الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

في ملتقى الفكر الإسلامي..الإسلام لا يعرف الأنانية والمسلم جواد كريم نافع لوطنه ومجتمعه

وزارة الأوقاف
وزارة الأوقاف

أقيمت الحلقة الحادية والعشرون لملتقى الفكر الإسلامي الذي ينظمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية برعاية الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف ، وجاءت بعنوان: "رمضان شهر الجود والكرم"، وحاضر فيها كل من : الشيخ إبراهيم رضا إمام وخطيب بوزارة الأوقاف ، والشيخ محمد هلال عامر الباحث بديوان عام وزارة الأوقاف. 
    
وفي كلمته أكد الشيخ إبراهيم رضا إمام وخطيب بوزارة الأوقاف أن شهر رمضان هو شهر الجود والكرم ، والبذل والعطاء ، " فَمَنْ تَطَوَّعَ فِيهِ بِخِصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ , وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فَرِيضَةً كَانَ كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً .. " ، ولا شك أن فضلَ الصدقة عظيم وأثرها جسيم ؛ وذلك بما أعد الله (عز وجل) لصاحبها من خير وافر وثواب جزيل في الدنيا والآخرة ، وكذلك بما تؤكده الصدقة من ثقافة التراحم والتكافل وفقه التعاون، وقد علمنا النبي (صلى الله عليه وسلم) أن للصدقة ثوابًا عظيمًا ؛ حيث إنها سبيل لرحمة الله (عز وجل) ، وكذلك لحسن الخاتمة ، حيث يقول (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : " الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ ، وَتَدْفَعُ مَيْتَةَ السُّوءِ " .

وأضاف رضا  أن البعض يرى أن الجود مقتصر على المال وفقط ، وهذا تضييق للمعنى ، فالجود يتسع لكي يشمل طلاقة الوجه ، فعَنْ أَبِي ذَرٍّ (رضي الله عنه) قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : " لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا ، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ" ، مؤكدًا أن الكرم لا يتوقف على بذل الأموال فحسب ؛ لأن الحق سبحانه وتعالى قال: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ}، وفي آية أخرى قال:{وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ}، وهذا يدل على أن هناك كرمًا آخر غير الكرم بالمال وهو  الكرم بالنفس ، ومعناه بذل الجهد في تقديم الخير للآخرين ، والعمل على قضاء مصالحهم وحوائجهم ، وعلى  معونتهم ومساعدتهم ، سواء بالكلمة الطيبة أو بتقديم النفس من أجل تحقيق غاية سامية عظيمة ، كالإصلاح بين الناس ، ونشر الخير والدفاع عن الـدين والوطن ، فهو صفة الكرمـاء وشيمة النبـلاء ، وهو أرقى درجـات الإيثـار ، وأنفس أنواع الجود والكرم ، يقول الشاعر :  
يَجُودُ بالنَّفْسِ إِنْ ضَنَّ البخيل بِها
والجودُ بالنَّفْسِ أَقْصَى غايةِ الجُودِ

فالجود من أبواب الأمن القومي ، وسبيل الحماية لجميع أفراد المجتمع ، فالقوي يأخذ بيد الضعيف ، والغني يبذل وسعه ليأخذ بيد المسكين واليتيم ، ومن ثمَّ فإن تعاليم الإسلام التي تحث على الكرم والجود والسخاء بكل ما يملك الإنسان من ماله أو نفسه هي أكبر دليل على إيجاد مجتمع قوي متماسك متعاون ، تسوده المحبة والإخاء ، يقوم على العطاء وفعل الخير للغير ، ويهيمن عليه الإخلاص والوفاء ، فينبغي أن يكون المؤمن كريمًا في كل أحواله .

وفي ختام كلمته أكد إبراهيم رضا  أننا بحاجة إلى التخلق بهذا الخُلق العظيم ، بعيدًا عن كلّ مظاهر البخل والشح ، يقول (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : " إِنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ وَيُحِبُّ مَعَالِيَ الْأَخْلَاقِ وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا"، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : " إِنَّ اللَّهَ طِيبٌ يُحِبُّ الطِّيبَ، نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ ، كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ، جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ..." .  

وفي كلمته أكد الشيخ محمد هلال عامر أن الكرم خُلق من أخلاق المرسلين ، وصفة من صفات الصالحين ، به تسُود المحبَّة والمودَّة بين الناس ، موضحا أن الله (عز وجل) دائم التفضل على خلقه ، فهو سبحانه جواد كريم وعـد المنفقـين من أموالهم بمضاعفة الأجر والثواب أضعافًا كثيرةً ، فقال سبحانه : {مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : "ما مِن يومٍ يصبِح العبادُ فيه إلا ملَكان ينزلان، فيقول أحدُهما : اللّهمّ أعطِ منفقًا خلفًا ، ويقول الآخر: اللّهمّ أعطِ ممسكًا تلفًا " ، فيجب على المسلم أن يكون سخيا كريما ، اقتداء بالنبي (صلى الله عليه وسلم) فقد كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر ، وكان في رمضان أجود من الريح المرسلة ، قَالَ ابْن عَبَّاس (رَضِي الله عَنْهُمَا) : " كَانَ النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَجود النَّاس بِالْخَيرِ وأجود مَا يكون فِي رَمَضَان وَكَانَ أَجود بِالْخَيرِ من الرّيح الْمُرْسلَة ".

كما أكد أن الكرم صفة ممدوحة في كل كتاب ، وعلى كل لسان ، وقد علمنا ديننا الحنيف أن نكرم الناس قولا وفعلا ، ماديا ومعنويا ، فحين ينفق الإنسان مما أعطاه الله (عز وجل) ولو كان قليلًا فإنه سبحانه وتعالى يبارك له في ماله ويتفضل عليه بأضعاف مضاعفة ، قال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}، مشيرًا إلى أن الإسلام دين لا يعرف الأنانية ، وأن المجتمع المسلم يتميز بالكرم والتكافل والإحسان للجميع ، يقول (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم): "مثل الْمُؤمنِينَ فِي توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كَمثل الْجَسَد الْوَاحِد إِذا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْو تداعى لَهُ سَائِر الْجَسَد بالحمى والسهر " ، ولذلك رفع النبي (صلى الله عليه وسلم) منزلة الأشعريين وأثنى عليهم لما كان فيهم من هذه الصفات الحميدة والأخلاق الكريمة من الكرم والتكافل ، حيث يقول (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : " إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الغَزْوِ ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ".  
كما أشار فضيلته إلى أن الإنسان الإيجابي النافع لوطنه ومجتمعه يكتب الله له أجر الصدقة ، ولهذا سارع الصحابة (رضوان الله عليهم) إلى الجود والكرم بالمال والنفس ابتغاء مرضاة الله (عز وجل)، فضربوا أروع الأمثلة في البذل والعطاء وخاصة وقت الشدائد والمحن ، تحقيقا للتكافل والتعاون والتراحم ، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) قَالَ: أُهْدِي لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَأْسُ شَاةٍ، فَقَالَ: (إِنَّ أَخِي فُلَانًا وَعِيَالَهُ أَحْوَجُ إِلَى هَذَا مِنَّا) قَالَ: فَبَعَثَ إِلَيْهِ فَلَمْ يَزَلْ يَبْعَثُ إِلَيْهِ وَاحِدًا إِلَى آخَرَ حَتَّى تَدَاوَلَهَا سَبْعَةُ أَبْيَاتٍ حَتَّى رَجَعَتْ إِلَى الْأَوَّلِ ، فَنَزَلَتْ {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}، فكانوا يتنافسون  في الجود والكرَم ، ويتسابقون إلى البذل والعطاء .

وفي ختام كلمته نبه على أنه في ظل هذه الأزمة التي يمر بها العالم والوباء الذي يجتاح البلاد يجب علينا أن ننفق في كل الوجوه ، سواء أكانت صحية من مستلزمات طبية وأدوية علاجية ، أم كانت معيشية من مال أو طعام أو كساء ،  ونتيقن أن الصدقة لا تنقص المال ، وأن الله (عز وجل) يبارك لعباده ويخلف عليهم ، فالمنفقون في معية الله وحفظه في الدنيا وينمي لهم نفقتهم في الآخرة ، فيجب على العبد أن يخلص لله (عز وجل) ولا يخشى من ذي العرش إقلالا .