الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

قال الفيلسوف: عفوًا كلنا عبيد!


هل جربت يومًا أن تصبح عبدًا؟ لا تنزعج من السؤال، ولا تنظر لكلماتي بغرابة! قف أمام مرآتك، أنظر في ذاتك، فتش في أرجائك.

قلب جيدًا في أحشائك، ستجد كروموزومات العبودية تسري في دمانا جميعًا، وإن تفاوتت من شخص لآخر. إنها حقيقة أرصدها بقلمي، شئت أم أبيت. ستقاوم هذه النظرية، وقد تلفظها قبل أن تستوعبها، وقد تستهويك فتقف عندها وتقلب في مفرداتها، لعلك تصيب منها ورقة توت تسترك عند الشدة، فلا تُظهر عوراتك، وما أكثرها بين البشر؛ لكننا نُكابر ونُظهر الكمال، رغم أننا نقر ونعترف في ورد يومي بأن الكمال لله وحده.


وتبقى الحقيقة أنك لا تملك من صفات الكمال إلا ما يشهد به الآخرون لك. فكل نفس غير الأنبياء أدنى من أن يُشهد له بالكمال، فقد شهد الله لنبيه محمد (عليه الصلاة والسلام) قائلًا: ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾، حيث قال بدوره: ﴿إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق﴾.

وتظل كل نفس طوال يومك حائرة، تعبث بأركانك، لكونها كما قال المولى عز وجل: ﴿ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها﴾. إذًا فالإنسان على الأرض هو من يملك أن يفتح لها صمام الفجور، إذا ما ضعفت نفسه أمام شهواته، وأصبح عبدًا لها؛ أو يغلقه ويفتح لها أبواب التقوى، إذا تدثر بثوب العفة والإرادة. وتظل المشكلة السابحة في دمانا: كيف نتحلص من ربق العبودية، التي تُحكم القيد علينا كلما استشعرنا لذة الصيب وهو يروى عطش النفس؟   

قف ياعزيزي، وصارح نفسك، أنظر حولك، قلب في الخلق وأشهد كيف صرنا! صرنا عبيدًا للأنا، نستمريء ما أصابنا، وما فعلته أيدينا، وإن ضحكنا أو بكينا من سواد ليالينا. فهناك عبدٌ للمال، سيطرت عليه شهوة المال، واختلط عنده الحلال بالحرام، فسقط في بحيرة قارون غير مبالٍ بيوم سيسأل فيه عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه؛ فالـ﴿المال والبنون زينة الحياة الدنيا﴾.


 وهناك عبدٌ للنساء، يفتح الباب على مصراعيه لقضاء نزواته، حلالًا كانت أم حرامًا، فهو لا يسعى إلا إلى كل لذة حسية، تتمكن من خلايا رأسه، فيزوغ بصره بين كل التاءات المربوطة، متعلق بجدائل النساء ولِعًا، هاجرًا زوجه أو دافعًا لها نحو الفناء.


 وهناك عبدٌ للطعام والشراب، لا يعرف من الحياة إلا "سد الحنك" وما لذ وطاب، فلم تعد مائدة الفقراء تسد جوعه، بل أصبح الطعام والشراب مقصده في الحياة الدنيا، مُعرضًا عن المن والسلوى، كما فعلت بني إسرائيل في جاهليتها؛ ولا يدرك من سُكره أهو فوق الأرض أم يسبح في الهواء.

وهناك عبدٌ للجاه والنفوذ والسلطان، لا يتورع أن يحاكي المردة والشياطين، بل يشاطرهم متعة الإنتقام من الإنسان، متناسيًا آدميته، فتهلك البشر تحت أقدامه، وتفنى الأخلاق فوق بساطه، وهو ييمم وجهه شطر إيوان كسرى.

 وهناك عبدٌ يجمع كل سمات العبودية في ذاته، وقد خاب سعيه في الدنيا بما فعل، أنفق حياته في جمع المال، وسُكنى

القصور، ومعاشرة النساء، وشراهة الطعام والشراب، الذي تعجز أن تفرق ألوانه، واليخوت الراسية، والسيارات الفارهة، والمتع الزائفة.

 وهناك عبدٌ يخلص لله عز وجل، فلا تجد غير الرضى في وجهه، وقد أسلم وجهه لله تعالى، غير مبالٍ بالحياة الدنيا وما فيها، ونحسبه من الزهاد العابدين، القانعين الشاكرين.

بيد أن هناك عبدٌ أنيقٌ، يجري الحياءُ في دمه، فتتوارى سمات العبودية أمامه خَجِلة خلف سياج نفسٍ أبية؛ وهناك عبدٌ دنيء تفضحه شراهته، فلا يقوى على تقويم ذاته، مستعرضًا ما تحوي أحشائه.

تُرى أسنصْدق أنفسنا ونكسر القيد أم سنظل متوهمين أننا أحرارًا؟

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط