الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

صرنا كالمتسولين.. جذوة غضب تتأجج في إثيوبيا بسبب التمييز العرقي ومصادرة الأراضي.. المشاحنات القومية والطبقية تحقن الشارع بجرعة خطرة من السخط.. والسلطات تطرد سكان الضواحي لصالح أثرياء المدن الجديدة

صدى البلد

الدستور الإثيوبي يجيز حيازة الفلاحين لأراضي الدولة لكن لا ضمانات من الطرد
إقليم أوروميا مسقط رأس آبي أحمد يحتقن بالغضب بسبب نكث وعوده بإنهاء التهميش
التوسع العمراني في المناطق الزراعية يجذب سكانًا من مناطق بعيدة على حساب أصحاب الأراضي القدامى
أحزاب الائتلاف الحاكم تتبادل الاتهام بالمسئولية عن الفشل في إدارة ملفات حساسة


"هنا وُلدنا وهنا ترعرعنا، والآن صرنا كالمتسولين"، همهمت الإثيوبية تسيجي بولي بهذه العبارة بينما كانت تحدق عبر شرفة مبتلة بمياه المطر إلى مجمع سكني غير مكتمل البناء يمتد على ما تبقى مما كان مزرعة ظلت في حوزة عائلتها لعقود.


روت بولي لصحيفة "الإيكونوميست" البريطانية كيف صادرت السلطات في إثيوبيا قبل سنوات مزرعة عائلتها في إحدى ضواحي العاصمة أديس أبابا لإقامة مجمع سكني في إطار مشروعات الإسكان الهادفة لاستيعاب سكان العاصمة مع الزحف العمراني المتنامي للمدينة على حساب الأراضي الزراعية.


وقال بيتيماريام ابن تسيجي "لقد فقد آباؤنا أراضيهم ولم يعد هناك ما نرثه. هذا ظلم. هذه أرضنا ولكن أناسًا من أماكن أخرى هم من ينعمون بها الآن".


باعت بولي أبقارها وبدأت تكسب عيشها من بيع حاويات المياه البلاستيكية للسكان المجاورين لأن مياه النهر القريب أصبحت مسممة، واضطر أبناؤها لترك تعليمهم والعمل كعمال في مواقع البناء القريبة، واختبرت أسرتها حياة العوز والشح بعد الوفرة والرغد.





وأضافت الصحيفة أن أجواء الضواحي والمناطق الريفية المحيطة بالعاصمة الإثيوبية لم تزل مشبعة بالغضب منذ الاحتجاجات التي عمت البلاد، وبالأخص إقليم أوروميا جنوبي البلاد الحاضن لقومية الأورومو أكبر قوميات إثيوبيا، إثر مقتل المغني هاشالو هونديسا، أحد أبناء الأورومو الذي حظيت أغانيه النضالية السياسية بشعبية واسعة في إثيوبيا.


خلال السنوات الأخيرة، كانت المدن والبلدات في جنوب إثيوبيا، وخاصة في أوروميا، بؤرًا للاضطراب السياسي والعرقي، وما كانت الاحتجاجات على مقتل هونديسا لتتسع بهذا الشكل لو لم يكن أبناء الأورومو يرون الحادثة باعتبارها جزءًا من حملة السلطات على قومية الأورومو، التي ينتمي إليها رئيس الوزراء آبي أحمد نفسه.



وأوضحت الصحيفة أن من بين العوامل التي تؤجج غضب الأورومو أن آبي أحمد نكث بالوعود التي قطعها في 2018 لإنهاء الحكم الاستبدادي والتهميش التاريخي لأبناء القومية الأكبر في البلاد. لكن النظرة المتفحصة تكشف أن عوامل أخرى كامنة خلف غضب الأورومو، مثل التوزيع المشوه للثروة وملكية الأراضي.


وتابعت الصحيفة أن بناء المدن الجديدة حول العاصمة أديس أبابا والتوسع العمراني للمدينة استلزم في بعض الأحيان نزع ملكية أراض مملوكة لعشائر من الأورومو وإجلاء سكانها الذين توارثوها لأجيال ممتدة.


ومع توسع المدن الجديد، جذبت الأخيرة مستوطنين من المرتفعات الشمالية لإثيوبيا، من أبناء قومية الأمهرة، ثاني أكبر قوميات البلاد، الذين يسيطرون على التجارة في المناطق الحضرية ومؤسسات الدولة.


يُنظر لأبناء قومية الأمهرة باعتبارهم المسيطرين على المفاصل الأساسية لاقتصاد الدولة، وفي مدينة أداما التي هي ثاني أكبر مدن إقليم أوروميا قال صاحب محل للعصائر إنه لو كان هناك 50 فندقًا في المدينة الأورومية فإن 3 منها فقط ستكون مملوكة لأوروميين، والبقية الغالبة بالطبع مملوكة لأشخاص من قومية الأمهرة.


وتلقي عومل تاريخية بظلالها على السياسة الحديثة في إثيوبيا، في مقدمتها الدستور الصادر في 1995 والذي قسم أقاليم البلاد على أساس عرقي، وأسس لمفهوم الملكية العرقية للمدن، مع الإقرار بوضع خاص لعرقية الأورومو في العاصمة أديس أبابا، ولكن الأوروميين لا يكتفون بذلك ويطالبون بالاعتراف بالعاصمة كجزء من إقليمهم التاريخي.


ولا تسلم مناطق أخرى بالبلاد من نزاعات مشابهة حول السيادة على الأرض، ففي مدينة هرر الواقعة شرقي البلاد تتمتع أقلية من قومية الهرري بالسيادة السياسية على المدينة على حساب عشائر كبيرة من قوميتي الأورومو والأمهرة.


ومن بين العوامل التي تحقن السياسة الإثيوبية بجرعة كبيرة من الغضب الأرض، فجميع الأراضي في إثيوبيا مملوكة للدولة، ومع أن الدستور ينص على منح الفلاحين حق الحيازة المجانية للأراضي، فإنه على الأرض الواقع لا توجد أي ضمانات لهؤلاء الفلاحين من نزع حيازة الأراضي وإجلائهم عنها، ومما يزيد الطين بلة أن الأراضي الزراعية المنزوعة من الفلاحين في الأرياف المحيطة بالعاصمة تُمنح لسكان المدينة الأكثر ثراء.


وبحسب تقرير صدر لمجلة "ذا ناشونال إنترست" الأمريكية العام الماضي، فشلت إدارة آبي أحمد في معالجة أسباب المشاحنات السياسية بين الأطياف المكونة للحكومة الاتحادية، فضلًا عن نزع فتيل الصراعات الإثنية، وهذان العاملان بالذات يضعان إثيوبيا على طريق الخراب، إذ فشلت الحكومة في حصد قبول قطاع معتبر من المجتمع والقبائل الإثيوبية لاعتبارها السلطة العليا في البلاد، ما فتح المجال لفاعلين قبليين لحمل السلاح في مواجهة الدولة.


والملحوظ بوضوح أن عنفًا متصاعدًا يجتاح إثيوبيا منذ تولي آبي أحمد منصبه، فليس الشعب الإثيوبي وحده هو المنقسم على نفسه، وإنما طالت الانقسامات النخبة الحاكمة ذاتها، التي أسبغت المشروعية والقبول على قيادة آبي أحمد في البداية.


ومن الأمور ذات الدلالة في هذا الصدد أن الأصوات المنتقدة لآبي أحمد وحكومته تتعالى الآن من داخل الإثنيتين الكبريين في إثيوبيا: الأمهرة والأورومو، وتلك الأخيرة ينحدر منها رئيس الوزراء الإثيوبي.


وما زاد الطين بلة أن الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية، وهي الائتلاف الحاكم في إثيوبيا، منقسمة على نفسها، وخلال الأشهر الأخيرة شرعت الأحزاب المكونة للجبهة في تبادل الاتهامات بالمسئولية عن عجز الحكومة وإخفاقها في إدارة ملفات كبرى.


ومن حسن حظ آبي أحمد أن قطاعًا لا بأس به من الشعب الإثيوبي لم يفقد ثقته به بعد، لكن ما لم يبادر رئيس الوزراء الإثيوبي بحركة سريعة لإعادة الاستقرار إلى البلاد فسيغدو ترديها في هاوية التفتت وانهيار الدولة مسألة وقت.