الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الحب فى زمن الجحود


فى دار المسنين انتهى  به المطاف وفيه أصبح وحيدا فقد انقطعت صلاته بكل الأهل والخلان .. صحا مبكرا كعادته ومارس طقوس  يومه الروتينية ، فهو يستيقظ فى السادسة صباحا يتوجه بعينيه وقلبه إلى السماء يشكر ربه فى علاه على انه وهبه يوما جديدا فى عمره، عله يستغفر ربه عن خطاياه وسوءاته فيغفر له.

 يتوجه بناظريه إلى المنضدة المجاورة لمخدعه ويدعو بالخير لكل من كان معه فى رحلته الحياتية ويؤمن على كلامه بنظرة حب وتقدير لصورة السيد المسيح والسيدة مريم اللتين يحتفظ بهما منذ ان اهدتهما اليه امه وهو فى السادسة من عمره ايمانا منها بأنه بحاجة الى رعاية وحفظ من المسيح وأمه وخاصة انه لم يكن مواظبا على الذهاب الى الكنيسة .

 ماهر وهذا اسمه الذى اسمته به امه تلك السيدة التى تحملت فوق طاقة البشر من زوج غليظ القلب قاسى المشاعر فظ المعاملة ؛ ولكنها كانت تتحمل من اجل ابنائها الاربعة ..صحت الاسرة ذات يوم ولم تجد عائلها وجدت رسالة منه يؤكد فيها انه سيرحل ولايريد ان يبحث عنه أحد ويطلب من الكل ان ينساه ولايكرهه . فى هذا اليوم الحزين لاينسى ملامح أمه رحمها الله وهى تحاول ان تظهر الصلد والقوة ولكنها ممتلئة بالدموع والحزن الدفين.

سنوات مضت بعد هذا اليوم والأم تحتضن ابناءها الاربعة حتى ينهوا تعليمهم الجامعى ويتجه بعدها  معظمهم للتجارة وخاصة العمل فى الصاغة لان خالهم صاحب محل دهب كبير ومشهور فى المنطقة بأخلاقه ورقيه وأمانته ، خاله هذا كان الوحيد الذى لم يتأخر لحظة عنهم وكان دوما ملتصقا بأمهم فى مشوارها مع ابنائها وكان يعاملهم كأنهم اولاده .

 تزوج ثلاثة ابناء من بنات خالهم واصبحوا فيما بعد اصحاب محلات واثرياء وظل ماهر على حاله مبتعدا عن التجارة وعمل فى السياحة تخصصه الدراسى وايضا عشقه العلمى فقد كان محبا للتاريخ عاشقا للتراث وذلك اعطاه مصداقية فى عمله كمرشد سياحى ، ماهر كان اكثر الاخوة تعلقا بأمه رافضا الابتعاد عنها مفضلا عدم الزواج حتى لاينفصل بحياته الخاصة عن ذلك الينبوع المتدفق فى ثنايا عمره .

 كان بارا بها ينفذ اوامرها دون تفكير أو مماطلة ، يلبى رغباتها المعلنة وغير المعلنة ، كانت دوما تداعبه وتقول حكم عليك الزمن تتجوز امك !! ويضحكا معا ويرد عليها قائلا ؛ مابلاش موضوع الجواز ده احسن احصل الاب .. وعندما يأتى ذكر ابيه تدمع عينيها وتقول ياما نفسى اطمن عليه قبل مااموت .. وماتت أمه فجأة وبدون أية مقدمات ولا أمراض فقد عاد من عمله وعندما شعرت به جاءته وكعادتها مبتسمة وقالت له : اما انا عملتلك حتة طاجن بامية باللحمة الضانى ورز بشعرية من اللى تحبهم ، وجرى اليها واحتضنها وقبل يديها ورأسها وطال الحضن وسمع صوت يشبه الشخير فنظر اليها وجدها مبتسمة فداعبها قائلا: هتفضلى كده كتير فى حضنى ومش هناكل البامية ولا ايه ده انا ميت من الجوع ؟؟ لم ترد عليه ووقعت منه على الارض ، حملها ووضعها على السرير وحاول افاقتها بكافة الطرق ولكنها لم تفق ، جرى الى جارته أم أحمد صديقة امه من خمسين عاما وجاءت مسرعة تجرى وعندما رأتها بكت بحرقة لينفى هو ماتحاول جارتهم ان تخبره به ، فيجرى ويحضر طبيبا ويؤكد له ان النبع جف وفارق الحياة ؛ يتصل بأخوته الذين استقبلوا الخبر بصدمة مابعدها صدمة وببكاء وعويل ..

موت امه كان موت حياته فقد عاش بعدها مجرد شكل ومجرد اداة فى الحياة يعمل من اجل الحصول على متطلبات الحياة ، عبثا حاول اخوته ان يأخذوه معهم ويعيدوه الى الحياة ولكنه لايستجيب ، اعياه رفضه لهذه الدنيا واحزنه عدم الاستجابة لمطالب اخوته بالزواج وبدء حياة جديدة كى يجد من يهتم به ؛ ولكنه لم يستطع ان يفعل ذلك ، فقد تصلب قلبه وتوقف عن حب أى شىء ، فى يوم صحا ماهر على طرق على الباب ليجد اباه عائدا مكسورا وربما مذبوحا لعلمه بوفاة زوجته ، لم يكن ماهر قادرا على مسامحة ابيه ولكنه كان قادرا فقط على ترك المكان له والابتعاد والاقامة فى دار المسنين التى علم فيما بعد ان اباه كان يعيش فيها حينما تركهم وترك امه تستنفذ كل ارصدتها فى الحياة من اجلهم ومن أجل إسعادهم..
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط