيرين حينما زار خبراء منظمةالصحة العالمية أسواقًا محلية، وتحدثوا مع مسئولين في إقليم جوانج دونج فيالشهر الماضي, وأضاف أن الخبراء يجب ـ مع ذلك ـ أن يطلعوا على التقريرالمفصَّل الذي أعدَّه الباحثون قبل تقييم النتائج التي خلصوا إليها.
وأذاع راديو الصين نقلًا عن شوانج شيسيونج، رئيس وحدة مكافحة الأمراض فيمدينة شينتجين في إقليم جوانج دونج، أن نتائج تحليل العينات التي أُخذت منثلاث من ضمن ست من قطط الزبَّاد أظهرت أنها تحمل بوادر فيروس سارس, وألغتمدينة شينتجين جميع تراخيص تجارة الحيوانات, وقال عالم الأحياء المجهريةبجامعة هونج كونج يوين كووك يونج للصحفيين: إن الباحثين عزلوا حُمَّى تاجيةلها علاقة بالسارس في حيوانات قطط الزبَّاد, ولكن الخوف من انتشار السارس عنطريق الحيوانات الأليفة جعل السلطات في بكين والمدن الأخرى تأمر بجمع القططوالكلاب الضالة والحيوانات الأخرى وتقتلها، كما دفع أصحاب الحيواناتالأليفة إلى التخلِّي عن حيواناتهم.
وذكر الصندوق الدولي لرعاية الحيوانات في موقعه على الإنترنت أن الذعر منالسارس دفع بالمئات من مالكي القطط والكلاب في بكين إلى التخلِّي عنحيواناتهم؛ خوفًا من أن تكون هي مصدر المرض القاتل. وطبقًا لإحصاءات منظمةالصحة العالمية؛ فإن السارس قضى على نحو 700 شخص, وأصاب بالعدوى أكثر منثمانية آلاف آخرين في أنحاء العالم.
وبالإضافة إلى ما سبق، فقد أثبت علم التغذية الحديث أن الشعوب تكتسب بعضصفات الحيوانات التي تأكلها؛ لاحتواء لحومها على سُمِّيَّات ومفرزات داخلية تسريفي الدماء، وتنتقل إلى معدة البشر فتؤثِّر في أخلاقياتهم؛ لأنه قد تبيَّن أن الحيوان المفترس عندما يهمُّ باقتناص فريسته تفرز في جسمه هرمونات وموادتساعده على القتال واقتناص الفريسة.
ويقول الدكتور س. ليبج ـ أستاذ علم التغذية في بريطانيا: "إن هذهالإفرازات تخرج في جسم الحيوان حتى وهو حبيس في قفص، عندما تقدم له قطعةلحم لكي يأكلها"، ويعلِّل نظريته هذه بقوله: ما عليك إلا أن تزور حديقةالحيوانات مرة، وتلقي نظرة على النمر في حركاته العصبية الهائجة أثناءتقطيعه قطعة اللحم ومضغها، فترى صورة الغضب والاكفهرار المرسومة على وجهه،ثم ارجع ببصرك إلى الفيل وراقب حالته الوديعة عندما يأكل وهو يلعب معالأطفال والزائرين، وانظر إلى الأسد وقارن بطشه وشراسته بالجمل ووداعته.
وقد لُوحظ على الشعوب آكلات لحوم الجوارح أو غيرها من اللحوم التي حرَّمالإسلام أكلها، أنها تُصاب بنوع من الشراسة والميل إلى العنف ولو بدون سببإلا الرغبة في سفك الدماء.
ولقد تأكَّدت الدراسات والبحوث من هذه الظاهرة على القبائل الهمجية التيتستمرئ أكل مثل تلك اللحوم إلى حدِّ أن بعضها يُصاب بالضراوة فيأكل لحومالبشر، كما انتهت تلك الدراسات والبحوث أيضًا إلى ظاهرة أخرى في هذه
القبائل وهي إصابتها بنوع من الفوضى الجنسية، وانعدام الغيرة على الجنسالآخر، فضلًا عن عدم احترام نظام الأسرة ومسألة العرض والشرف، وهي حالة أقربإلى حياة تلك الحيوانات المفترسة؛ حيث إن الذكر يهجم على الذكر الآخر منالقطيع ويقتله لكي يحظى بإناثه، إلى أن يأتي ذكر آخر أكثر شبابًا وحيويةوقوة فيقتل الذكر المغتصب السابق وهكذا.
ولعل أكل لحم الخنزير أحد أسباب انعدام الغيرة الجنسية بين الأوربيين،وظهور الكثير من حالات ظواهر الشذوذ الجنسي، مثل: تبادل الزوجات والزواجالجماعي. ومن المعلوم أن الخنزير إذا رُبِّي في الحظائر النظيفة ثم تُرِكَ طليقًالكي يرعى في الغابات فإنه يعود إلى أصله؛ فيأكل الجيفة والميتة التي يجدهافي طريقه؛ بل يستلذّ بها أكثر من البقول والبطاطس التي تعوَّد على أكلها فيالحظائر النظيفة المعقَّمة، وهذا هو السبب في احتواء جسم الخنزير على ديدانوطفيليات وميكروبات مختلفة الأنواع، فضلًا عن زيادة نسبة حامض البوليك التييفرزها، والتي تنتقل إلى جسم من يأكل لحمه.
التطابق بين حقائق العلم وما أشار إليه الحديث الشريف:
حرصًا من الشريعة الإسلامية السَّمْحَة على صحة الإنسان وحفاظًا عليها؛ فقد حرَّمتعليه الأكل من حيوانات بعينها في مقابل أخرى يـحلُّ أكلها ـ وهي كثيرة جدًّا ـ
ومن هذه الحيوانات المحرَّم عليه أكلها: الجوارحُ؛ فعن عبد الله بن عباس رضيالله عنهما : «أن رسول الله صلى الله عليه وسلمنهى عن كل ذي ناب منالسباع»، وعن كل ذي مخلب منالطير»، وجاء من طريق آخر التصريح بأن النهي متعلقبأكلها؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «نهى رسول الله -صلى الله عليهوسلم- يوم خيبر عن أكل كل ذي ناب من السباع، وعن كل ذي مخلب منالطير».
وهنا أثار الطاعنون شبهتهم قائلين: إن هذا الحديث باطل بدليل قوله تعالى: «وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما» (المائدة:96)، الذي أباح فيه الأكل منالصيد مطلقًا لغير الـمُحْرم دون تحديد كونه مفترسًا أو جارحة، أو غير ذلك،واستدلَّ بعضهم بقوله تعالى: «قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمهإلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير» (الأنعام:145)،الذي لم يحرِّمفيه من لحوم الحيوانات إلا لحم الخنزير، هادفين من وراء ذلك إلى إنكارالإعجاز العلمي في الحديث.
قالت لجنة الفتوى بمجمع البحوث الإسلامية، إن أكل لحم الكلاب والقطط غير جائز شرعًا، وهو ما يؤكده قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أكل كل ذي ناب من السباع حرام".
واستدلت اللجنة في إجابتها عن سؤال: «ماحكم أكل القطط والكلاب؟،بما ورد في صحيح مسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع..."، ويدخل في كل ذى ناب: الكلب والهر أي: (القط) كما وروى الترمذي وأبو داود من حديث جابر - رضي الله عنه - وغيره قال: "نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أكل الهر......" (القط)".
وأكدت أن ما أثير من جواز أكل لحم الكلاب والقطط منسوبًا إلى مذهب المالكية غير صحيح، بل الصحيح في مذهب المالكية ما جاء في موطأ الإمام مالك من حرمة أكل الكلاب والقطط وكل ذي ناب من السباع، كما هو مذهب الجمهور، ففى الموطأ - رواية يحيي- قال: باب تحريم أكل كل ذي ناب من السباع، وتابعت اللجنة: أن الإمام مالك قال: وهو الأمر عندنا- يعني أهل المدينة- وهذا هو القول الراجح لقوة دليله وموافقة الجمهور، وعليه: فيحرم أكل لحم الكلاب والقطط، وما ينسب إلى مذهب السادة المالكية من إباحة الأكل غير صحيح.
أفاد الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر السابق، بأن من المسائل التي تطرح بين الحين والحين ولا حاجة لطرحها لما تثيره من لغط مجتمعي بلا طائل: مسألة أكل لحم القطط والكلاب وما شابهه، ويفتي البعض بجواز أكل هذه الحيوانات.
وأوضح «شومان» أن من يطرحون ذلك يعتمدون على أمرين وهما: الأول: أن القرآن الكريم لم ينص على تحريمها صراحة وإنما حرم أمورا بعينها وهي: الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير وذلك لقوله - تعالى - «قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» وكذلك مامات من غير تذكية شرعية بالذبح ونحوه وذلك لقوله -تعالى- : «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ۗ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» حيث يرون أنه طالما لم ينص في الآيتين على تحريم للقطط والكلاب ونحوهما فلا يكون أكل هذه الأشياء محرما، لأن الأصل في الأشياء الإباحة إلا ما ورد النص بتحريمه.
وتابع: الأمر الثاني الذي يستندون إليه: ورود الإباحة لأكل هذه الأشياء في المذهب المالكي وهو منسوب أيضا لبعض الصحابة كعائشة وعمر وابن عباس وهو قول الإمام الأوزاعي أيضا. قال القرطبي: «وقد اختلفت الرواية عن مالك في لحوم السباع والحمير والبغال. فقال مرة: هي محرمة، لما ورد من نهيه عليه السلام عن ذلك، وهو الصحيح من قوله على ما في الموطأ . وقال مرة: هي مكروهة، وهو ظاهر المدونة لظاهر الآية ، ولما روي عن ابن عباس وابن عمر وعائشة من إباحة أكلها، وهو قول الأوزاعي».
وأبان بأنهذا الذي يستدل به من يفتون بأكل هذه الأشياء مردود عليه بما يلي:أولا: قولهم بأنه لا تحريم إلا بنص وحيث لم يرد ذكر هذه الأشياء في كتاب الله فتكون على أصل الإباحة، مردود عليه بأن النص على تحريمها موجود وهو قوله -صلى الله عليه وسلم- في الصحيحين وفي موطأ الإمام مالك عنون له :قال: بَاب تَحْرِيمِ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ.. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ حَرَامٌ».
وأكمل: فهذا الحديث الذي يمثل قاعدة جامعة لما يحرم أكله، والثابت بنص من السنة المطهرة كالثابت بنص من القرآن الكريم، فالقول بحل هذه الأشياء لعدم ورود نص عليها محض افتراء وإنكار للسنة التي هي مصدر التشريع الثاني بعد كتاب الله.
واستطرد: الثاني: أما قولهم بأن جواز حل أكل القطط والكلاب ونحوهما استنادا على رأي المذهب المالكي وبعض السلف فمردود عليه: بأنه في المقابل يوجد رأي جمهور الفقهاء القائل بتحريم أكلها وهو الصحيح في المذهب المالكي نفسه كما ورد في نص القرطبي السابق ذكره، وكما نص عليه الإمام مالك نفسه بعد ذكره حديث التحريم في موطأه، فالتحيق يثبت تعدد الروايات في المذهب المالكي حول جواز أكل هذه الحيوانات ففي المذهب ثلاثة آراء: التحريم، والكراهة، والإباحة، والثابت عن إمام المذهب هو التحريم فالإمام مالك هو صاحب الموطأ وهو من عمد كتب السنة وقد روى فيه حديث تحريم كل ذي ناب وكل ذي مخلب ففي الموطأ:- : بَاب تَحْرِيمِ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ.. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ حَرَامٌ . قَالَ مَالِك: وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا.
وأردف: فهذا هو الإمام مالك شيخ المذهب يعنون في موطأه بابا ينص على تحريمها ويؤكد بعد ذكر الحديث بأن هذا هو الرأي عنده، ولذا فإن تحميل مذهبه غير ما صرح به وخطه بيده لا يلتفت إليه، وحتى لو ثبت قول آخر عنه أو عن أحد أصحابه أو عن الصحابة فإن العبرة بما ثبت بالنص عند جماهير الفقهاء ومنهم الإمام مالك نفسه ، وتحريم هذه الأشياء ثبت نصها فلا مجال للقول بحلها وإلا كان اجتهادا مع النص وهو باطل.
وواصل: ثالثا: يراعى في شريعتنا الذوق العام وما تقبله النفس السوّية وما تعافه،وتتغير الفتوى في المسائل الاجتهادية متى تغّيرت أعراف الناس وأذواقهم وما تقبله نفوسهم وما تعافه ، وهذه الحيوانات مما تعافها النفس السوّية قديما وحديثا ، وهذا يقتضي عدم القول بإباحة أكلها.
ونبه على أنه يجب الفصل بين عدة أمور يخلط بعض الناس بينها منها: الربط بين الحديث عن نجاسة هذه الحيوانات وطهارتها وبين حكم أكلها، فالمالكية يقولون بطهارة الكلب ويحرمون أكله على الصحيح، وكذا يجب الفصل بين حكم أكلها وحكم الانتفاع بها، فالقطط ينتفع بها في مكافحة القوارض مثلا والكلاب مما يجوز الانتفاع بها في الحراسة والصيد، وتحريم الأكل لا يستلزم تحريم الاقتناء والانتفاع بها، كما يجب الفصل بين تحريم أكل هذه الحيوانات وبين الرفق بها فهو واجب وتعذيبها أو قتلها ما لم تكن مؤذية حرام ،والرفق بها أدخل رجلا الجنة وتعذيبها أدخل امرأة النار.