الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

محاكمة طبيبة المنصورة: قضية للمناقشة!



لا يستطيع إنسان مهما كان ألا يشغل نفسه وفكره بتلك الأخبار الهائلة التي تصدر في العالم كله، وعلى لسان أكبر الشخصيات في العالم، التي تتناول وباء فيروس كورونا، خاصة بعد الانتشار الكبير الذي يحققه الفيروس، متحديا جهاز المناعة في الإنسان، ومعلنا التحدي للعلماء والباحثين في علم الطب، وناظرا بصلف وغرور معلنا قدرته على الفتك بالجهاز التنفسي، بمهاجمته الرئتين دون رادع.


لقد أصبح الفيروس التاجي حديث العالم، حيث توارت خلف أخباره كل الأخبار، في كافة المجالات، وحيث تم ربط تداعيات الاحترازات التي تم اتخاذها من كل دولة من الدول بكافة مجالات الحياة التي تعطلت تمام العطلة في إيطاليا، وتعطلت بنسبة تقترب من الثمانين في المائة في أغلب الدول الأوروبية، التي تكاد تكون شوارعها خالية تماما، سوى من هؤلاء الذين يقدمون الخدمات، كرجال الشرطة، والمسعفين.


إن الصورة في أوروبا وكذلك في الولايات المتحدة الأمريكية تنذر بأن القادم لا يمكن التنبؤ به، فليس معقولا أن ننزع عن الوباء صفة الخطير، ونحن نرى في أوروبا المتقدمة طبيا، وخاصة في تلك الدول التي تمتلك منظومة رعاية صحية أكثر من هائلة، وقد استنفرت كل طاقاتها، في كافة المجالات، معلنة حالة من الطوارئ غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية، لدرجة أننا نرى في دولة مثل النمسا وقد أعلنت تعليق التقاعد مؤقتا في الجيش الذي أعلنت وزيرة الدفاع النمساوية أنه جاهز للمشاركة في الحرب على فيروس كورونا.


وإذا كان هذا هو الحال على المستوى العالمي، وخاصة على مستوى العالم المتقدم منه، فإننا على العكس من ذلك، نلحظ دون عناء أن الشعب المصري غير مدرك لحقيقة الأزمة، بل إني أزعم أن هذا الفيروس قد عرّى العقلية المصرية تعرية كشفت عن العورة في القدرة على قراءة المشهد، واستطاعة تفكيك الحالة للوصول إلى مدى خطورتها، فوجدنا مناقشات بيزنطية، ومجادلات عقيمة، أكدت أننا بعيدون بعدا هائلا على القدرة في تقييم الأوضاع تقييما موضوعيا، فمن فَرِحٍ لعطلة المدارس وكأنها إجازة ترفيهية، ومن مُلْتَقِطٍ لتصريح لمسؤول ليبحث في مفرداته أو صياغته عن مدخل لسخرية، ومن مُسْتَغِلٍ للأزمة في أبعادها المختلفة: سياسية، أو اقتصادية أو اجتماعية أو دينية، ولهذه اللحظة لم نر فعلا منضبطا كل الانضباط في منظومة الدولة المصرية إلا الصادر عن القيادة السياسية متمثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي اتخذ من الإجراءات ما يتماهى مع ما اتخذته قادة الدول الكبرى، وذلك، في تصوري، لأن الرئيس يدرك حجم الأزمة، ويعلم مقدار الخطر.

تلك الأزمة وهذا الخطر اللذان هما في حاجة على مزيد من الإجراءات الاحترازية التي أظن أنه لن ينتهي هذا الأسبوع إلا ويكون السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي قد اتخذها، والتي ستكون أكثر حزما وحسما، والتي يجب أن يساعد الشعب نفسه على التقيد بها، ولعل تفتقد رئيس أركان الجيش المصري الفريق محمد فريد اصطفاف عناصر الجيش استعدادا لمواجهة وباء فيروس كورونا مؤشرا لجاهزية مؤسسات الدولة التي تدرك خطورة الأزمة.


وإذا كانت هذه الأزمة العالمية والتي مصر إحدى بيئاتها الجغرافية هي معركة حامية الوطيس يواجهها بني البشر جميعا؛ فإن الجنود الذين سيتقدمون وسيخوضون هذه المعركة هم الأطباء والصيادلة وكل العاملين في قطاع الصحة، هؤلاء الذين يقع عليهم العبء الأكبر لإنقاذ البشرية من عدو صلف مغرور، يصيب مئات الآلاف ويحصد أرواح الآلاف منهم حول العالم.


وإذا كان الانتصار في أية معركة لا يمكن أن يتحقق إلا بوقوف الشعب صفا واحدا مع المقاتلين، فإن وقوف الشعوب جميعا داعمين للأطباء والممرضين والصيادلة وكل أفراد المنظومة الصحية لهو أمر ضروري حتمي، ولهو أقل ما يمكن أن يقدم لهؤلاء الذين يبذلون فوق طاقاتهم، بل يضحون بأرواحهم في صراع البشرية مع هذا العدو الجديد.


وفي المقابل على قطاع الصحة أن يدرك أنه يقود هذه المعركة، وأن الواجب الإنساني المقدس ينادي عليهم، ولا يمكن ألا يلبوا هذا النداء، وليعلموا أن الشعب بل كل الشعوب خلفهم، مساندين داعمين، مقدرين لهم دورهم البطولي.


ولابد أن يدرك كل فرد في منظومة الصحة أنه جندي في هذه المعركة، وعليه أن يتخلق بأخلاق الجنود البواسل، التي لا ترضى إلا بالنصر، أو الشهادة، وإن قدّرنا ما يعتريهم من ضعف بشري، يتجلى أحيانا في الخوف الذي هو والنصر لا يلتقيان، هذا الخوف الذي يتجلى في واقعة عرضها العالم المصري الكبير الأستاذ الدكتور جمال مصطفى السعيد أستاذ جراحة الأورام بجامعة القاهرة، وهو صديق عزيز نعتز بصداقته، كما نتوقف دائما بعين التقدير وكل الاحترام لما يطرحه من قضايا، تلك التي كان آخرها قضية طبيبة المنصورة والتي نشرها على صفحته الرسمية في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك والتي طلب منّا أن ندلوا فيها بدلونا وكان نص القضية كما كتبها العالم المصري الكبير الأستاذ الدكتور جمال مصطفى السعيد كالتالي:

"قضية هامة جدا
أثار أحد الصحفيين الكبار ( بل هو كبير جدا) قضية هامة تحتاج لرؤية وثقافة فى مناقشتها وهى طلبه بمحاكمة طبيبة ( كده.!!) لرفضها مصاحبة مريض ثبتت إصابته بالكورونا أثناء نقله من المنصورة الى الإسماعيلية وقد نزع في مقاله عن الطبيبة صفات الرحمة ومقتضيات الواجب المهني. .. ولى هنا وقفة فالطبيبة المذكورة هي إنسانة لها أسرة وزوج وأطفال وأشقاء وأم وأب وهى في رفضها طبقت الإرشادات الواجب عليها اتباعها كإنسان يواجه الإصابة والموت وهذا حق أصيل لها مثلى ومثلك وقد تكون مجبرة عائليا على ذلك مع العلم بأن الإجراءات التي يتبعها الأطباء تقلل احتمالات العدوى ولا تمنعها ...ولو طلبنا من الكاتب مصاحبة المريض لرفض حتى لو أجبرته سلطة رؤسائه على ذلك فالرفض هنا حق إنساني أصيل وهى بالضبط مثل أن يأمر أحد رؤساء فرد المطافئ الدخول إلى النار ليحترق ويموت هو وأسرته وينقذ غيره.


القضية حساسة جدا وتحتاج إلى مناقشة من أصحاب الفكر المستنير الذين أرجو أن يقولوا رأيهم بتجرد خصوصا أن الكاتب أمر بمحاكمتها لا معاقبتها إداريا
فما رأيك؟"
ونضع هنا رأينا الذي سجلناه في القضية التي طرحها الصديق الأستاذ الدكتور جمال مصطفى السعيد حيث كانت:

أية محاكمة؟
علينا في البدء أن نعرف قبل الخوض في القضية كافة التفاصيل!
أولا: من الناحية الطبية؛ هل يلزم مرافقة طبيب للمريض أو المريضة في مدة نقلة من مكان إلى مكان؟ أعني المصاب بفيروس كورونا.
ثانيا: هل هناك تخصص معين في فرع الطب هو الذي يجب أن يكون الطبيب دارسا له لو كانت إجابة السؤال الفائت بنعم؟ وهل الطبيبة أحد المجيزين لهذا التخصص؟

ثالثا: العاملون في الطب مثلهم مثل كل العاملين في أي تخصص: فيهم من يعشق المغامرة العملية، وفيهم من يقوم بواجبه فقط، وفيهم من يضحي تضحية هائلة، وفيهم من يعمل في الحدود الدنيا.
رابعا: كما أن المجتمع يقدم ويكرم الشجعان، فإنه أيضا يضع من هم عكسهم من "المتخاذلين" في مكانة دنيا. وهذه هي المحاكمة الشعبية.

خامسا: المحاكمة قضائيا، يحكمها القوانين، وتتم فقط لو أن الطبيبة قد خالفت القوانين، وهذا يحدده المتخصصون في قانون مهنة الطب.

سادسا: الملاحظ أن الشعب المصري عموما لا يعيش حقيقة أزمة الفيروس، فالعالم كله يعيش حالة طوارئ، أعني الشعوب كلها تقريبا، التي تقوم طوعيا لمساعدة الحكومات في السيطرة على الفيروس، بالتزام المنازل، على العكس من ذلك أرى الشعب المصري معيقا لما تتخذه الحكومة من إجراءات احترازية.

الخلاصة: في وقت الأزمات الكبرى، تتغير القوانين، وأحيانا يتم فرض قوانين جديدة، بل بالفعل تم فرض قوانين جديدة، وهذا ما يجب أن تقوم به مصر.

خوف الطبيبة مبرر، لو أن هناك ضرورة لمصاحبة الحالة ولم تفعل تكون قد تخلت عن دورها، لو لم يكن متاحا من الأطباء إلا هي، وكان لابد أن يصاحب الحالة مريض، فلابد أن تخضع لتحقيق.
هكذا رأينا أن تعرض القضية في سياقها، لكي نستطيع أن نقيّمها تقييما مناسبا. 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط