العدالة الاجتماعية 2

تحدثنا فى مقال الأسبوع الماضي عن قيمة وأهمية بناء المجتمع من خلال أسس العدالة الاجتماعية واليوم نستكمل حديثنا عن منظور العدالة الاجتماعية وترقى الشعوب.
إن ترقى الانسان وسموه الحقيقى لا يمكن أن يكتمل إلا من خلال علاقة قوية مع الخالق، لأن تحضر الانسان بدون الله يجعله عاجزاً عن التنفس والتحرر نحو الغايات الأسمى والدليل على ذلك أفكار الالحاد المنتشرة فى الغرب والتى جعلت هذه المجتمعات المتقدمة فى العلم والتكنولوجيا مجتمعات خاوية وهشة وأسر بلا هوية.
الظلم والظروف الاقتصادية والاجتماعية التى أوجدتها المجتمعات الصناعية الحديثة كانت السبب الرئيسى فى نشوء الإرهاب لأن أصحاب الفكر المتطرف فى الاصل هم ضحايا مجتمعات عجزت عن تطبيق العدالة الاجتماعية لجميع أفرادها فصاروا قنابل موقوته وآلات دمار للعالم كله.
فالعدالة فى أبسط صورها هى إعطاء كل فرد ما يستحقه. ومن بين ما تعنيه العدالة ـ أيضا ـ توزيع المنافع المادية فى المجتمع مثل الأجور والأرباح، وتوفير متساوٍ للاحتياجات الأساسية من إسكان ورعاية طبية... إلخ. كما تعنى العدالة المساواة فى الفرص بالمجتمع الذى يحيا فيه الإنسان؛ أى أن كل فرد لديه الفرصة فى الصعود الاجتماعى وتحسين وضعه بجهده وعمله، إلا أن ذلك لا يعنى أن تكون المساواة مطلقة بتدخل من الدولة كما فى الاشتراكية، لأن الناس لم يولدوا متساوين، بل تختلف مهاراتهم ومواهبهم وبعضهم أكثر استعدادا لبعض الأعمال من غيرهم، ولكن يجب أن تكون أوضاع المعيشة والظروف الاجتماعية الأساسية واحدة للجميع.
إن الربح بدون النظر الى الخير العام يدمر الثروة ويدفع الأفراد الى ارتكاب العديد من الجرائم التى تضر أنفسهم مثل الاجهاض الجبرى والهجرة غير الشرعية واستغلال الأرض بشكل عشوائى وصولاً الى الانهيار الكامل للأوطان.
من جهة أخرى فالعدالة الاجتماعية لا يمكن تطبيقها الا من خلال الاحترام الكامل للقانون الذى يحكم مسيرة الكيان الاجتماعي، الذى يدعم قيمة ومكانة العدل داخل المجتمع على أساس كونه قيمة حاكمة للسلطة السياسية وكافة القوى والاتجاهات المؤثرة فى تسيير شئون المجتمع، ويصير الالتزام بها عنواناً على وجود مجتمع عادل، ونظام عادل وسياسة عادلة.
يقول الفيلسوف الأمريكى المعاصر جون راولز:” إن المجتمع يتكون من مجموعة من المؤسسات التى تعد بمثابة البنية الاساسية له. وفى مقدمة تلك المؤسسات يأتى الدستور الذى ينظم القواعد والأسس المسيرة لشئون الحياة بالمجتمع”.
اذا كنا حقاً نريد رخاء هذا البلد واسترجاع ريادته فعلينا إذاً “محبته باخلاص” بدءً من المواطن البسيط وصولاً إلى أعلى سلطة تنفيذية، أما اذا آسرنا الصمت وحب الذات وخدمة أجندات الغير فلنقل على هذه الأمة “يا رحمن يا رحيم”.