من الجزائر، وقبل الاستعمار الفرنسي، تحديدًا من عام 1815 وحتى 1833 انطلق الروائي عبد الوهاب عيساوي ليقدم رواية "الديوان الإسبرطي"، التي فازت بجائزة بوكر العربية هذا العام، ومن خلال تقسيم روايته بين خمسة أبطال مختلفين، يعرض تلك اللحظات الفارقة التي مهدت لدخول الفرنسيين لاحتلال الجزائر، وما سبق ذلك من أثر العثمانيين عليهم وما كانوا يفعلونه هناك.
ورصدت الرواية ما
فعله العثمانيون في الدول العربية، ولم تقتصر على عرض تصوير لما عاناه الشعب الجزائري
من الاحتلال العثماني، ولكن انتقل إلى تصوير أثر دخول الفرنسيين أيضًا، وكيف كان التعامل
معهم والمقارنة بينهم وبين المحتل السابق.
واعتمد الكاتب
في روايته على تقنية تعدد الأصوات، وترك لشخصيات روايته عرض وجهات النظر المختلفة والمتعارضة،
وبقي دوره على اختيار هذه الشخصيات التي أراد لها تمثيل كل طبقة أو فئة من فئات المجتمع،
فيهم اثنان فرنسيان هما: الصحفي والمراسل الفرنسي "ديبون" و"كافيار"
أحد جنود حملة نابليون، والجزائريون الذين يمثلهم كاتب الديوان "ابن ميار"
الذي يراوح مكانه بين الفرنسيين والعثمانيين، وبين المواطنين البسطاء الذين يمثلهم
"حمة السلاوي" الذي يشترك في المقاومة ضد المستعمر، و"دوجة" الفتاة
الجزائرية ضحية الفقر والتشرد.
استطاع عبد الوهاب
عيساوي أن ينقل الصورة كاملةً، ولم ينتقل في أحداث الرواية أبعد من تلك الأيام التي
رصدها، قبيل الاستعمار الفرنسي، وفي الوقت نفسه كان التركيز على شخصيات غير تاريخية
وغير معروفة، أكسبها هو من خلال وصفه والتعريف بهم صفاتهم وطريقة كلامهم، وجعلهم يعبرون
عن منطقهم الخاص وحياتهم، وطريقة تعاملهم وأفكارهم تجاه المحتل العثماني والمستعمر
الفرنسي بعد ذلك، وترك للقارئ في النهاية تشكيل الصورة النهائية.
واستخدام الكاتب عدد من المصطلحات العسكرية المستخدمة في أيام العثمانيين والتي قد تكون مجهولة لشريحة كبيرةٍ من القراء مثل "الكراغلة" و"اليولداش" و"الجولق" وغيرها من ألفاظ يصعب فهمها دون أن يتم توضيح معانيهم في هامشِ مستقل.
واستطاع عيساوي أن
يقدّم رواية تاريخية محكمة البناء، لا تعتمد على عرض سيرة ذاتية لأحد أبطال المقاومة
الجزائرية مثلًا، وتوغّل في المجتمع الفرنسي والجزائري والتركي، ليرسم لنا صورة بانورامية
لتلك المرحلة التاريخية المهمة في تاريخ بلاده الجزائر المحروسة.
عبد الوهاب عيساوي روائي جزائري شاب من مواليد 1985، حصل على جائزة الشارقة في الإبداع عن مجموعته القصصية "حقول الصفصاف" عام 2013، كما حصل على جائزة آسيا جبار في الرواية عن روايته "سييرا دي مويرتي" 2015 وهي رواية تاريخية أيضًا يعرض فيها طرفًا من محنة الإسبان الجمهوريين بعد هزيمة فرانكو وما تعرضوا له في جبل الموت،كما حصل على جائزة سعاد الصباح عن روايته "الدوائر والأبواب" عام 2017.