هل نعاني نحن الشعوب العربية من عطب المشاعر حتى أن البعض يستقبل أبغض الحلال بضحكة حلوة وحفلة أحلى؟! وكأن أيامه ولياليه التي أهدرها في حكاية زواج لم يكتب لها البقاء مجرد نزهة تجول على ضفاف أحاسيسها، وحين تعرقل الطريق لف بأقصى سرعة عائدًا لحياته قبل ظهور من عكر صفوها ناسيًا أو متناسيًا ما كان!
أقول هذا بمناسبة سيلفى الطلاق الذي أشعل السوشيال ميديا، وهو لزوجين تونسيين احتفلا بانفصالهما بصورة تجمعهما وهما يغادران المحكمة وعليها عبارة "لسنا السيئين إنما الزواج هو السيئ"، وما إن نشرت الصورة على فيسبوك وتويتر حتى انقلبت منصات التواصل الاجتماعي رأسًا على عقب ليس في تونس فحسب بل جميع البلدان العربية، فهذا يؤيد الفكرة ويراها رقي وتحضر ودعوة للم أواصر المودة، وتلك ترفضها جملة وتفصيلًا وتتهم المدافعين عنها بتصدير أبشع صور الزواج.
وبين مؤيد ومعارض، وقفت أنا عند حالة تطرف المشاعر التي شاهدتها مجتمعاتنا العربية منذ ما سمي ثورات الربيع العربي التي ثبت فيما بعد أنها لم تكن إلا خريف تساقطت فيه الأقنعة، ولم يبقى منه سوى ثقافات مجتمعية مغلوطة.
فإذا راجعنا الأخلاق السائدة في الآونة الأخيرة بين طرفي العلاقة الزوجية، لوجدنا تطرف غير مبرر حال الفراق، فإما صراخ، وعويل، وانتقام يصل حد الأضرار بصغار ذنبهم الوحيد أنهم ثمرة اختيار خاطئ، أو استخفاف، وحفلات طلاق، وأخلاقيات تبعد كل البعد عن مفاهيمنا ودينانا.
ولا أعرف لما تذكرت الآن تحديدًا حكاية قديمة قرأتها عن أعرابي كان على خلاف مع زوجته، وعندما سألوه عن السبب قال: "لا أتكلم عن عرضي"، ثم مضت بينهما أيام وشهور طوال، وفجأة وبلا سابق إنذار طلقها، وحين سأله الأهل والأصدقاء عن سر انفصالهما أجاب: "لا أتكلم عن أعراض الناس".
لا شك أن هذا الإعرابي، أو بمعنى أدق الرجل عن حق، يمتلك جميع مقومات الرجولة التي تسكن أحلامنا النسائية، وسأظل أنا وكل امرأة نتمنى لو جمعتنا صلة قرابة بمن يحمل سماته، وليس من ينشر صورنا بعد الطلاق محملًا منظومة الزواج مسئولية الفشل!
وبعد كل ما قيل ويقال، أعتقد أننا بحاجة ملحة لاستعادة عافيتنا الوجدانية كشعوب عانت دومًا من تطرف المشاعر، والذي انعكس على رؤيتنا السياسية، الاقتصادية، وحتى الاجتماعية، فأصبح هدم البيوت صفحة وطويت، ووصف الزواج كنظام سيئ موضة وعلينا تجنبه!
فقد أتقبل سيلفي الطلاق لو صاحبة جملة "انفصلنا باحترام ولمصلحة أولادنا سنبقى أصدقاء".. نعم..أتقبله.. لأن إماطة أذى الانفصال، وستر الأمانة الزوجية، ومواصلة الوقوف بجانب شخص عشنا معه تحت سقف واحد حتى إن كانت عشرته موجعة شهامة وشموخ، وهي خصال لا يتمتع بها إلا رجال ونساء نبلاء..
أما خلع رداء الأحزان، برقص، وطبل، وحفلات طلاق مصطنعة، أو الدعوة للاستغناء عن الرجال بمنزل، وسيارة، ووظيفة، ليست إلا أفكارا شاذة لتخريب قيمنا وعلينا التصدي لها بكل ما نملك من وسائل إعلامية، ثقافية، تعليمية، وقبل كل ما سبق خطاب ديني مستنير يوضح الخطأ والصواب في أحكام الزواج، وما يجب أن تكون عليه العلاقة حال الطلاق.