الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

العقل العربي مستغرق في القشور.. الوعي معركة وجود


من المستحيل أن يحقق شخص، فضلا عن جماعة، فضلا عن أمة، الأهداف التي يسعى إليها، دونما يكون على دراية حقيقية بالواقع الذي يعيشه، ودونما يكون مدركا لمفردات هذا الواقع: أحداثه، ملابساته، معطياته، مشكلاته، لكي يتعامل بوعي وإدراك، ويشتبك لتغيير هذا الواقع، بعدما، يكون قد حدد الهدف، أو الأهداف، الذي يسعى إليه.


وإذا كان هذه هو حال الفرد، أو الجماعة، فإن هناك طليعة يجب أن تقود الجماعة، كما تساعد الأفراد في سبر أغوار الواقع مرة، وتحديد معالم كنبراس، يهتدي بها الفرد، ورسم طريق تسير فيه الجماعة، لتحقق تلك الأهداف المنشودة، التي تحتاج أول ما تحتاج ، إلى الوعي.


هذه الطليعة التي تدرس وتخطط، وتحدد المعالم، هي الطبقة المثقفة، المنوط بها تشكيل وعي الأفراد والمجتمعات.

يظل المثقف هو والعدم سواء بسواء، ما لم يقم بالدور المنوط به، ذلك الدور الذي من المفترض ألا ينفصل عن البيئة التي يحيى بها، ولا عن المجتمع الذي نشأ فيه، ولا عن الوطن الذي ينتمي له، ولا عن الأمة التي ينتسب إليها، فهو يظل في دوائر انتماءاته المتعددة والمتدرجة من الأضيق إلى الأوسع، من الأصغر إلى الأكبر.


فالمثقف الحقيقي يفقد أهم خصائصه وسماته، إن تخلى عن معركة الوجود التي خُلِقَ - هكذا نؤمن - لأجلها، والتي هي في جوهرها الأصيل الارتقاء بالعقل الإنساني، الذي يجب أن يكون هو شغل المثقف الشاغل.


وعلى المثقف العربي أن يحيط بثقافته العربية الممتدة قرونا في أعماق التاريخ، وليس عليه أن يكتفي بذلك، بل لابد أن تنظر عينه الثقافة في الحضارات المختلفة، ليعيش عصره على أسس متينة من تراثه، وأعمدة راسخة من التراث الإنساني كله.


إن الواقع الذي نعيشه يكشف يوما بعد يوم، ومعضلة خلف معضلة، وقضية وراء قضية أن العقل العربي مستغرق في القشور، بعيدا عن اللب، أقرب للضياع منه إلى الحضور في قلب العالم، أبعد ما يكون عن اليقظة المتوقدة التي تقرأ الواقع قراءة موضوعية، مُسْتَقْبَلة للعناصر المكونة لهذا الواقع استقبالا نقديا يجعل من الأحكام الصادرة أو النتائج المستنبطة متفقة مع المنطق، واستدلالاته الواقعية.


على المثقف العربي أن يعرِّي هذا القصور تعرية كاملة، تكشف زيف النتائج، وتظهر عورة الفكر المنغلق الذي يتخذ من كل العالم عدوا، ويركن للدعة الموهومة برضا زائف عن حال يجب أن نثور عليه، لنخرج من شرنقة نسجناها وغزلناها من خيوط العنكبوت؛ ظانين في أنفسنا تفوقا واهمين ذواتنا بالمشاركة الحقيقية في الحضارة الإنسانية المعاصرة؛ التي تبنى على العلم والعمل والبحث مُعْلِيَةً العقل النقدي، والفكر المستنير.


إن أكثر ما يحب أن يقوم به المثقف العربي هو أن يصدم ذلك الخنوع الذي رُكِّبَ في الشخصية العربية تركيبا، حيث أننا نؤمن أنه ليس أصيلا فيها بل جُلِبَ إليها جلبا في إطار معركة ثقافية ممتدة منذ قرون، وللأسف حتى هذه اللحظة هزمنا أنفسنا بأنفسنا فيها، ذلك حينما نحَّيْنا العقل جانبا، والتمسنا غيره سبيلا.


ولكي نتعرف على ذلك البون الشاسع بيننا وبين المجتمعات الحية، وعلى شكل المعركة – معركة الوعي - التي يجب أن نخوضها، التي نزعم زعما، هو لليقين لدينا أقرب، أن الموت في سبيلها شهادة، تعالوا نتأمل مفهوم المساهمة والمشاركة في أزمة تهز العالم كله، بل تزلزله زلزلة، وهي أزمة ڤيروس كورونا، هذا الذي جعل فريق غيور من مجتمعنا يثير الحمية في النفوس بهدف دفع المجتمع دفعا لإعلاء قيم التعليم والعلم والبحث العلمي، حيث أن ذلك فقط الطريق الذي علينا أن نسيره، لا لنلحق بهذه الأمم التي سبقتنا بأشواط، فهذا غير ممكن في المستقبل المنظور، بل لنضع الأسس الصلبة الحقيقية لهذا البناء الذي يعلو ويتراكم بمرور الوقت، وانقضاء السنين في جد واجتهاد وعمل مضن. فإذا بالراحة الخادعة تأتينا، وإذا بالرضا الخانع يلبسنا، وإذا بالمشاركة الوهمية تقنع هؤلاء البسطاء، وذلك من خلال ڤيديو يتداول لشيخ يذكر فيه ما كان قد تداول في منشور على موقع التواصل الاجتماعي الأشهر "فيسبوك" يُعَدِّد دور العرب والمسلمين في مكافحة ڤيروس كورونا، والذي كان على هيئة تبرع رئيس شركة ومن خلال مساهمة طبيب مسلم أو مشاركة طبيبة مسلمة في بحث في دولة من دول العالم الغربي المتقدم علميا، ويعتبر ذلك ردا على "العلمانيين" الذين يعايرون المسلمين من أن لا دور لهم في مكافحة ڤيروس كورونا سوى التوجه بالدعاء لله سبحانه وتعالى، هذا الذي لم يرفضه شخص، فضلا عن وصفه بالعاقل.


إذا كان هذا هو الدور الذي تفتخر به، وهذه هي المساهمة العلمية التي يمكن أن تشارك بها أمة عددها مليار ونصف من البشر، وتمتلك من الثروات ما ليس عند غيرها، فهذا عينه هو الخنوع، وذلك نفسه هو الفشل، وذاك ذاته هو تغييب العقل والجهل المركب.


حينما يطالب العقلاء الغيورون - الذين وصفهم الشيخ في الفيديو والمنشور قبله بالعلمانيين الملاحدة - هذه الأمة بأن يكون لها دور وأن تسهم بسهم علمي حضاري، فليس تلك التفاهات التي تذكرون لتخدعوا بها البسطاء هي الأمل المنشود، إن المطلوب - الذي يسعى له هؤلاء المطالبين بدور للعرب والمسلمين بالحث عليه - هو أن يكون لدينا بحث علمي رصين، وأن يكون عندنا مراكز علمية حقيقية، نفيد من خلالها أنفسنا والبشرية وننطلق من خلالها إلى آفاق غير مسبوقة في كافة مجالات الحياة. وأن نتخذ من العلم منهج حياة، وأن تكون ميزانية التعليم والبحث العلمي أضعاف مضاعفة مما هي عليه الآن، وأن يكون هناك اهتمام ورعاية بالعلماء والباحثين، وأن يتم توفير البيئة الملائمة لهم، وأن يصبحوا في المقدمة من الناحية الاجتماعية.. ما هكذا تقاس الأمور أيها الشيخ، ولا هكذا تكون المساهمة.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط