قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
عاجل
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

حكايات من زمن فات.. كواليس لقاءات أنيس منصور مع لجنة الفلسفة وتدخله لعلاج عبد الرحمن بدوي على نفقة الدولة


في عام 2009 اختار وزير الثقافة آنذاك الفنان فاروق حسني، الكاتب والفيلسوف أنيس منصور ليرأس لجنة الفلسفة بالمجلس الأعلى للثقافة، بعد أن تناوب على رئاستها أحيانا بالانتخاب من بين الأعضاء وأحيانا بالتعيين أساتذة مرموقين، منهم: محمود أمين العالم، وصلاح قنصوة، والدكتور حسن حنفي.


وقال الدكتور محمد السيد، أستاذ الفلسفة وعميد كلية الآداب جامعة المنيا سابقًا، وعضو لجنة الفسلفة بالمجلس، إن اللجنة انعقدت هذه المرة برئاسة "أنيس" بعد عدة أسابيع قليلة من اندلاع أحداث يناير 2011، بحضور بعض الأعضاء وغياب الكثير منهم عن حضور هذه الجلسة للحالة الأمنية المتدهورة التي سادت القاهرة في تلك الآونة، مشيرًا إلى أن الدكتور إبراهيم ياسين، أستاذ الفلسفة الإسلامية في جامعة المنصورة، نبهه أن أنيس منصور كسر احتكار اللجنة واقتصارها على عدد محدود معظمهم من جامعة القاهرة فضم إليها عددا من أبرز الأسماء من خارج القاهرة وجامعاتها.


وأضاف السيد في حكايته عن أنيس منصور، أن الدكتور حسين عبد القادر، أستاذ الفلسفة، قال له: إن أنيس منصور تخرج عام 1947 وكان من بين دفعته محمد رفيق العظمة وبديع الكسم وعبد الرحمن البابي ومراد وهبة، أما سنية ماهر التي تخرجت معه، كانت من أشهر من تولوا الرقابة على المصنفات الفنية، ونوه إلى أن هذه الحكايات كانت تتم قبل أو بعد انتهاء الأعمال الرسمية للجنة الفلسفة.


وأوضح أنه بعد انتهاء الاجتماع، كان الأستاذ أنيس يصحب معه في رحلة عودته لمنزله بشارع النيل بالجيزة كل مرة "عبد المنعم الحفني"، وكان الحوار يتم أحيانا خارج المجلس خلال الدعوات الخارجية التى وجهها لهم الأستاذ أنيس، ولهذا لم يكن النقاش منظمًا أو مقصودا منه حسم أي موضوع وإنما كان أقرب إلى الدردشة المثمرة منه إلى محاورات الفيلسوف الإنجليزي هوايتهد مثلًا، وكان من بين الأعضاء الذين حضروا هذه الجلسة الدكتور سعيد توفيق، أمين المجلس الأعلى للثقافة سابقًا، وأيضا عبد الحميد مدكور، أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم، والكاتب الراحل السيد ياسين، عالم الاجتماع والسياسة، وعاطف العراقي، ومجاهد عبد المنعم، وعبد المنعم الحفني ومجدى الجزيري، الأستاذ بجامعة طنطا، وحسن حماد عميد، كلية الآداب جامعة الزقازيق، ونسرين البغدادي، مدير المركز القومي للعلوم الاجتماعية والجنائية، فيما بعد ضمها الأستاذ أنيس إلى اللجنة، وأنور مغيث، مدير المركز القومي للترجمة سابقًا، وزينب الخضيري ورمضان بسطاويسي، أستاذ الفلسفة بجامعة عين شمس، والصاوي الصاوي، أستاذ الفلسفة بجامعة قناة السويس، وهناك بعض الأعضاء الآخرين الذين لم يحضروا هذا الاجتماع.


وبدأ الحديث عن "أبو البركات البغدادي" (ابن ملكا البغدادي) الفيلسوف والطبيب ذائع الصيت الذي عاش فى القرن الثانى عشر الميلادي وقال "الحفني": إن سبب إسلامه أنه دخل يوما إلى الخليفة المستنجد بالله، فقام جميع من حضر إلا قاضي القضاة الذي كان حاضرا ولم يقم مع الجماعة لكون ابن ملكا ذميا، فقال يا أمير المؤمنين إن كان القاضي لم يوافق الجماعة لكونه يرى أني على غير ملته، فها أنا أعلن إسلامي بين يدي مولانا، ولا أتركه ينتقصني بهذا.


وأكمل: "وهنا أضاف الأستاذ أنيس أنه يقال إن أبو البركات البغدادي كان من أصل يهودي ودخل الإسلام هربا من دفع الجزية، أضفت أنا أن من أهم إنجازاته في رأيي معرفته بفكرة (ولا أقول قانون) سقوط الأجسام بفعل الجاذبية غير أنه لم يتخلص من الفكرة الميتافزيقية الأرسطية الخاصة بالمكان الطبيعي للأشياء، وتحدث الأستاذ أنيس في شي من التهكم عن تقدم محمد شفيق زكي شقيق الفريق أحمد شفيق رئيس الحكومة للحصول على جائزة الدولة التقديرية فى العلوم الاجتماعية، ثم تحدث الأستاذ أنيس عن المؤرخ المعروف أرنولد توينبي فقال إن توينبي مدح المؤرخ المصري عبد الرحمن الجبرتي المتوفي عام 1825 صاحب كتاب "عجائب الآثار في التراجم والأخبار" وقال عنه إنه لا يكتب عن شئ إلا إذا تحقق منه، وإنه احترم الفرنسيين خلال حملتهم على مصر لاحترامهم قيمة العدل وأدهشه تخصيصهم محامي للدفاع عن أى متهم حتى لو كان متهما بالقتل؛ كما كان الجبرتي رغم كراهته للاحتلال معجبًا ببعض مظاهر سلوك الفرنسيين خاصة ما يتعلق بالمعرفة وحب العلم وإجراء التجارب واستخدام الأجهزة والأدوات".


وتابع محمد السيد: "أضاف الأستاذ أنيس أن الجبرتي من أصول إفريقية إريترية لكن جدوده استقروا شأن العديد من الأفارقة والعرب بل والأوروبيين فيما بعد في مصر ربما للدراسة في الأزهر، وأنه تعرض لنقد شديد من الفرنسيين ومن المصريين معا، حيث اعتبر الفرنسيون الجبرتي متزمتا معاديا للكثير من مظاهر الحياة الاجتماعية للحياة الغربية، في حين اتهمه المصريون بالخيانة والتعاون مع الفرنسيين بل والثناء عليهم في كتاباته".


انتقل الحديث بعد ذلك عن الفيلسوف عبد الرحمن بدوي الذي توفي في القاهرة في يوليو 2002 عن عمر يقارب 85 سنة، لافتا إلى أن للأستاذ أنيس قصصا كثيرة عن عبد الرحمن بدوي، خاصة أنه هو الذى أقنع الرئيس الأسبق مبارك بعلاجه على نفقة الدولة حين سقط مغشيا عليه فى أحد شوارع باريس، وقال الأستاذ أنيس منصور: "إن الدكتور عبد الرحمن بدوي عندما سقط في الشارع نقلوه مجهولًا الى المستشفى وكان يسكن في فندق لوتسيا بالحي اللاتيني بباريس منذ 40 عامًا، وظل الدكتور بدوي في حالة اغماء لمدة يومين، وقال إنه اتصل به في مستشفى كوشان بحي مونبرناس بباريس وسأله عما حدث له فقال له إنه لا يعرف كيف جاء إلى هذا المستشفى باهظ التكاليف، فقام الأستاذ أنيس بالاتصال بفاروق حسني وزير الثقافة وروى له ما حدث وطلب منه إبلاغ الرئيس مبارك، وتأثر فاروق حسني بشدة وحدثت اتصالات فورية بينه وبين الرئيس وأعلن وزير الصحة في نفس اليوم أن مصر سوف تعالج مفكرها الكبير عبد الرحمن بدوي على نفقة الدولة".


وفي هذا السياق قال الأستاذ أنيس: قبل منتصف الأربعينيات برز ثلاثة أساتذة واعدين متميزين في كلية الآداب؛ هم لويس عوض في مجال اللغة الإنجليزية ويوسف مراد في علم النفس وعبد الرحمن بدوي في الفلسفة، وبعد ذلك ربما في أواخر الأربعينيات قام بعض التلاميذ المجتهدين ومنهم أنيس منصور ومصطفى سويف ومحمود أمين العالم وبدر الديب وفتحي غانم بإصدار مجلة علم النفس الشامل، وكان الدكتور عبد الرحمن بدوي يلقي محاضراته وكأنه يحفظها ويسمعها علي الطلبة وكان من عادته أن يبدأ من حيث توقف في المرة السابقة تمامًا، وكان الدكتور فؤاد زكريا (لم يكن في نفس الدفعة) الذي يتميز بالخط الجميل يكتب هذه المحاضرات ويأخذها منه الدكتور عبد الرحمن في نهاية العام ليعطيها لمكتبة النهضة حيث تطبعها كتابًا.


تحدث الأستاذ أنيس عن مناقشة رسالة الماجستير للدكتور عبد الرحمن بدوي التي كان عنوانها "مشكلة الموت في الفلسفة المعاصرة"، وهي باللغة الفرنسية، وكان المشرف عليها أندريه لالاند لكنه سافر في مارس 1940 قبل إتمام الرسالة، وجاء من بعده اﻷستاذ الكساندر كويريه فتابع الإشراف على الرسالة، وتمت مناقشة الرسالة في شهر نوفمبر 1941 وحصلت الرسالة على تقدير ممتاز وكان أعضاء اللجنة هم الشيخ مصطفى عبد الرازق ودكتور طه حسين ودكتور إبراهيم بيومي مدكور ودارت المناقشة بالفرنسية والعربية، أما الدكتوراه فكان موضوع الرسالة هو "الزمان الوجودي" سنة 1943 ونوقشت في 29 مايو 1944 وكان أعضاء لجنة الحكم والمناقشة هم الشيخ مصطفى عبد الرازق والدكتور طه حسين واﻷستاذ باول كراوس وتمت (كما قال لي الزميل العزيز الدكتور كمال رباح الأستاذ المرموق بجامعة طنطا) في مدرج 78 بآداب القاهرة وتجاوز حضور المناقشة ألف شخص ونشرت جريدة اﻷهرام في 30 مايو 1944 نبأ المناقشة وأوردت بالنص بعض ما قاله دكتور طه حسين أثناء المناقشة وهو: "ﻷول مرة نشاهد فيلسوفا مصريا".