الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رضا نايل يكتب: لتكره القهوة

صدى البلد


- لقد توقفت عن احتساء الشاي لأنها أخبرتني في لقائنا الأول أنها لا تحب الشاي..
هكذا قلت وأنا أبتسم في رقة، وذكرى من الماضي تلمع في عيني من بعيد.
حدقت فيِّ، وقطبت ما بين حاجبيها، وضحكت في استهزاء، وحركت رأسها يمنةً ويسرةً في تعجب وكأنها لا تصدقني، وقالت في تهكم:
- هذا سر عدم تناولك الشاي، فماذا عن عشقكَ للقهوة؟!
- هي التي أحبت رائحة فنجالي..
- تحب الرائحة فقط..؟!
هكذا سألت بصوت مرتبك، وعلامات الاستفهام والتعجب تملأ صفحة وجهها المضطربة.
أجابت بثقة لأذهب ارتباكها واضطرابها:
- نعم
أسندت ظهرها للكرسي وفكرت هُنيةً، ثم قالت ووجهها يكسوه حزن يشبه سحب الخريف التي سرعان ما تنقشع ثم تعود من جديد:
- إذنًا هي حاضرة معا الآن، حاضرة مع كل فنجال، وما أكثر تلك الفناجيل، حتى أنها تجري في دمك، فلو جُرحت ستنزف قهوة.
وهمت بالمغادرة
أمسكت يدها قبل أن تصل لحقيبتها، وأنا أقول في نفسي:
- المرأة إذا أحبت تفقد عقلها..
نزعت يدها من يدي، وأشارت إليِّ في تحدٍ قائلة:
- سأجلس بشرط
أومأت برأسي:
- موافق
فأردفت.. وعيناها تتفحص وجهي لترصد أي أمارة للضيق أو الرفض:
- أن تطلب شايًا بدلا من القهوة
بدوت كمن قذفه أحدهم فجأة بحجر، ففقد القدرة على التصرف لدقيقة أو اثنيتن وهو يتلفت حوله، ثم ابتسمت في غيظ وحنق، وقلت وأنا أكتم غضبي:
- تعلمين أني لا أحب الشاي..
قالت بثقة:
- أحبه من أجلي، كما كرهته من أجلها..
أجفلت وأنا أردد في نفسي:
- تفاهة المرأة تصيب الرجال بالضغط والسكر..
ثم بسطت كفِّي كأنما أتضرع للسماء، وأنا أذم شفتي، وقلت وأنا أضغط على أسناني بقوة:
- حسنًا لنشرب الشاي..
ولكنها قالت مزمجرة:
- أنت تحاول إرضائي ولا تشربه عن حب..
أخذت شهيقًا عميقًا ثم زفيرًا، وأنا أعتصر عيني بقوة حتى كدت أفقعهما، محاولًا التشبث بهدوئي، ثم قلت مصطنعا الابتسام:
- حبكِ ليس له علاقة بكرهي للشاي وعشقي للقهوة!
قالت بصوت متهدج، والدموع تتساقط من عينيها كالأمطار التي تتساقط والشمس ساطعة، والسماء بلا سحب للأحزان:
- لتكره القهوة من أجلي..
ووضعت وجهها في راحتيها وبدأت تنتحب، حتى جذبت أنظار الجالسين في "الكافيه".
أحسست أن هناك مرجلا يغلي داخلي، فأنفاسي الحارة تتصاعد لتشكل غلالة رقيقة من الضباب أمام عيني سرعان ما تتبدد في هواء يناير البارد، وكأنها دخان سيجارة يذوب في الهواء، ورغم البرد نضحت جبهتي بحبات العرق، التي أشعر ببرودتها وهي تنزلق على عمودي الفقري.
وبينما أجفف عرقي رفعت وجهها من بين راحتيها، وهي تنظر نحوي بعينين حمراوين يتوعداني بالويل والثبور، وقد انتفخت أوداجها، فرائحة القهوة التي تحملها الأبخرة المتصاعدة من الفنجال، الذي طلبته حين جلوسنا وجاء به النادل الآن، أججت غضبها، فما كاد يضعه أمامي حتى أطاحت بالفنجال، فسالت القهوة على وجهي لتلفحه بسخونتها، ملطخة قميصي الأبيض، بينما كسر الفنجال نظارتي.