أقيمت الحلقة الحادية والعشرون لملتقى الفكر الإسلامي الذي ينظمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية برعاية الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف ، وجاءت بعنوان: "رمضان شهر الجود والكرم"، وحاضر فيها كل من : الشيخ إبراهيم رضا إمام وخطيب بوزارة الأوقاف ، والشيخ محمد هلال عامر الباحث بديوان عام وزارة الأوقاف.
وفي كلمته أكد الشيخ إبراهيم رضا إمام وخطيب بوزارة الأوقاف أن شهر رمضان هو شهر الجود والكرم ، والبذل والعطاء ، " فَمَنْ تَطَوَّعَ فِيهِ بِخِصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ , وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فَرِيضَةً كَانَ كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً .. " ، ولا شك أن فضلَ الصدقة عظيم وأثرها جسيم ؛ وذلك بما أعد الله (عز وجل) لصاحبها من خير وافر وثواب جزيل في الدنيا والآخرة ، وكذلك بما تؤكده الصدقة من ثقافة التراحم والتكافل وفقه التعاون، وقد علمنا النبي (صلى الله عليه وسلم) أن للصدقة ثوابًا عظيمًا ؛ حيث إنها سبيل لرحمة الله (عز وجل) ، وكذلك لحسن الخاتمة ، حيث يقول (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : " الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ ، وَتَدْفَعُ مَيْتَةَ السُّوءِ " .
وأضاف رضا أن البعض يرى أن الجود مقتصر على المال وفقط ، وهذا تضييق للمعنى ، فالجود يتسع لكي يشمل طلاقة الوجه ، فعَنْ أَبِي ذَرٍّ (رضي الله عنه) قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : " لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا ، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ" ، مؤكدًا أن الكرم لا يتوقف على بذل الأموال فحسب ؛ لأن الحق سبحانه وتعالى قال: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ}، وفي آية أخرى قال:{وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ}، وهذا يدل على أن هناك كرمًا آخر غير الكرم بالمال وهو الكرم بالنفس ، ومعناه بذل الجهد في تقديم الخير للآخرين ، والعمل على قضاء مصالحهم وحوائجهم ، وعلى معونتهم ومساعدتهم ، سواء بالكلمة الطيبة أو بتقديم النفس من أجل تحقيق غاية سامية عظيمة ، كالإصلاح بين الناس ، ونشر الخير والدفاع عن الـدين والوطن ، فهو صفة الكرمـاء وشيمة النبـلاء ، وهو أرقى درجـات الإيثـار ، وأنفس أنواع الجود والكرم ، يقول الشاعر :
يَجُودُ بالنَّفْسِ إِنْ ضَنَّ البخيل بِها
والجودُ بالنَّفْسِ أَقْصَى غايةِ الجُودِ
فالجود من أبواب الأمن القومي ، وسبيل الحماية لجميع أفراد المجتمع ، فالقوي يأخذ بيد الضعيف ، والغني يبذل وسعه ليأخذ بيد المسكين واليتيم ، ومن ثمَّ فإن تعاليم الإسلام التي تحث على الكرم والجود والسخاء بكل ما يملك الإنسان من ماله أو نفسه هي أكبر دليل على إيجاد مجتمع قوي متماسك متعاون ، تسوده المحبة والإخاء ، يقوم على العطاء وفعل الخير للغير ، ويهيمن عليه الإخلاص والوفاء ، فينبغي أن يكون المؤمن كريمًا في كل أحواله .
وفي ختام كلمته أكد إبراهيم رضا أننا بحاجة إلى التخلق بهذا الخُلق العظيم ، بعيدًا عن كلّ مظاهر البخل والشح ، يقول (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : " إِنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ وَيُحِبُّ مَعَالِيَ الْأَخْلَاقِ وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا"، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : " إِنَّ اللَّهَ طِيبٌ يُحِبُّ الطِّيبَ، نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ ، كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ، جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ..." .
وفي كلمته أكد الشيخ محمد هلال عامر أن الكرم خُلق من أخلاق المرسلين ، وصفة من صفات الصالحين ، به تسُود المحبَّة والمودَّة بين الناس ، موضحا أن الله (عز وجل) دائم التفضل على خلقه ، فهو سبحانه جواد كريم وعـد المنفقـين من أموالهم بمضاعفة الأجر والثواب أضعافًا كثيرةً ، فقال سبحانه : {مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : "ما مِن يومٍ يصبِح العبادُ فيه إلا ملَكان ينزلان، فيقول أحدُهما : اللّهمّ أعطِ منفقًا خلفًا ، ويقول الآخر: اللّهمّ أعطِ ممسكًا تلفًا " ، فيجب على المسلم أن يكون سخيا كريما ، اقتداء بالنبي (صلى الله عليه وسلم) فقد كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر ، وكان في رمضان أجود من الريح المرسلة ، قَالَ ابْن عَبَّاس (رَضِي الله عَنْهُمَا) : " كَانَ النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَجود النَّاس بِالْخَيرِ وأجود مَا يكون فِي رَمَضَان وَكَانَ أَجود بِالْخَيرِ من الرّيح الْمُرْسلَة ".
كما أكد أن الكرم صفة ممدوحة في كل كتاب ، وعلى كل لسان ، وقد علمنا ديننا الحنيف أن نكرم الناس قولا وفعلا ، ماديا ومعنويا ، فحين ينفق الإنسان مما أعطاه الله (عز وجل) ولو كان قليلًا فإنه سبحانه وتعالى يبارك له في ماله ويتفضل عليه بأضعاف مضاعفة ، قال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}، مشيرًا إلى أن الإسلام دين لا يعرف الأنانية ، وأن المجتمع المسلم يتميز بالكرم والتكافل والإحسان للجميع ، يقول (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم): "مثل الْمُؤمنِينَ فِي توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كَمثل الْجَسَد الْوَاحِد إِذا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْو تداعى لَهُ سَائِر الْجَسَد بالحمى والسهر " ، ولذلك رفع النبي (صلى الله عليه وسلم) منزلة الأشعريين وأثنى عليهم لما كان فيهم من هذه الصفات الحميدة والأخلاق الكريمة من الكرم والتكافل ، حيث يقول (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : " إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الغَزْوِ ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ".
كما أشار فضيلته إلى أن الإنسان الإيجابي النافع لوطنه ومجتمعه يكتب الله له أجر الصدقة ، ولهذا سارع الصحابة (رضوان الله عليهم) إلى الجود والكرم بالمال والنفس ابتغاء مرضاة الله (عز وجل)، فضربوا أروع الأمثلة في البذل والعطاء وخاصة وقت الشدائد والمحن ، تحقيقا للتكافل والتعاون والتراحم ، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) قَالَ: أُهْدِي لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَأْسُ شَاةٍ، فَقَالَ: (إِنَّ أَخِي فُلَانًا وَعِيَالَهُ أَحْوَجُ إِلَى هَذَا مِنَّا) قَالَ: فَبَعَثَ إِلَيْهِ فَلَمْ يَزَلْ يَبْعَثُ إِلَيْهِ وَاحِدًا إِلَى آخَرَ حَتَّى تَدَاوَلَهَا سَبْعَةُ أَبْيَاتٍ حَتَّى رَجَعَتْ إِلَى الْأَوَّلِ ، فَنَزَلَتْ {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}، فكانوا يتنافسون في الجود والكرَم ، ويتسابقون إلى البذل والعطاء .
وفي ختام كلمته نبه على أنه في ظل هذه الأزمة التي يمر بها العالم والوباء الذي يجتاح البلاد يجب علينا أن ننفق في كل الوجوه ، سواء أكانت صحية من مستلزمات طبية وأدوية علاجية ، أم كانت معيشية من مال أو طعام أو كساء ، ونتيقن أن الصدقة لا تنقص المال ، وأن الله (عز وجل) يبارك لعباده ويخلف عليهم ، فالمنفقون في معية الله وحفظه في الدنيا وينمي لهم نفقتهم في الآخرة ، فيجب على العبد أن يخلص لله (عز وجل) ولا يخشى من ذي العرش إقلالا .