الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

فساد أردوغان وكورونا يحاصران الأتراك.. أزمتا المال والصحة تقودان اقتصاد البلاد إلى الدمار

الرئيس التركي رجب
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان

"حين ينحسر المد سوف تعرف من كان يسبح عاريا" تعليق بارع ألقاه رجل الأعمال والمستثمر وارين بوفيت عندما اندلعت الأزمة الاقتصادية العالمية، ومع تفشي وباء كورونا المستجد، أثار هذا الفيروس مخاوف الحكومات والقطاع الخاص في العالم الذي أصبحوا على أهبة الاستعداد لأي أزمة اقتصادية، لكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وضع بلاده في موقف صعب خاصة الأسواق الناشئة، وذلك بسبب سوء إدارته السياسية وفساده الاقتصادي على مدار سنوات.

ونشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، تقريرًا عن وضع تركيا حاليًا وسط تفشي فيروس كورونا، مؤكدة أنه إذا أصر أردوغان على مواصلة أخطائه السابقة، فسيدمر اقتصاد تركيا، مع مضاعفة عواقب مالية وجيوسياسية تستمر إلى ما بعد نهاية الوباء.

اقرأ ايضا:
وسجلت تركيا حتى أمس، أكثر من 34 ألف حالة إصابة بفيروس كورونا، ما يعكس واحدًا من أسوأ المسارات التي تم الإبلاغ عنها في العالم من حيث الإصابة، خاصة مع تضاعف الحالات المؤكدة كل ستة أيام، مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ تسعة.

وذكرت الصحيفة أنه عندما أبلغت أنقرة عن أول حالة مؤكدة لها في 11 مارس، كتب إرجين كوسيليدريم من كلية الطب بجامعة بيتسبيرج، تحذيرًا في نفس اليوم قال فيه: "التستر على فيروس كورونا التركي هو كارثة في انتظار حدوثها".

وفي 28 مارس، قال المحلل التركي إنان دوجان، الذي تنبأ بمسار عدد القتلى في الولايات المتحدة، إن "1 من كل 150 شخصًا في تركيا مصاب بفيروس كورونا"، متوقعًا أن يتجاوز عدد القتلى 5000 حالة بالبلاد منتصف أبريل.

وبرغم أن تركيا لديها نظام رعاية صحية أفضل من الولايات المتحدة، لا تزال الأولى متخلفة عن جميع الدول المشاركة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي توثق أعداد الأطباء بالدولة، فعلى سبيل المثال لدى إيطاليا أكثر من ضعف الأطباء والممرضات في تركيا.

وما يزيد الأمور سوءًا، أنه منذ الانقلاب الفاشل الذي حدث في تركيا، في يوليو 2016، أجرت الحكومة تطهيرًا بإقالة 150 ألف موظف مدني وإدراجهم في القائمة السوداء، بما في ذلك حوالي 15 ألف من المتخصصين في الرعاية الصحية، كما أجبرت مصطفى أولاسلي، أحد كبار الخبراء المعنيين بالفيروسات التاجية في البلاد على الاستقالة من عمله، لصلته بمحاولة الانقلاب.

وفي 23 مارس، طالب زعيم المعارضة في تركيا، كمال كليجدار أوغلو، بإعادة العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين تم إقالتهم وإعادة فتح المستشفيات العسكرية التي فككها أردوغان في أغسطس 2016 كجزء من خططه التسلطية بعد الانقلاب وجعلها تحت سيطرته.

وذكرت الصحيفة أنه قبل وقت طويل من ظهور فيروس كورونا، كانت تركيا وأقرانها في الأسواق الناشئة يجدون بالفعل أن أسواق المالية الدولية أقل رغبة في تمويل عجز حساباتهم الجارية، وفي أغسطس 2018، ارتفع سعر مقايضات التخلف عن سداد الائتمان في تركيا، إلى أعلى مستوى له منذ عام 2009. في انحناء غير طبيعي، ما أدى إلى تجاوز تكلفة حمايته لمدة عام التكلفة السنوية للتأمين لمدة خمس سنوات، ما يعكس الضائقة الاقتصادية الشديدة التي تمر بها أنقرة.

في مايو  2019، ارتفع سعر مقايضات التخلف عن السداد في تركيا مرة أخرى حيث بدأت الأسواق المالية في التسعير بشكل افتراضي، واحتلت أنقرة المرتبة الرابعة في الديون بعد فنزويلا والأرجنتين وأوكرانيا. ومنذ ذلك الحين، أدى الهبوط في قيم العملات والعائدات الأجنبية، الناجم عن فيروس كورونا إلى تعميق الأزمة في جميع الاقتصادات الناشئة ، التي تتدافع الآن لتجنب التخلف عن السداد.

والمثير للدهشة أن وزير المالية والخزانة التركي بيرات البيرق صهر أردوغان، يسير على الخطى الاقتصادية لوالد زوجته، ففي 19 مارس ومع تفشي فيروس كورونا العالم، أبدى عدم مخاوفه من تحقيق أهداف النمو والميزانية والتضخم الحكومية لعام 2020، متوقعًا نموًا بنسبة 5 % لهذا العام.

كما قلل البنك المركزي التركي الذي جرده أردوغان من صلاحياته، من تهديد الوباء على الاقتصاد التركي، مؤكدا أن أنقرة ستكون من بين تلك الدول التي لن يحدث لاقتصادها ضرر.

ولكن الأمر يعكس خطرًا شديدًا، فتعد أنقرة غير مستعدة للتباطؤ الاقتصادي المحتوم، مع انخفاض قيمة الليرة التركية بما يزيد عن 14% مقابل الدولار الأمريكي هذا العام حتى الآن، مما يضغط بشكل كبير على الشركات غير المالية التركية التي تعاني من فرط في الديون والتي تبلغ التزاماتها من النقد الأجنبي حوالي 300 مليار دولار.

بالإضافة إلى ذلك، انخفض صافي احتياطيات النقد الأجنبي بتركيا إلى 1.5 مليار دولار، والتي حاول البنك إخفاءه وراء عمليات المقايضة قصيرة المدى التي تتم مع البنوك المحلية. 

ويتوقع المحللون في بنك MUFG الياباني انخفاض الليرة بنسبة 18 % مرة أخرى في غضون عام، ليصل سعر الصرف إلى مستوى قياسي يبلغ 8 ليرات مقابل دولار واحد، مقارنة بـ 3 ليرات مقابل الدولار في سبتمبر 2016.

كما أظهرت دراسة أجريت مؤخرًا لمؤسسة مورجان ستانلي أنه في سيناريو الكساد بين الاقتصادات الناشئة، كانت النسبة المئوية لاحتياطيات النقد الأجنبي هي الأقل في تركيا، متخلفة عن جنوب أفريقيا والأرجنتين وباكستان، ما يجعل أنقرة تعتمد بشكل كبير على المزيد من الاقتراض الأجنبي في أسواق معادية.

وما يزيد الطين بلة، أن الأزمتين المالية والصحية في تركيا أظهرت أسوأ غرائز بقاء الرئيس التركي. في الشهر الماضي، فقال ستيفن كوك في مقال إن أردوغان أكثر قلقا بشأن تحمل المسؤولية عن الأمراض والوفيات من صحة وسلامة شعبه.

ومنذ بداية الوباء، واختفى أردوغان من كل مكان تاركًا وزير الصحة يتواصل مع الجمهور، والذي من المحتمل أن يمهد الطريق للوزير في نهاية المطاف للحكم ذات يوم. وفي هذه الأثناء، تزايد القلق من الأداء القوي لرؤساء بلديات أنقرة وإسطنبول التي تديرها المعارضة، وانتقدهم أردوغان لشنهم حملات غير مصرح بها لجمع التبرعات لمساعدة المتضريين من تداعيات فيروس كورونا.

كما يقلل من الوباء وحصده للأرواح، فيرى الرئيس التركي أن فيروس كورونا فرصة أخرى لتعزيز السلطة من خلال إدخال تدابير شديدة الصرامة، فحتى 25 مارس، اعتقلت السلطات التركية أكثر من 400 شخص بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن كوفيد 19، وتم استجواب 8 صحفيين عن تقاريرهم الخاصة بكورونا، مدعين أنها كاذبة.

جتى أنه قدم، شكوى جنائية إلى الادعاء العام في اسطنبول ضد المذيع التركي فاتح بورتاكال، بسبب انتقاده لطريقة تعامل أردوغان مع أزمة فيروس كورونا، مؤكدًا أن تصريحاته كاذبة وهدفه التلاعب بالجمهور.

لذلك في الوقت الذي تواجه فيه تركيا والعالم تحديًا غير مسبوق في المجال المالي والصحي بسبب كورونا، فإن أكبر خطأ يرتكبه أردوغان حاليًا هو مزج أزمة الفيروس بأشياء سابقة يمكن أن يكتسحها تحت السجادة بأساليب سهلة بدلًا من مضاعفة أخطاء الماضي واستقبال تركيا لأزمات مالية كارثية جديدة.