قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

مصطفى الشيمى يكتب: زامر الحى لا يطرب


|زامر الحي لا يطرب|.. هو أحد الأمثال العربية التي انتشرت قديمًا وهي تعني أن مطرب الحارة لا يطرب ساكنيها وذلك لكثرة عزفه الذي تتعود عليه الآذان فيصبح حينها بلا قيمة لديهم لأنه لا يقدم جديد.

ويضرب هذا المثل حينما يلقى المرء من أهله تجهمًا ونكرانًا ، ويشعر معهم بتدني القيمة أو انعدام الوجود . وعلى مر العصور فإن أكثر من عانى عقدة الزامر الذى لا يطرب هم المتخصصون و العلماء ولذا قال العرب قديمًا إن أزهد الناس في العالِم أهله وجيرانه و أنه كالحُمّة أي كعين الماء الحارة ، يأتيها البعداء ويزهد فيها القرباء . ونفس الشئ فإن أول من حارب الأنبياء أنفسهم هم قومهم حتى إنه قيل كما في معنى الحديث الشريف إن بعضهم سيبعث ومعه الرهط أي لا يتجاوز العشرة أفراد من قومه ، وبعضهم الفرد والفردان من أمته ، وبعضهم ما دون ذلك.

وهذا دليل على أن رأي أغلبية الأقربون فيما نقدمه قد لا يعكس البعد الأمثل لما نقصده ، حتى و إن كانوا قد مروا من هنا ولم يعيرونك اهتمامًا أو يشعرون بحلاوة ما تصنع . لتتحقق فيهم مقوله ابن الفرات وهى" ليس في القريب ظرافة الغريب".

حتى لو عزفت كل يومٍ فلن تسمع كلمة تحفيز واحدة و لن تسمع صوت المصفقين الواقفين أمامك . وعندما تنظر خلفك فلن تجد من جيشك الجرار سوا اثنان، الأول رحالة اكتسب واستغل وجودك بجانبة يقول لك فى ثقة " إن زامر الحي لا يطرب " ليضمن وجودك معه ، والآخر شيخًا عجوزًا يختصر لك سنوات عمرة فى عبارات تحتاج لتفسير قائلًا : أخطأت إذ أتيت وأخطأت إذ تدنيت وأخطأت إذ تمنيت.

فالأولى أخطأت إذ أتيت من أرضٍ رحبت بك لأرضٍ طردتك ، فليس بعد الزيادة إلا نقصان

وأما الثانية : أخطأت إذ تدنيت وكان يقصد بقوله ذلك الرحالة الذي كان يعطيه ألف درهم ويكسب من وراءه ألف دينار

وأما الثالثة: أخطأت إذ تمنيت أن تجد الخير في أهلك بعد أن وجدته في غيرهم

ليجلس هذا الشاب يعزف لحنًا على أبيات الشاعر أبو الحسن السرى قائلًا :

قوض خيامك عن دار ظُلمت بها
وجانب الذل ، إن الذل يجتنب
وارحل إذا كانت الأوطان مضيعة
فالمندل الرطب في أوطانه حطب

فقد ينظروا إلى ما تقدمه على أنه عبث لا فائدة منه .. ولا معنى .. أو منطق .. ليجبرك هذا النتاج على التجنب والعزله وتهمل العزف وتلقى بالمزمار أرضًا بعد أن أطربتهم قرابه الثلاثين عامًا بألحان يعجز القادم على عزفها ، وبدون تردد تدفن وجوه حيه بغبار النقد الدائم وتراكم العيوب والأخطاء وبث السلبيات حتى تصبح كالجدار الفاصل. ليرتفع الجدار ويخفيهم عنك ويمنع الرؤية وأمل الوصول وتكون العزله طبيعية .

أما الذين لا يرون الحائط يرتفع يومًا بعد يوم ويدهشهم ما حدث ويزدادون وحدة وتباعدًا بدلًا من أن يزدادوا اقترابًا فهم من بنوا جدرانًا بدلًا من أن يبنوا جسورًا ، و حتى وإن استطاعوا مَد أيديهم ليعود لهم الصديق والقريب والحبيب فلن يشعر بهم لأنة قد أصبح إنسانًا جديد لا يعرفهم ، و لم يَعد يترك لهم باب العودة مفتوحًا. فمن لا يكرم نفسه بين الناس لا يكرم ، و من يعتاد على التفريط فى حقوقه ، يسلب البعض منه هذا التفريط و يعتبرونه حقًا لهم . صحيح أنه يصعب عليك الحكم بقطيعة أب أو أم أو أخ فأنت لا تستطيع أن تقطع ذراعك لأن أصبعك دخل فى عينك ، أما العلاقات الأخرى فهى ممكنة ومشروعة حتى وإن كانت مؤلمة.