في بركة السبع طال الانتظار، ألقى نادر بالجريدة التي سأم من طول التحديث فيها والجري وراء سطورها وحواديتها وحكاويها بعد أن تلوثت أصابعه بحبرها الأسود، شعر بالضيق والملل وفكر أن يقوم من مقعده وينزل إلى الرصيف ليحرك ساقيه لكنه تردد وأزاح هذه الفكرة عن ذهنه خوفا من أن يحتل غيره المقعد.
وبينما هو حائر بين النزول من مكانه والبقاء فيه، تحرك القطار ولم يترك له فرصة الاختيار فظل شاخصا في مكانه كالتمثال وبينما هو ينظر من النافذة يتأمل البيوت والمقاهي في تلك المدينة الصغير التابعة لمحافظة المنوفية بدلتا مصر، قفزت إلى ذهنه حكاية طريفة كان قد سمعها من أحد الركاب من أبناء المنوفية -من قبل- ليشهد شاهد من أهلها، حيث صدقها الشاب وتبسم عند تذكرها.
حكى الرجل المنوفي -وفقا لرواية ماسبيرو للكاتب نصر رأفت- أن مدينة بركة السبع أثارت أزمة عجيبة للرئيس محمد أنور السادات، حيث كانت تلك المدينة تتبع جغرافيا وإداريا محافظة الغربية قبل أن يتولى السادات حكم مصرفي السبعينات من القرن الماضي وبمجرد وفاة جمال عبدالناصر وصعود السادات إلى سدة الحكم فكر في أن يعمل على زيادة المساحة الجغرافية لمحافظته ومسقط رأسه المنوفية.
في سبيل ذلك، أصدر السادات قرارا بضم مدينة بركة السبع إلى محافظة المنوفية وإلغاء تبعيتها إداريا وجغرافيا لمحافظة الغربية ولم يعجب هذا القرار سكان المدينة الذين ثاروا وهاجوا وتظاهروا غاضبين، ليتعجب السادات من موقفهم هذا، وزار الرئيس هذه المدينة ليستفسر ويسأل أهلها بنفسه عن سر غضبهم من قراره.
جاء تبرير الأهالي أكثر غرابة من ثورتهم، حيث قالوا للرئيس المنوفي المولد بكل صراحة: "يا سيادة الرئيس.. إن محافظة المنوفية سيئة السمعة والناس في كل ربوع مصر ونجوعها يعايرون أهلها بهويتهم وأنهم لا يريدون أن يحملوا لقب منوفي في بطاقتهم الشخصية".
ضحك الرئيس طويلا وقهقه على طريقته المسرحية ثم قال لهم: "وهل يرضيكم أن أحمل أنا رئيس الجمهورية لقب منوفي وأنتم لا تحملونه؟ إذا كنتم تشعرون أنكم أفضل من رئيس الجمهورية فتكلموا.. أنا وأنتم في قارب واحد وكلنا منايفة".
ومن يومها صارت بركة السبع تابعة للمنوفية وارتضى أهلها بمنطق وذكاء السادات وخجلوا من أنفسهم وصفقوا له بعد أن هدأت ثورتهم وهتفوا له تأييدا واحتراما لقراره وبعضهم قال للرئيس بلا نفاق: "إنه لشرف كبير يا سيادة الرئيس أن نحمل نفس لقب وهوية بطل الحرب والسلام في بطاقاتنا الشخصية".
يأتي ذلك بالتزامن مع ذكرى تولي الرئيس محمد أنور السادات رئاسة مصر رسميًا في مثل هذا اليوم عام 1970، خلفًا لجمال عبد الناصر وذلك بعد أن تولى الرئاسة بالنيابة منذ وفاته بصفته نائبًا للرئيس.