الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

القاتل «الكيوت» في قضية فرج فودة




عبد الشافي قاتل فرج فودة، شاب عادي مثل أي شاب ينتمى لأسرة فقيرة أو تحت المتوسطة، لكنه يبدو شابا "كيوت" لا تلوح عليه علامات الإجرام التقليدية التى لا تفتأ شاشات التلفزيون والسينما عن تقديمها بسذاجة عن المجرمين، سواء الجريمة الجنائية أو الإرهابية، كان يتحدث مع المحققين بصوت واهن مستسلم ولما تفحصت ملامحه وجدته يبدو كأى من طلبة الجامعات والمعاهد وكان يرد بمنتهى الأدب على كل أسئلة النيابة ويمثل ما جرى بدقة متناهية وكأنه تم تدريبه عليها في معهد السينما.
لم نكن نعرف أي خلفية عن الشاب وما تردد عنه بعد ذلك من أنه أمى لا يقرأ ولا يكتب وأنه بائع خضار لا يقدر قيمة كاتب مثل فرج فوده، لأننا باندفاع وتسطح، ربطنا بين الجريمة والجهل في تطبيق تافه ومفهوم مغالط لمقولة سقراط الشهيرة "المعرفة فضيلة والجهل رذيلة".
لكن المعرفة أيام سيد فلاسفة التاريخ سقراط، غير المعرفة في القرن العشرين وكذلك الجهل، بالتالى فالفضيلة والرذيلة فقدتا انتماءهما السقراطي مع تسارع عجلة الحياة وتطورها، فصار الشر بوصفه الرذيلة يطلب بالمعرفة أما الجهل، فاحتل منصة الأستاذية وانكمشت الفضيلة لتعود لعالم الأساطير.
فلا تنس يا سيدي، أن الجريمة في العصور الحديثة تطورت حتى صارت علما في كل مجالاتها تقريبا ووجدنا مجرمين حاصلين على شهادات عالية تصل أحيانا للدكتوراه!.
و"فضك من قصة محاربة الجريمة والإرهاب بالعلم والثقافة والمعرفة" فالتزاوج بين العلم والجريمة هو أساس جماعات الإرهاب، سواء كان علما نظريا يعتمد على نظريات اجتماعية أو مذاهب عقائدية أو علم تجريبيا يعتمد على العلوم الطبيعية لاسيما الفيزياء لإنتاج القنابل وتطوير الأسلحة!.
ولاحظ أن الجماعة الإسلامية انطلقت من كليات القمة في الجامعات المصريةّ!.
لكننا نريد دائما أن نأوى لفراشنا وقد وصلنا لأسباب نستطيع باكتشافها أن نشد الغطاء لننام ونحلم بإمكان تحقق مجتمع الفضيلة على أسس العلم والمعرفة!.
أنت مقتنع بذلك إذن؟!.. "طب نام يا خويا وشخر براحتك".
والسؤال الأكثر سذاجة لكن لا مفر من طرحه: هل قرأ القاتل كتب فرج فودة؟!
"قال يعنى لو قرأها كان تراجع؟!"
فهل اتخذوا قرار بقتل الدكتور فرج فودة إلا من بعد قراءة كل كتبه؟!
فهذا الفتى الكيوت قرأ أم لم يقرأ، ليس سوى نهاية سلسلة طويلة وعميقة، فعبثا نفعل حين نعتقد أن القاتل في مثل هذه الحالات هو الجانى الوحيد، لأنه في الحقيقة حلقة أخيرة في السلسلة والجزء الأخير في منظومة تبدأ بالعنصر المفكر ثم العنصر المدبر ثم الدعائي ثم المنفذ!
فالعنصر المفكر في التنظيم سواء كان "الدكتور" عمر عبد الرحمن مفتى تنظيم الجهاد أو "الدكتور" صفوت عبد الغنى المتهم في حادث اغتيال الدكتور رفعت المحجوب؛ وكلا الاثنين رهين السجن؛ هو أول حلقات السلسلة وأخطرها وهو القاعدة لكل ما يليه، فهو راعي الفكر وموجهه، ثم يأتى العنصر الدعائي لنشر الفكرة في أوساط الجماعة والخروج بها للمجتمع حسب خطة الدعاية، يليه العنصر المدبر الذي يخطط لتنفيذ الجريمة وتدبير لوازمها وانتخاب منفذيها ويأت العنصر المنفذ ليقوم بالمهمة.
وليست هذه هي كل عناصر التنظيم، فهناك عنصر مهم للغاية لا غنى للتنظيم عنه وهو عنصر التمويل وعنصر التجنيد الذي يختار ويفرز ويرشح.
والعمل السري هو طابع هذه الجماعات والملاحظ أنها ما أن تخرج إلى العلن حتى تتفتت وتتصارع داخليا وتنقسم انقساما بكتيريا وهذا له مجال آخر سنتناوله إن شاء الله في موضوعات قادمة.
وبعد إتمام الجريمة يعود العنصر الدعائي لمهمة أخرى بنشر ما يملى عليه حسب ظروف كل جريمة إما تحبيذ ما حدث أو نفى صلة الجماعة به لو كان ذلك في غير مصلحتها بأن يأتى بمتاعب أمنية أو يواجه برفض شعبي لا سبيل لمواجهته.
وكان السؤال الذي يلح على ساعة تغطية معاينة النيابة التصويرية:
ــ ماذا لو تمكن عبد الشافي رمضان من الهرب مثل زميله الثانى الذي ألقى القبض عليه في حلوان فيما بعد؟!
إجابة هذا السؤال تبرز أهمية دور سائق الدكتور فودة، فغالبا أن الجماعة ستنفي صلتها بالحادث تجنبا للملاحقات الأمنية وتتهم الحكومة بتصفية فودة وستجد من يسمع ولن تجد نفسها مضطرة لمواجهة مباشرة مع بقية التيارات السياسية المعارضة لأن فرج فودة رحمه الله كان على صلة طيبة بكثير من الأحزاب.
لكن هناك سؤال آخر: لماذا فرج فودة بالذات؟!
الأمر لا يمكن إرجاعه فقط لمناظرة معرض الكتاب لأن الذين ارتضوا مناظرته وكان معه الدكتور محمد خلف الله في مواجهة الشيخ محمد الغزالى والدكتور محمد عمارة والمستشار مأمون الهضيبي مرشد جماعة الإخوان وقتها، لأن مبدأ المناظرة في حد ذاته مهما حدث فيها، إقرار بقبول الحوار وتكررت مرة أخرى في إحدى النقابات.
"وبصراحة رغم أن الدعاية فيها غلبت الموضوعية، إلا أنها كانت مناظرة جيدة ومطلوبة بغض النظر عن نتائجها وأن كل فريق عاد منها بزعم النصر وتعامل الفريقان معها كأنها مباراة أهلى وزمالك". 
لكن هناك مفكرين وكتاب، كانوا أشد رسوخا من مواجهة في مواجهة فكر الإرهاب، فهناك مثلا الدكتور صلاح العقاد زميل فرج في حزب الوفد وكان ذا ثقافة واسعة بجانب علو كعبه كأستاذ بقسم التاريخ جامعة عين شمس، لكنه لم يكن مهتما بالشأن الإعلامي، كما أن هناك الدكتور فؤاد زكريا أستاذ الفلسفة وأحد مؤسسي النهضة الثقافية في الكويت بإشرافه على المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب هناك والذي يصدر سلاسل لكتب ومجلات ودوريات أثرت المكتبة العربية وأحدثت ومازالت، طفرة ثقافية في الخليج العربي وبقية الدول العربية، كذلك الدكتور محمد خلف الله وهو متعمق في الدراسات الإسلامية واللغوية وله مؤلفات قيمة تبرز رؤيته كمفكر جمع بين اليسار والإسلام في توليفة لم تكن بالعجيبة في ذلك العهد، إذ اعتدنا هذه التوليفة في مفكرين كبار وعظام مثل الدكتور عبد الرحمن الشرقاوي، بل ومحمد عمارة نفسه الذي بدأ يساريا عتيدا كما كان هناك مفكرون من خارج اليسار، غير أنهم يكتبون لصفوة المثقفين وتمتاز كتاباتهم بنزعة أكاديمية لا تناسب جمهور القراء ولم يكادوا يهتموا بالعمل السياسي ولا بمخاطبة الجماهير، أما فودة فكان يسيطر على أسلوبه الكتابة الصحفية متوجها إلى الجماهير كما أنه مارس العمل السياسي على الأقل كعضو مؤسس في الوفد الجديد وكمرشح لمجلس الشعب عن شبرا وما أدراك ما شبرا برغم أنه لم ينجح فيها، لكنه نجح في جذب الجماهير بأسلوبه اللاذع كما أشرت من قبل وهو ما يشكل خطرا على هيبة ووقار الجماعة لدى الجماهير ولذلك كان قرار التخلص منه ضروريا لأنهم كانوا يستعدون للسيطرة على الشارع، ففي ذلك الوقت كانت جماعاتهم تعمل لبسط سيطرتها في القرى والمناطق العشوائية على أطراف المدن، حتى أنهم كونوا إمارة في إمبابة ذات الكثافة الشديدة والتى سميت إعلاميا بجمهورية إمبابة والتى كان لها أقران في مناطق كثيرة، كما كانت توازيها محاولة سيطرة اقتصادية تمثلت في شركات توظيف الأموال وكلا المشروعين تصدى له فودة مباشرة، حتى صار مصدرا لإزعاجهم ولكنه بالغ في التصدى حتى وقع تحت سطوة التحدى، في أخطاء ربما أفقدته بعض التعاطف الجماهيري باعتراضه بأسلوبه اللاذع على طريقة الأذان في المساجد وهنا لمس فودة محرما جماهيريا أكثر منه محرما سلفيا، فالأصوات العالية والمزعجة ليست في ميكرفونات المساجد فقط، لكن في كل حياة المصريين أفراحهم وأحزانهم وأسواقهم مشاجراتهم و- إن جيت للحق- يمكن يكون عند الدكتور فرج حق، فأحيانا يبدو المؤذن وكأنه يريد أن يفزعك من الصلاة بقبح صوته لا أن يرغبها إليك بحلاوته كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يؤذن بلال لأنه الأندى صوتا، كما أن رفع الأصوات كالنعيق منكر بنص القرآن "إن أنكر الأصوات... الآية" فلو دخل الدكتور فرج مثل هذا المدخل لما أثار الغضب الشعبي، لكن لعبت الجماعات في الدعاية ضده قبل وبعد اغتياله على هذا الوتر، فقد تجد في الشارع سكيرا مسجلا خطرا لم يركعها في حياته، يشتم فرج فودة بمجرد أن يذكروا له أنه اعترض على ميكرفون الجامع".
عموما صدر الأمر بضرورة قتل فرج فودة والتخلص منه وراحوا يخططون فوجدوه بلا حراسة تقريبا وفي منطقة هادئة فقرروا حرقه بسكب مادة قابلة للاشتعال في الشارع، لكنهم لم يتراجعوا عنها لأنه لا يعذب بالنار إلا رب النار حسب المبدأ الذي أرساه النبي صلوات الله وسلامه عليه ولكن خشية فشل العملية، كذلك تراجعوا عن قتله بالسكاكين للسبب نفسه واستقروا على السيناريو الذي نفذه عبد الشافى الذي أسير أنا وهشام الزينى الآن نتبادل السير بجواره في أثناء المعاينة التى جرت في شوارع المنطقة التى شهدت الاغتيال.
لم يكن من سبيل لأن يتكلم معنا لكن الزينى همس في أذنى: "لو سألك.. أوعى تقول له إننا من الأهرام" وربنا يسامحنا لأننا ذكرنا له أننا ننتمى لجريدة تناصر اتجاههم، فابتسم عبد الشافي راضيا وقال: "اكتبوا على لسانى اللي أنتم عايزينه" ولم أركز في كلماته كما كنت أفكر في كم التكثيف الذي تعرض له ليقتل فرج فوده وكيف تم تغييب وعيه رغم ما يبدو عليه من هدوء وما يميز أسلوبه من لباقة، لكن لسبق معرفتى بهذا النموذج، لم أفاجأ به، فكم فقدت العلاقة مع زملاء وأصدقاء لمجرد أننى كنت أعترض على ما اعترض عليه فودة، فكل من لا ينتمى لهذه الجماعات عقيدته -على الأقل- موضعا للشك وربما لأنى مثلا أعشق أم كلثوم وأقرأ لأنيس منصور ونجيب محفوظ أو حتى لأننى في قسم فلسفة عن اقتناع بدراستها وليس لمجرد الحصول على شهادة!.
ونجحت فكرة هشام خاصة و راح"يسخن الواد على فرج فودة" فخر الواد بكل ما عنده وحكى لنا الحكاية من طقطق لسلامو عليكم".
ــ إذن فأنت اعترفت بكل شيء؟!
فابتسم القاتل الكيوت بمرارة وقال بطريقة درامية مؤثرة لا تخلو من السخرية: "أنا أغبى متهم في العالم"
وكانت هذه العبارة هي عنوان الحوار الذي شغل صفحة كاملة في الأهرام في قضية اغتيال فرج فودة.ٍ

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط