الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

المستشار سُليمان عبدالغفار يَكْتُب: انتصار أُكتوبَر.. والبَحْث عَنْ أَمَلْ !؟!

صدى البلد

الحَديث عَنِ "انتصارِ أُكتوبَر" حَديثٌ ذو شُجون – رَغْمَ مُرور كُلَّ تِلْك السنوات الطوال – التي تَغيَّرَت فيها أحوالِ العَرَبْ مِنَ النَقيضْ إلى النَقيضْ – هذا "الحَدَثْ الفَريد" في تاريخَنا المعُاصِر يَبْدو لِرَوعَتِهِ وكأْنَّهُ قَدْ حَدَث بِالأمْسِ القَريب – فَماذا قَدَّمَتْ لَنا حَرب أُكتوبَر؟!! – وما هيَ المخاطِر المُحَدِّقة بِالعالَم العربي الآن؟!! – وكَيْفَ نواجِهْ تِلْكَ التَحدِّيات التي تَفْرِضُها عليْنا تِلْكَ الأوضاع ؟!!... وهَلْ هُناكَ مِنْ أَمَلْ – بَعْدَ كُلِّ هذا اليأْس ؟!!... – رُبَّما نَعْثُرُ عَنْ إجابة على كُلِّ تِلْكَ التَساؤلات – بَعْدَ قِراءَة هذهِ السُطور!؟!.

جاءَت أحْداث السادِس مِنْ أُكتوبَر مُفاجأةً لِلجَميع – الأعْداء والأصدِقاء على السَّواء – بَيْنَما كانتْ تُمَثِّلُ لَنا بِداية واقِعٍ جَديد – جاءَ هذا اليوم في لَحْظَةٍ تاريخيَّة لَمْ تَكُنْ مواتية، فأعادَ كِتابة التاريخ مِنْ جَديد. جاءَ لِيَفْرِضَ إرادة مَصْرية و عَرَبية قويَّة تَرْفُض كُلَّ ما لاقاهُ المصريُّون و العَرَبْ مِنْ هَزائِم مِنْ قَبْل، جاءَ مُعَبِّرًا عَنْ روحِ البُطولَةِ والفِداء – دِفاعًا عَنِ التُرابِ الوَطَني المُقَدَّس، وعَنْ كُلِّ القيَمِ النَبيلة التي رَسَخَتْ في وَعْي أُمَّتِنا و ضَميرَها عَبْرَ الأجيال والعُصور!؟!... لَقَدِ اتَّفَقَ الكِبار آنَذاك "الولايات المُتَّحِدة والإتحاد السوفيتي السابِق" على فَرْضِ الاستِرخاءِ العَسْكَري على الصِراعِ المُتأجِّجِ في المَنْطِقة، واسْتِمْرار حالة اللاسلام واللاحَرب – غاضِّينَ البَصَر عَنْ تَعَنُّتِ اسرائيل ورَفضِها المُسْتَمِر لِمَبْدأ الانسِحاب مِنَ الأراضي العربية التي احتلَّتْها بِالقوَّة في أعْقابِ كارِثة الخامس مِنْ يونيو1967- ورَفْضِها الاعْتِراف بِالقرارات الدَوْليَّة هي هَذا الشأْن – لاسيَّما القَرار الشَهير لِمَجْلِس الأمْن رَقَم 242 الذي يُطالِبُها بِالانسِحاب – فَكانَ انسِحابِها أَحَد أهمِّ نتائِج هذا اليوْمِ المَجيد.

لَقَد أثْبَتَ المُقاتِل المَصْري خِلال تَجْرِبة حَرب أُكتوبَر – وإلى جِوارِهِ المُقاتِل السوري وإخوانِهِ مِنَ المُقاتلينَ العَرَب – شجاعةً فائِقة بِإقدامِهِ وصُمودِهِ، وأدْهَشَ بِروحِهِ القِتالية العالية كُلَّ خُبَراء الإستراتيجية في العالَم. فَكانَ "يَوْمَ المَلْحَمة" الذي شَهِدَ أكْبَر تَمْهيد نيراني مُنْذُ الحَرب العالمية الثانية وأكْبَر معارِك الدبَّابات في العَصْرِ الحَديث، هذا بِالإضافة إلى اقتِحام أصْعَب مانِعْ مائي عَرَفَتْهُ الحُروب مِنْ قَبْل – بِعبور "قناة السويس" وتَحطيم خَطْ بارليف الحَصين ...!؟!... ولِلحَقيقة والتاريخ فإنَّ أداء هذا "المُقاتِل الجَسور" لَمْ يَأْتِ مِنْ فَراغ – وإنَّما كانتْ أمامَهُ "قيادةً رَشيدة" تَمكَّنَتْ مِنَ التَخطيط بِإحكام – لِتُباغِتْ العدو في ظُروفٍ لَمْ تَكُنْ مواتيةً لَهُ – فَلَمْ يَتَمكَّن مِنْ فَرْضِ مكان و زمان المَعْرَكة مِثْلَما كانَ يَفْعَلْ في الحرُوبِ السابِقة.

كانَتْ حَرْب أُكتوبَر "حَرْبًا عربية" وَحَّدَتْ العالَم العربي بِكُلِّ تياراتِهِ، وأبْرَزَتْهُ قوَّةً كبيرة مؤثِّرة في الواقِع الدولي – آنَذاك – وساهَمَتْ المعارِك البطولية في سَريان "روح جديدة" أثْمَرَت "تيارًا فِكْريًا ناهِضًا" يَدْعو العَرَب إلى العُبور مِنَ التَخَلُّف والتَفَرُّق  إلى الحضارة والتوحُّد – مِثْلَما عَبَروا مِنْ "الهَزيمة إلى الانتصار" ...!؟!... لَقَدْ عِشْنا تَجْرِبة حَرب أُكتوبَر النِضالية الرائِعة – ومازالتْ أحْداث بُطولاتِها وسَتَظَل تُمَثِّل "علامةً مُضيئة" في تاريخَنا المُعاصِر – وقَد حَلَّ الأمَلْ مَحَلَّ اليَأْس ...!؟!... ...هذا ما أدَّتْ إليْهِ انتصارات أُكتوبَر مِنْ نتائِج باهِرة رَفَعَتْ رؤوس العَرَب – ولَكِنْ إلى حين – فَسُرْعان ما دَبَّتْ الخِلافات بَيْنَهُم مِنْ جَديد – وكأنَّ هذا هوَ قَدَرَهُم الذي صَنَعوهُ بِأيْديهِم ليَظَلُّوا مُتفَرِّقين...!؟!.

على مَدى السنوات – التي تَقْتَرِبْ مِنْ نِصْفِ قَرْن – مُنْذُ انتِصار أُكتوبَر جَرَتْ مياه كَثيرة في "نَهْرِ العِلاقات العربية" لَكِنَّها لِلأسَفِ الشَديد كانتْ "مياهًا مُلوَّثة" أدَّتْ إلى ما نراهُ الآن مِنْ "دَمارٍ وهوان"...!؟! فَكَما تُصيبُ المياه المَليئَة بِالميكروبات الإنسان بِأخَطَر الأمراض – تَمَّ تَسْميم أجواء العِلاقات العربية بآفاتِ التنازُع والتَشَرْذُم، وانعِدامِ القُدْرة على "الحِوار الجاد" لِوأدِ الخِلافات – وَوُقَفَتْ المُنَظَّمة العربية عاجِزة عَنْ لَمْ شَملِ هؤلاء الفرَقاء. وهُناكَ مَنْ يُرجِعُ الأمر إلى "مؤامرات الأعداء" التي تًمَثِّل خَطَرًا مُحَدِّقًا بِطَبيعة الحال – إنَّما الأخْطَر هوَ تآمُر العَرَب على أنفُسِهِم – عَنْ دِرايةٍ أو جَهْل – ألَيْسَتْ هذهِ كارِثة تَدْفَع الشُعوبِ العربية ثَمَنَها وقَدْ أحاطَتْ دوائِرِ الخَطَر بِهِمْ مِنْ كُلِّ اتجاه – إنَّ مُحاولات الغَرْب "الأورو-أمريكي" في التآمُر على المَنْطِقة العربية لِفَرْضِ التَبَعيَّة والهيْمَنة على مقدِراتِها لا تنْتَهي – ويَكْفي أنْ نَعْلَم أنَّ هُناك شِبْه اتِفاق بَيْنَ القوى الكُبْرى على إفْشال أى تَحَرُّك عَرَبي بِاتجاهِ النَهْضة أو الوِحْدة في مواجَهة النُفوذ الأجْنَبي – طالَما أنَّ العَرَب فاقِدي الإرادة والاِعْتِبار...!؟!...

لِماذا يَتجاهَلُ العَرَب أسباب فَشَلِهِم – وتِكْرارِهِم لِلأخطاءِ التي يَدفَعونَ ثَمَنَها الآن...؟!؟ – إذا نَظَرْنا على سَبيلِ المِثال – إلى "الجامِعة العربية" كَمُنَظَّمة إقليمية – نَجِدَها قَد مُنيَت بِالفَشَلِ الذَريع – في تَحقيق أيٍّ مِنَ المهام التي أُنْشِئَتْ مِنْ أجْلِها - !؟!... وعَجْزِها عَنْ الحِفاظ على الأمْنِ العَربي على الصَعيدَيِنِ القومي والإقليمي – وصولًا إلى التَدَهُّور المُسْتَمِر في العِلاقات بَيْنَ أعْضائِها – جَرَّاء حالة التنازُع والانقِسام التي باتت مِنْ سِماتِها...!؟!... فَلَمْ تَتَمكَّنْ تِلْكَ الجامِعة – وعلى مدى خَمْسةً وسَبعينَ عامًا – مِنْ إيجادِ الحُلول لِلمُشكِلات التي واجَهَتْها مُنْذُ قيامِها في عام 1945 – وكأنَّما أرادَ المُؤسِّسون لِهَذا التَنْظيم الذي أصابَهُ "التَكَلُّس" أنْ يُراوِحَ مكانَهُ بِلا إرادةٍ ودونَ قُدرَة على الإنجاز...!؟!... لأنَّ إرادتِها باتتْ رَهْنًا لِإرادَةِ أعْضائِها – عَبْرَ اتِخاذ القرارات بِالإجماع – بَديلًا عَنْ نِظامِ التَصويت بِالأغْلبية التي تَعْرِفُهُ المُنَظَّمات الدولية – فَلَمْ تَعْرِفْ الجامِعة ذَلِكَ الإجماع في غَيْرِ القضايا الهامشية التي لا مَعْنى لَها – أمَّا المُشْكِلات المصيرية الكُبْرى – فَلَمْ تَتَمكَّنْ مِنِ اتِخاذ قرار واحِد لَهُ صِفة الإلزام بِشأنِها ...!؟!... ولا يوجَد عِلاج لِهذا الداء المُزْمِن "داءِ التَفَرُّق" إلَّا بِاتخاذ خطوات حاسِمة نَحو إقامة تَنظيم عَرَبي فعَّال – يَكون مِحوَرَهُ "مِصْر" – وتَتَعدَّد أطرافَهُ شَرقًا و غَربًا مِنَ الخَليج إلى المُحيط – على أنْ تَتَحدَّد مهامُهُ في إطار منظومة سياسية واقتصادية عصرية – لِيَمْتَلِك حُرية الحركة والكفاءة العالية – مِثْل غَيرَهُ مِنَ التَنْظيمات ...!؟!.

إِنَّ المُتأمِّل لِلواقِع العربي الراهِنْ لا يُمْكِنَهُ إغفال ما تَتَعَرَّض لَهُ المَنطِقة العربية مِنْ مخاطِر ودَمار في العديد مِنَ البِلدان – هذا الواقِع المَرير – الذي أوْجَدَهُ العَرَب بِتَخاذُلِهِم وانِعدام بَصيرَتِهِم، وسوءَ تَقْديرَهُم لِعواقِبِ الأُمور !؟! فَها هي رياحِ الاحتِلال التي هَبَّتْ عَليْهِم مُنْذُ بِداية القَرْنِ التاسِعَ عَشْر – تَعودُ إليْهِم مِنْ جَديد سَعْيًا إلى تَفْتيت ما تَمَّ تَقْسيمَهُ مِنْ قَبل؟!! – فَلا يَلومون غَيْرَ أنْفُسِهِم، وقَدْ أضاعوا مُقدَّرات بِلادِهِم بِأيْديهِم وأيْدي أعْدائِهِم ... إنَّما يَظَلُّ الأمَلُ مُتَقِّدًا على الدوام – إذا ما تَمَّتْ إعادة النَظَر إلى ما جَرى في حَرْبِ أُكتوبَر ... والاعتِبار بِدُروسِ الانتِصار ... هذا هوَ الأمَل البَعيدْ – في عالَمٍ عَرَبيٍّ جَديدْ!!!.