الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. هادي التونسي يكتب: هوجو

صدى البلد

هو ليس مثل هؤلاء الذين صادفتهم علي مسارات الدراجات في الطرق الريفية الاوروبية, يركبونها في جماعات لمسافات مألوفة في نهاية الاسبوع, يمضون في طريقهم بنظرات منهمكة في المسار, رياضة و ليست تواصلا الا فيما ندر داخل المجموعة, فقد كان  تائها وحيدا فوق دراجة تحمل معدات التخييم و الطبخ  مع بعض المشروبات و المعلبات, و استوقفني للاستفسار عن الطريق.

هوجو في حوالي الخمسين من عمره, ممتلئ القوام, اشرت اليه الي اقرب مدينة علي بعد قرابة العشرين كيلومترا, ففاجأني بانه يسأل علي طول المسافة التي تفصلنا عن العاصمة المجرية, و التي اعرب عن عزمه التوجه اليها حتي بعد ان ابلغته انها تبعد اكثر من مائتي كيلومترا.. زادت دهشتي عندما علمت انه قادم من جمهورية التشيك عبر المانيا و النمسا متتبعا  نهر الدانوب حتي  البحر الاسود. كان هوجو مرحا متواصلا بروح معنوية عالية كمن تلقاه في حفلة و ليس في رياضة عابرة للحدود, و هو ما ضاعف فضولي, الذي بدأ بملاحظة  الدراجة المتعددة السرعات.. هو يقول انه مارس تلك الرياضة بزيادة المسافات تدريجيا في البداية محافظة علي الصحة, و تطور به الامر ليجد انه بدأ يزور المدن القريبة في موطنه بجمهورية التشيك, و تطورت احلامه للقيام بسياحة رخيصة في دول الاتحاد الاوروبي التي لا تفصلها حدود, فهو محب للطبيعة, يشعر بامان داخل خيمته ليلا, حتي لو كانت خارج مناطق التخييم المخدومة, يطهي طعامه بنفسه بين الاشجار, يأنس لنفسه فلا يحتاج رفقاء,بل يتمتع بالاشياء البسيطة حوله, يشارك الطيور غناءها تارة, و يلاحظ سلوك حيوانات الغابة الصغيرة تارة اخري, فهو يجد اناسا طيبين و شمسا في كل مكان, طالما اختار اوقات الربيع المعتدلة للسفر. اعد نفسه بدراسة الطريق قبل الرحلة و تعلم الاصلاحات التي قد تحتاجها الدراجة فجأة وضعا في الاعتبار طول المسافة. يراعي ان يبدأ رحلته مع اول النهار يوميا, ليستريح ليلا او ليتسامر في مقهي شعبي في قري الطريق, و احيانا ما اقام صداقات مع من تعرف عليهم و بقي علي تواصل معهم.

أكبرت في هوجو روحه العالية  رغم المشقة, انه منفتح علي الطبيعة و الناس الذين يأنسون اليه مثلما يأنس لنفسه, انه يحتاج قليلا ويتمتع كثيرا, انه حر طليق محب للحياة و الطبيعة و الكائنات, يتواصل و يندمج , و يكتسب المعرفة والحكمة بالتجربة الذاتية, و ينبذ الاستسهال والراحة الجسمانية بحثا عن راحة النفس و ثراء الروح و صفائها. هو شخص سعيد بطبعه و نفسيته, لكنه يجد للسعادة ابوابا بوعيه اليقظ وحسه المتجول المرفه,, و يثبت لنا من جديد ان بامكاننا ان نصنع دنيانا بإيجابية افكارنا مهما كانت الظروف المحيطة.