الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

بيروت بعد الكارثة


اجتهدت كل الأطراف فى التدليل على من الذى فجر الميناء ومن الجانى الذى استباح وطنا. ولكن الأحداث تتكشف تدريجيا بعد الكارثة الناجمة عن انفجار أطنان من نترات الأمونيوم غير الآمنة والمخزنة بشكل عشوائى وغير قانوني، والتي أودت بحياة أكثر من 200 شخص، وخلفت 6 آلاف جريح وما يصل إلى 300 الف مشرد بلا مأوى، وتقدر الأضرار الناجمة عن الانفجار الآن بنحو 15 مليار دولار بما يجعل المستقبل السياسي في لبنان يحمل الكثير من الغموض.


في أعقاب الانفجار المدمر الأسبوع الماضي، لم يكن دور الطبقة السياسية اللبنانية فقط هو الذي خضع للتدقيق، ولكن دور نظرائهم الدوليين أيضًا. فقد جمع مؤتمر المانحين الدوليين يوم الأحد بقيادة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون 253 مليون يورو، ولكنه أشار إلى تغيير مهم في الخطاب، فهذه هي المرة الأولى التي يؤكد فيها المانحون أن أموال الإغاثة ستذهب مباشرة إلى الشعب اللبناني، وأن المساعدة الاقتصادية طويلة الأجل ستعتمد على قيام لبنان بتنفيذ إصلاحات هيكلية. وجاء هذا عقب الاهتمام الدولي المتزايد بفساد مستشرٍ في صفوف الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان، والتي ألقى عليها الشعب والإعلام وكثير من الأطراف الدولية باللوم على نطاق واسع في انفجار الميناء. بما يحمل رسالة إلى حكام لبنان مفادها أنه في حين أن بلادهم بحاجة ماسة إلى المساعدة الخارجية للوقوف على قدميها، فلا أحد يثق فى التوليفة السياسية الحاكمة.


والبيان الذي صدر عن المؤتمر يلقي الضوء على الدور الذي لعبه المجتمع الدولي في دعم الطبقة السياسية الفاسدة في لبنان على مدى عقود ومع ديون لبنان التي تزيد عن 170٪ من الناتج المحلي الإجمالي، يصبح مغادرة كل الوجوه القديمة فى لحظة واحدة من مسرح الأحداث كارثة اخرى لا يدرك عواقبها الهاتفون بالشوارع عن رحيل الكل لأن هذا من شأنه إحداث فراغ سياسى وغياب كامل للدولة سيحولها من دولة فاشلة الى اطلال دولة وسيعود كل مناضل ضد الفاسدين الى طائفته التى تضمن له استمرار الحياة وإنقاذ الموقف سيكون بالعودة الى التقسيمة الطائفية البغيضة او الأخطر ان يحاول طرف الصعود لملء الفراغ بالقوة او الشعبية.


لكن الكارثة الأضخم بوصول اساطيل من اى جنسية الى موانئ بيروت المدمرة لضبط الأوضاع مع بعض الشعارات عن مستقبل اطفال لبنان وحياة افضل وبعض الشعارات التى اعتاد ان يطلقها الغزاة، فالتغيير المطلوب هو الصعود التدريجى على سلم الخلاص من طبقة الفاسدين بتشكيلة حكومة توافقية بمساعدة المجتمع الدولى لمرحلة انتقالية تجهز فيها الجماهير لانتخابات رئاسية وبرلمانية بعيدا عن الطوائف البغيضة، وترك مسألة الفاعل والجانى والقاتل الى مرحلة اخرى لأنها متاهة عصية على الحسم ثم الأهم أيا كان الفاعل فمن الذى سيقتص ويعاقب لو كان حزب الله او إسرائيل او أطرافا اخرى؟ فالأهم هو انقاذ لبنان.


وما يحتاجه لبنان بشدة أكثر وبشكل عاجل هو الإصلاحات التي من شأنها مكافحة الفساد وتأمين الغذاء وإعمار الخراب الذى خلفته الكارثة برقابة دولية لا تنتظر قبول نصرالله او عون او غيرهما. ورغم ان المجتمع الدولي مسؤول جزئيًا عن الوضع المتردى لأنه على مدى عقود استمر وصول الودائع بالدولار في البنك المركزي من المانحين وقُدمت القروض من قبل الدول الأوروبية، وتدفقت حزم المساعدات الخارجية إلى مؤسسات الدولة اللبنانية، لكن معظم هذه الأموال انتهى بها الأمر إلى حشو جيوب الحكام الفسدة، الذين كثيرًا ما تغلبوا على خلافاتهم السياسية بتقاسم مقدرات الشعب باعتبارها غنائم.


الاتصال الهاتفى الذى أجراه الرئيس الفرنسى ماكرون بالرئيس الأمريكى ترامب عقب زيارته لبيروت وأذاعته وكالات الأنباء بأن ماكرون يرى ان لبنان مهيأ لأن يكون كله ولاية إيرانية اذا ما رفع العالم يده عن ما يدور بالداخل اللبنانى، وطالب بحكومة أزمة مؤقتة. نعم ما قاله ماكرون هو الحقيقة التى تحيق باللبنانيين اما تدويل التمويل وإرسال الحزم الاقتصادية بغير تدويل الأزمة الداخلية ومراقبتها من خلال حكومة توافق وطنى تكنوقراط لمرحلة انتقالية بعيدا عن التوليفة الطائفة وتشرف جهة دولية على سير المرحلة تراقبها حتى يصل لبنان إلى بر الأمان ويمتنع اللصوص ويتراجع تجار الأوطان.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط