الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

محمد السيد غنيم يكتب: عن أي انتصار يتحدثون؟!

صدى البلد



{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}، تحية لأرواح شهدائنا في حرب أكتوبر 1973، الذين كتبوا لمصر عهدًا جديدًا من العزة والكرامة واسترداد الحق المسلوب؛ لتنعم مصر بحرية أراضيها وفرض سيادتها وإعلاء رايتها في سماء النصر، وما النصر إلا من عند الله، نسأل الله أن تنعم أرواح جنودنا الأبرار في جنات النعيم، وأن يلحقنا بهم على قوة الإيمان وصدق اليقين.

في مثل هذا اليوم منذ 47 عاما صنعت الإرادة المصرية زلزلة عظيمة تحت أقدام العدو الذي تجرأ على اقتحام حدود مصر واستباح لنفسه أن يحتل أرضًا ليست ملكًا له، فاستطاع جيش مصر العظيم أن يرد كيد العدو في نحره ويقهر غطرسته ويدمر حصونه ويدك خط برليف ويعبر القناة، في خطة عسكرية وضعتها عقول مصرية بدقة وعناية، ونفذها أبناء مصر الأشداء، فارتفع علم مصر على أرض سيناء الحبيبة.

تمر السنوات وتتغير الأجيال تلو الأجيال، ويخرج علينا أبواق الإعلام الإسرائيلي وصفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي والمتحدثون باسم جيشهم ليعلنوا على مرأى ومسمع من المصريين والعرب أن حرب يوم الغفران‬⁩ - كما يسمونها - بدأت بمفاجأة كبيرة وانتهت بنصر عسكري! أي نصر عسكري يقصدون؟

إن مثل هذه الأكاذيب التي اعتاد الكيان الصهيوني إطلاقها تجد مع كل أسف منابر عربية تروج لها وتسير على نهجها، حتى وجدنا بعض شباب مصر يرددون هذه الكلمات ويتداولونها ويسخرون من انتصار الجيش المصري في حرب 73 ويصفونه بالانتصار الوهمي، وهذا خطر عظيم يحيط بعقول أبنائنا وهذا ما تسعى إليه إسرائيل؛ حيث فقدت الأمل باقتحام مصر عسكريًا، إلا أنها لم تفقد الأمل لحظةً في اقتحام عقول أبناء مصر وغزو قناعاتهم وتغييرها وتبديل الحقائق واحتلال ثقافتهم.

إذا حققت إسرائيل الانتصار على جيش مصر في 73 فإن للنصر علامات فما علامات النصر لإسرائيل؟

مصر واجهت أحدث الأسلحة والمركبات العسكرية في هذا الوقت بأقل الإمكانيات وصنعت من عقول أبنائها أقوى الأسلحة بالإرادة والصبر في شهر رمضان شهر الصيام، واستطاعت مصر الزحف داخل سيناء وتحطيم خط برليف وإلحاق أضرار بالغة بمواقع العدو الإسرائيلي حتى أجبروهم على التراجع والانسحاب.

لولا تدخل الولايات المتحدة الأمريكية لسحقت القوات المسلحة المصرية الجيش الإسرائيلي في هزيمة نكراء إلا أن إسرائيل استغلت ثغرة داخل صفوف الجيش المصري وحاولت لملمة بعض كرامتها التي بعثرتها القوات المصرية وخسفتها أرضًا، فبعدما قطعت القوات المسلحة رأس الثعبان ظل الذيل يتحرك ظنًا منه بأنه لم يمت، إلا أن الجيش والشعب تصدوا بكل قوة للعدو ودافعوا عن السويس بكل بسالة لآخر قطرة دم في عروقهم ولم تتمكن إسرائيل من دخول السويس.

وفي مكالمة مسربة بتاريخ 13 أكتوبر 1973 كشف عنها موقع "ناشونال سيكيورتي أركيف" قال كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي آنذاك لرئيس موظفي البيت الأبيض، أليكسندر هايج، إن وزير الدفاع سيفعل أي شيء يعارض تقديم السلاح الأمريكي إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي خلال حربها مع مصر وسوريا، وكشف الموقع الأمريكي عن أن الرئيس نيكسون أراد نقل الذخيرة والدبابات والطائرات خلال الحرب بجسر جوي، إلا أن المسئولين داخل الإدارة الأمريكية عملوا على عرقلة تلك الأوامر، نظرًا لخوفهم من "غضب العرب".

وفي 17 أكتوبر أعلنت دول الشرق الأوسط المنتجة للنفط عن نيتها خفض الإنتاج بنسبة 10%، وتبعها فرض المملكة العربية السعودية حظر بيع النفط للولايات المتحدة؛ مما دفع الولايات المتحدة إلى الموازنة في بين الحفاظ على أمن إسرائيل، والحفاظ على علاقاتها مع العرب.

حتى جاء يوم 25 أكتوبر وتم فرض وقف دائم لإطلاق النار، بين مصر وإسرائيل، فعن أي انتصار يتحدثون؟ 
لولا ما قامت به مصر من هجمة عسكرية وضربة موجعة ما كان العدو ليقبل أي اتفاقيات أو معاهدات.

لقد انتصرت مصر حين استطاعت ضرب الطيران الإسرائيلي والمواقع الإستراتيجية للعدو وشل حركتهم كليًا وتكبيد العدو خسائر جسيمة.

انتصرت مصر حين عبرت قناة السويس ونقلت أسلحة الجيش الثقيلة إلى الضفة الأخرى، ورفعت العلم على أرض سيناء الغالية.

انتصرت مصر حين فرضت على إسرائيل قرار وقف إطلاق النار ووضع قدم أولى بالقوة العسكرية داخل الأرض المحتلة، اكتملت بوضع القدم الأخرى بالقوة السياسية واسترداد كامل الأرض برفع علم مصر على أرض طابا بالتحكيم الدولي في 25 أبريل سنة 1989.

إن الانتصار الحقيقي هو فرض إرادتك وتحقيق أهدافك، وقد استطاعت مصر تحقيق أهدافها وقتل أحلام التوسع والغزو الإسرائيلي وإبادتها عن بكرة أبيها داخل أرض سيناء، هذا ما تحقق عسكريًا في 73 وسياسيا في معاهدة كامب ديفيد في 78، لتنتصر مصر في معركة السلام كما انتصرت في معركة الحرب، وتكون هي صاحبة الكلمة العليا، ويكون يوم السادس من أكتوبر تاريخًا مشئومًا على إسرائيل ليظل شوكة في حلقهم يذكرهم كل عام بشراسة المقاتل المصري وقوته في الدفاع عن حقه واستماتته في الحفاظ على كل شبر من أرضه، عاشت مصر حرة مستقلة ورد الله عنها كيد الأعداء وحفظها من كل سوء وشر.