الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

متلازمة الغطرسة عند أردوغان


من الصفات التي تصبغ الشخصية التركية في العموم، والتي يمكن أن يلمسها الإنسان دون حاجة إلى عميق تأمل، نجد صفة الغطرسة، التي نظن، إن كان ذلك يتسق مع العلم، أنها من المكونات الچينية للأتراك ومن ثم تتوارثها الأجيال، جيلا عقب جيل، تلك الغطرسة التي خيّلت لهم، كما يذكر ذلك في مقاله الأخير، المنشور في صحيفة إندبندنت، المفكر المصري الكبير الدكتور مصطفى الفقي، أنهم جنس راقٍ في الشرق مثلما توهَّم الألمان الشيء ذاته في الغرب، وربما، يستمر الدكتور الفقي، يفسر ذلك العلاقات التاريخية بين الدولتين وتحالفهما في الحرب العالمية الأولى ضد الحلفاء، وما زالت تعيش في ألمانيا جالية تركية ضخمة استوطنت هناك منذ نهاية الحرب العالمية الثانية مُستغلة حاجة ألمانيا إلى اليد العاملة بعد ويلات الهزيمة وسقوط النازي.


هذا التوهم الذي سكن المخيلة الجمعية للشعب التركي والذي هو عبارة عن مجموعة قبائل من الرُّعاة في أواسط آسيا نزحوا غربا حتى الوصول إلى هضبة الأناضول، ينسحب أكثر ما ينسحب، ويظهر بجلاء أكثر ما يظهر، عند الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي ينطبق عليه رأي ديفيد أوين الطبيب والسياسي الإنجليزي في مؤلفه "في المرض والقوة"، والذي أصدره في العام ٢٠٠٩ والذي يخصصه لمتلازمة الغطرسة وأمراض زعماء الدول خلال السنوات المئة الأخيرة والذي يرى: أنَّ قوة الأعراض السلوكية التي قد تستدعي تشخيصًا بمتلازمة الغطرسة، التي تنمو كلَّما بقي رئيس الحكومة مدة أطول في منصبه.


ويرى ديفيد أوين أنه ينبغي توافر ثلاثة أو أربعة أعراض تظهر في أصحاب السلطة قبل أن نحكم على سلوكهم بالغطرسة، وفقًا للمواصفات التقريبية التالية: الأولى صفة النرجسية، وهي ولا شك متوفرة بدرجة هائلة في الرئيس التركي، الذي يظن أن العالم كله يسير وفق رأيه، أو على الأقل يجب أن يسير وفق رؤيته، ثم الميول إلى القيام بتصرفات تضعهم تحت دائرة الضوء من أجل تفخيم صورتهم وتحسينها، هذا الذي لا تخطئه النظرة العابرة فضلا عن المتأنية فيما يصدر عن رجب أردوغان، أما المواصفة الثالثة التي حددها الطبيب والسياسي الإنجليزي فهي القلق من التباين غير المتكافئ بين الصورة والأداء، ولعل ذلك يتضح كل الوضوح في تلك الانكسارات التي تواجه أردوغان والتي يستعيض عنها بخطابات رنانة، وجعجعة بلا طحين لا طائل من ورائها، وليس لها من هدف سوى الاستمرار في استلاب عقول مؤيديه الذين يرهفون السمع لتخدير عقولهم، التي لو أعملوها، لأدركوا أن الرجل باع ويبيع لهم الوهم، وساعتها سيعودون إلى رشدهم، وعليهم فقط أن يجيبوا عن السؤال التالي: ماذا حقق أردوغان في كل المعارك التي خاضها: ماذا حقق في سوريا؟ وماذا حقق في العراق؟، وماذا حقق في ليبيا؟ إن الإجابة الواقعية: لا شيء، أما غير ذلك فهو من باب الوهم الذي أسكنه بإعلامه الذي هو الأسوأ في العالم، حيث يقوم على التزييف المطلق، وقلب كل الحقائق، عقول وأذهان دراويشه.


أما آخر المواصفات التي يذكرها ديفيد أوين فهي تحدث المصابين من الزعماء بمتلازمة الغطرسة بطريقة تبشيرية عن إنجازاتهم، وتعريف أنفسهم بأنهم هم الدولة، إلى درجة أنهم ينظرون إلى وجهة نظرهم ومصالح الدولة كشيئين متشابهين، وميلهم إلى الحديث عن أنفسهم بصيغة الغائب أو استخدامهم "نحن" التفخيميَّة الملكيَّة، والثقة الزائدة إلى درجة المغالاة في طريقة قدرتهم على تقييم الأشياء، واحتقارهم النَّصائح والنقد الموجّه إليهم من الآخرين.


فهل يمكن أن ينكر عاقل أن كل ذلك يكاد يكون متطابقا كل التطابق مع رجب أردوغان، فلعل عدم إصغائه للنصائح هو الذي أوقعه في شرك ليبيا الذي لن تخرج منه الجنود الأتراك ولا المرتزقة الذين جلبهم إلى هناك إلا جثثا هامدة ممزقة، ولعل اللغة المتعالية التي يستخدمها عن حديثه عن منتقديه، أو حتى مع الزعماء، وما أكثرهم، الذين ليس بينه وبينهم علاقات جيدة لدليل واضح كوضوخ الشمس في كبد السماء على تمكن متلازمة الغطرسة منه.


إن هذه الصفة تؤدي إلى مزيد من خلل عقلي، الذي ليس بدعا فيه أردوغان، حيث إن وجود حاكم أو رئيس لديه اختلال عقلي! هو كثير ومنتشر في صفحات التاريخ التي تحدثنا عن الكثير من هؤلاء.


إن المتابع لشخصية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يدرك دون كثير عناء أن الرجل يعاني مشاكل نفسية لا تخفى، وأنه لا يسلك بحال من الأحوال السلوك الذي يتفق مع إمكاناته الشخصية مرة ولا إمكانات الدولة التي يقودها مرة أخرى.


والملاحظة الواضحة وضوح الشمس في سلوك الرئيس التركي هو أطماعه المسعورة خارجيا، فنراه يغزو العربية السورية، ونجده يتحالف مع قطر ويرسل جنودا ليقيم قاعدة عسكرية في أرض عربية، وقبل ذلك يتفق مع نظام المخلوع البشير في السودان ليحصل على قاعدة في جزيرة سواكن.


إن طموح أردوغان غير المشروع والذي يمكن أن يصنف في باب جنون العظمة، أو متلازمة الغطرسة، كما يقول الدكتور ديفيد أوين، هو الذي يدفعه إلى تصرفات هي أقرب للعته والجنون، وها هو بما يقوم به من أفعال رعناء يعادي محيطه العربي والأوروبي في آن، فنجده منبوذا من كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة فضلا عن أكبر دولة عربية وهي مصر، التي أعلن قائدها الرئيس عبد الفتاح السيسي أن مصر لن تسمح بالعبث بأمنها القومي، فحدد الخطوط الحمراء التي لم يجرؤ، ولن يجرؤ على تخطيها أردوغان، ليستعيض عن ذلك بادعاءات بطولية، هنا او هناك، يشنق بها آذان اعتادت على سماع الكذب والتضليل، بالإضافة لسوريا التي يعتدي على أرضها، وفي محيطه الأوروبي نجده في حال قطيعة واعتداء على اليونان وقبرص، بالإضافة لمجمل دول الاتحاد الأوروبي التي يهددها مرة بعد الأخرى بملف اللاجئين، ذلك الملف الذي باستخدام أردوغان له، قد أسقط عنه آخر ورقات التوت، فانكشفت كل سوءاته أمام الأوربيين، ليقطع، بهكذا سياسة غير مدروسة، على تركيا طريق الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط