الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سورة الأنفال.. سبب نزولها و5 أقوال للعلماء في معناها

سورة الأنفال.. سبب
سورة الأنفال.. سبب نزولها و 5 أقوال للعلماء في معناها

سورة الأنفال كان نزولها بحسب الحوادث والمناسبات التي مر بها المسلمون آنذاك، وذلك أيضًا لكل سور القرآن الكريم على الإطلاق، بل ربما أن بعض السور قد ضمت عددًا من أسباب النزول لا سببًا واحدًا مجملًا للسورة كلها، وذلك يرجع إلى تنوع مواضيع السورة وطول آياتها، ونزول بعض السور على عدة مراحل، وقد أعان ذلك في فهم وتفسير وتحليل الكثير من السور والآيات بما فيها سورة الأنفال، كما ساعد على استخراج الأحكام الفقهية والشرعية منها، وأظهر الحكم والعبر من القصص النبوي، وكان من بين تلك السور سورة الأنفال، التي نزلت على أكثر من مرحلة، وكانت لها أسباب نزول خاصة بها، نبرزها في التقرير التالي:

سورة الأنفال:

سورة الأنفال مدنية، باستثناء بعض آياتها التي نزلت في مكة، وعدد آياتها 75 آية، فهي تعتبر من طِوال السور، وقد تلخصت أحداثها حول الحديث عن غزوة بدر ونتائجها والمراحل الأولية لها، ونصر الله للمسلمين وتأييده لهم في تلك الغزوة، كما ضمت ذكر الأنفال والغنائم التي غنمها المسلمون في تلك الغزوة، وكيفية توزيعها. 


معني الأنفال:
جاء ذكر الأنفال في قوله-تبارك وتعالى- في سورة الأنفال: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلهِ وَالرَّسُولِ»، واختلف علماء التفسير وأهله والفقهاء في المراد بالأنفال إلى عدة أقوال، وبيان ما ذهبوا إليه على النحو الآتي:

1) رُوي أن ابن عباس ذهب إلى القول في بعض الروايات: «إن المرادُ بالأنفال أنها ما شذَّ عن المشركين وانتقل إلى المسلمين بلا قتال من أموالهم، وقال إن أمر تلك الأموال عائد إلى النبي -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم- يضعها حيثُ يشاء وكيفما شاء.

2) ذهب مجاهد إلى أن المقصود بالأنفال في الآية الخُمس.

3) وقال جماعةٌ من أهل العلم في ذلك: أنهم عندما سألوهُ عن الخُمس نزلت الآية.

4) ذهب بعض المفسرين إلى أن المراد بالأنفال: السلب الذي يأخذه المقاتل أو الغازي زائدًا عن سهمه من الغنائم ترغيبًا لهُ في الاندفاع إلى القتال، مستشهدين بما رُوِي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال يومَ بدر: «من قتلَ قتيلًا فلَه سَلَبُه»، وعن سعد بن أبي وقَّاصِ قال: «لمَّا كان يومُ بدرٍ، وقُتل أخي عُمَيرٌ، وقتلتُ سعيدَ بنَ العاصِ وأخذتُ سيفَه، وكان يُسمَّى ذا الكَتيفةِ، فأتيتُ به نبيَّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: اذهبْ فاطرحْه في القبضِ، قال: فرجعتُ وبي ما لا يعلمُه إلَّا اللهُ من قتلِ أخي وأخذِ سلبي. قال: فما جاوزتُ إلَّا يسيرًا حتَّى نزلت سورةُ الأنفالِ، فقال لي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اذهبْ فخذْ سلبَك». 

5) قال القاضي: إن الآية تحتمل كلُّ الوجوه سابقة الذكر، وليس في الآية دليلٌ على ترجيح رأي منها دون الآخر.

سبب نزول سورة الأنفال:
روي عن ابن عباس -رضي الله عنه- في سبب نزول سورة الأنفال قوله - تعالى-: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ» قال: (الأنفالُ المغانمُ، كانت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- خاصَة ليس لأحد منها شيء ما أصاب سرايا المسلمين أتَوا به، فمن حبس منه إبرةً أو سلكًا فهو غلول فسألوا رسول الله - عليه الصلاة والسلام- أن يُعطيهم منها، قال الله ت-بارك وتعالى-: "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ لي جعلتها لرسولي ليس لكم منها شيءٌ (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) إلى قوله (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ثم أنزل اللهُ -عز وجل- (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيءْ فَأَنَّ لِلهِ خُمُسَهِ وَلِلرَّسُولِ)" ثم قسم ذلك الخُمس لرسول اللهِ ولذي القُربى يعني قرابة النبيِ -صلى اللهُ عليه وسلم- واليتامى والمساكين والمجاهدينفي سبيل الله ،وجعل أربعةَ أخماس الغنيمة بين الناس الناسُ فيه سواء للفرس سهمان ولصاحبه سهم وللراجل سهم).

وذلك إشارة إلى أن سبب نزول سورة الأنفال هو اختلاف بعض الصحابة في تقسيم الأنفال؛ حيث إن هذه السورة قد نزلت في غزوة بدر، وحصلت فيها أول غنيمة يغنمها المسلمون من المشركين، وفيها اختلف بعض الصحابة في كيفية تقسيم الغنائم، فسألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فأنزل الله قوله: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنْفَال..» وبين لهم كيفية تقسيمها ولمن تُعطى، كما بين الحق - تبارك وتعالى- أن الأنفال لله ورسوله يضعانها حيث شاءا، فلا يجوز لأحد الاعتراض على حكم الله ورسوله فيها، بل على المسلمين إذا حكم الله ورسوله بشيءٍ من ذلك أن يرضوا بحكمهما، ويسلموا الأمر لهما، ومن هنا جاءت تسمية السورة بالأنفال.


أسماء سورة الأنفال:
يُطلق على سورة الأنفال عدة أسماء؛ منها: سورة القتال؛ لأنها تحدثت عن أول قتال في الإسلام، ومن أسمائها سورة الفرقان؛ لقول الله -تعالى- فيها: «يَومَ الفُرقانِ يَومَ التَقَى الجَمعانِ»، وتسمى أيضًا سورة بدر؛ لأنها نزلت بعد غزوة بدر واصفة أحداثها ووقائعها، كما ورد عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنه-، ونزلت سورة الأنفال بعد بداية نزول سورة البقرة، حيث إن سورة البقرة من أوائل ما نزل من الوحي في المدينة المنورة؛ أي أنها نزلت بعد بدء نزول سورة البقرة، وليس بعد انتهاء نزولها.

مفهوم الأنفال:
الأنفال في اللغة اسم، والمفرد منه: نفل، والمقصود منها الغنائم، والمفرد من الغنائم: غنيمة، والأنفال اسم سورة من سور القرآن الكريم، وهي سورةٌ مدنيّةٌ باستثناء بعض الآيات من 30: 26 (مكية)، أما الأنفال اصطلاحًا: فهي ما كسبه المسلمون من الغنائم بعد القتال، وتطلق أيضًا على ما ينفله الإمام للبعض من السلب أو غيره، بعد توزيع أصل الغنائم أو الأنفال.

وسُميت الغنائم بالأنفال؛ لأن المسلمين تميزوا بها عن الأمم التي لم تحل لها الغنائم؛ ودليل ذلك قول الرسول - صلى الله عليه وسلم-: «أُعطِيتُ خَمسًا لم يُعطَهنّ أحَدٌ قبْلي: نُصِرْتُ بالرّعبِ مسيرةَ شهرٍ، وجُعِلَتْ لِيَ الأرضُ مسجدًا وطَهورًا، وأيّمَا رجُلٍ مِن أمّتي أدرَكَتْه الصّلاةُ فلْيُصَلّ، وأُحِلّتْ لِيَ الغَنائم ولَمْ تحِلّ لأحَدٍ قبْلي، وأُعطِيتُ الشّفاعةَ، وكان النّبيّ يُبعَثُ إلى قومِه خاصّةً وبُعِثْتُ إلى النّاسِ عامّةً». 

وقال ابن كثير إن الغنائم تختلف عن الفيء؛ حيث إن الغنائم هي كل ما يناله المسلمون من أموال الحرب.


أحكام الأنفال في الإسلام:
بين العلماء عدة أحكام متعلقة بالأنفال، أبرزها: 

1) أمر الأنفال خاص بالله - تعالى- والرسول- صلى الله عليه وسلم-؛ حيث إن الله -تعالى- يحكم بكيفية تقسيم الأنفال، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يُطبق أوامره، وقال بعض العلماء أن قول الله -تعالى-: (يَسأَلونَكَ عَنِ الأَنفالِ قُلِ الأَنفالُ لِلَّهِ وَالرَّسولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصلِحوا ذاتَ بَينِكُم وَأَطيعُوا اللَّهَ وَرَسولَهُ إِن كُنتُم مُؤمِنينَ)، منسوخةٌ بقوله: (وَاعلَموا أَنَّما غَنِمتُم مِن شَيءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسولِ وَلِذِي القُربى وَاليَتامى وَالمَساكينِ وَابنِ السَّبيلِ)، إلا أن جمهور العلماء قالوا بعدم نسخها، وأنها بينت حكم الغنائم إجمالًا، وأن الآية الثانية فصلت الأحكام، فخُمس الغنائم للمصارِف التي بينتها الآية، وأربع الأخماس للغانمين.

2)اختلف العلماء في حكم التنفيل، والتنفيل هو: إعطاء المقاتلين في سبيل الله من الغنائم قبل توزيعها، على أن يتم ذلك من قِبل الإمام قبل أخذ الخُمس من الغنائم؛ حيث ذهب جمهور العلماء إلى أنّ ذلك يجوز، ودليل ذلك قول الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- في غزوة بدرٍ: (مَن قَتلَ قتيلًا فلَهُ كذا وَكَذا، وَمَن أسرَ أسيرًا فلَهُ كذا وَكَذا)، إلا أنه نُقل عن الإمام مالك بن أنس أن ذلك مكروه؛ وعلل ذلك بأن القتال يصبح قتالًا على الدنيا.

3)اختلف العلماء في وقت التنفيل؛ هل يكون من أصل الغنائم، أم من الخُمس، حيث ذهب كلًّا من الإمام مالك والإمام أبو حنيفة إلى القول إن التنفيل يكون من الخُمس وليس من أصل الغنائم، واستدلوا بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم-: (لا يحِلّ لي ممّا أفاء اللهُ عليكم قَدرَ هذه، إلّا الخُمُسُ، والخُمُسُ مردودٌ عليكم)، بينما ذهب الإمام الشافعيّ في رأيه إلى أنّ التّنفيل يكون من أصل الغنيمة، واستدلّ بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم- يوم غزوة حُنين، عندما قضى بسلب أبي جهلٍ لمعاذ بن عمرو، حيث قال: (من قَتلَ قتيلًا لَهُ عليْهِ بيّنةٌ فلَهُ سلَبُهُ).

4) تُوزع الغنائم على من شَهِدَ القتال؛ سواءً قاتل أم لم يقاتل، ولا يكون أي سهم من الغنيمة إلا لمن تحققت لديه خمسة شروط، وهي: الإسلام، والبلوغ، والعقل، والحرية، والذكورية، ويجب أن تتوفر جميع الشروط، وإن اختل أيٌ منها لم يعد من أهل الجهاد.

5) يوزع الإمام الغنائم؛ حيث يُوزعه على خمسة أقسامٍ؛ قسمٌ لله وللرسول؛ يُصرف في المصالح العامة للمسلمين، وقسمٌ لذوي القُربى، وهم بنو هاشمٍ، وبنو عبد المطلب؛ لأنّهم آزروا النبي - صلى الله عليه وسلم-، وقسمٌ لليتامى، وقسمٌ لابن السبيل، وقسمٌ للمساكين، والأربعة أخماسٍ الباقية توزع على المجاهدين في سبيل الله؛ حيث يُعطى المجاهد المترجل سهمًا، بينما يُعطى المجاهد الفارس ثلاثة أسهمٍ، سهمٌ له، واثنان لفرسه، ودليل ذلك قول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (للفرسِ سهمَينِ، وللرّجلِ سهمًا).

6) حرم الغلول من الغنائم، أي السرقة منها؛ وهو من كبائر الذنوب والآثام، والحكم لا يختلف إن كثر الغلول أم قل؛ حيث إنّه أكلٌ باطلٌ لأموال المسلمين، كما أن المقاتلين ينشغلوا به عن القتال والجهاد إن جاز، مما يؤدي إلى اختلال صف المجاهدين، وتفريق كلمتهم، ثمّ يؤدّي ذلك إلى الهزيمة، كما أنّ للإمام أن يؤدب الذي يغل من الغنيمة، ودليل ذلك قول الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ).