الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

منحة رجل نبيل تدعم جهود الدولة.. قنديل في قلوب الطلبة الفقراء بالبحيرة.. صور

صدى البلد

كم تبدو قاسية كلمة الفقر، تجد فيها ما يكفي لأن تبذل ما في وسعك لترسم ضحكة على وجه طفل بريء، أو تمد يد الأمل لأسرة انفطر قلبها ألمًا وحرمانًا من ضيق الحال، وربما تكون سببًا في أن تغسل هموم وأحزان الحالمين بمستقبل أفضل.


وفي ظل زحام الحياة وضجيجها الذي لا ينتهي قد لا تستطيع الوصول لكل محتاج، لكنك يمكن أن تكون ملهمًا لآخرين من حولك، تفكر وتحاول  وتبادر وتنفذ وتنجح في تقديم يد العون والمساعدة في حدود ما تملك من إمكانيات، وتترك للآخرين القرار إما بالمشاهدة أو بالمشاركة.


هذا ما فعله د. خالد قنديل عضو مجلس الشيوخ ونائب رئيس حزب الوفد، عندما قرر أن يتبرع بمبلغ 150 ألف جنيه كمساهمة شخصية منه في دفع مصروفات المدارس لما يقرب من 350 طالبا من أبناء محافظة البحيرة، الذين تعثرت ظروفهم وأحالت دون وفائهم بمستلزماتهم الدراسية. 


قال فريق العمل الذي تولى مهمة توزيع المبلغ: صعبة وثقيلة ومسؤولة صفات تلخص المهمة التي أوكلها لنا د. خالد قنديل، بين يوم وليلة كان بين أيدينا ذلك المبلغ الذي بات أمانة في رقابنا إذ كان الشغل الشاغل لنا الوصول لأكثر الأسر استحقاقا، وأكثر القرى والنجوع احتياجًا، خاصة أن محافظة البحيرة وفقًا لآخر نتائج بحوث الدخل والإنفاق الذي أجراه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تعد من أفقر خمس محافظات في مصر بعد مناطق الصعيد التي تتلخص في أسيوط وسوهاج ومطروح والمنيا، حيث بلغت نسبة الفقر بين سكانها نحو 47.18%، وبالتالي تكون البحيرة هي الأولى من حيث الفقر  ما بين محافظات الوجه البحري.


وأضاف: فريق العمل مكون من مجموعة من فتيات المحافظة اللاتي تبرعن للعمل، واصلنا الليل بالنهار منذ لحظة استلام المبلغ، أوراق وكشوف وأسماء ودراسة حالة لمعظم قرى ومراكز ونجوع محافظة البحيرة لكي تصل أمانة د. خالد قنديل إلى مستحقيها.


وأضاف فريق العمل: من أين نبدأ وكيف تكون نقطة الانطلاق؟ سؤال طاردنا كثيرًا ولكننا سرعان ما حسمنا الإجابة عندما اتجهت بنا السيارة إلى قرى مركز سنهور وتحديدًا قرى راغب، وجَماع وطربمبا، اهم ما يلفت نظرك طوال الطريق من "دمنهور" العاصمة إلى تلك القرى هو تلك الطرق البدائية وغير الممهدة وتلك الرائحة التي تدخل صدرك دون أي استئذان، إنها رائحة الثالوث الشهير الفقر، والجهل، والمرض، سرعان ما كنا في قلب مدارس قرى راغب، وجوه الأطفال البريئة وعيون الأهالي المتلهفة على ما تخفيه زيارتنا، وابتسامات الصغار وسعادة أولياء الأمور التي وصلت لحد إطلاق الزغاريد في قلب حوانيت وحواري قرية راغب، كانت كفيلة بأن تجعلنا نشعر بالارتياح بأن جزءا من رسالة د. خالد قنديل قد وصلت بنجاح، ولكن ما خفي كان أعظم. 


ومن قرية راغب إلى "طرابمبا" لا يختلف الأمر كثيرًا، الهم واحد والملل مشترك كما قال منذ زمن الراحل صلاح جاهين، الفقر على الوجوه ارتسم، واللهفة في العيون تنهمر، والفرحة تنطلق في القلوب ما ان تصل المساعدات إلى الأهالي.


رحلة طويلة استمرت على مدار أيام متتالية من الرحمانية، والدلنجات، إلى حوش عيسى وجَماع، وقراقص، والبيضا، زرنا المدارس والتقينا الأهالي على ابوابها، ودخلنا إلى بيوت الفلاحين التي قل خيرها، وتساءلنا أين رائحة الخبيز والفرن الفلاحي، والفطير والقشدة والعسل، أين كل هذا ذهب؟
فكانت الإجابة واحدة حاسمة قاطعة محزنة مناجية متمنية حالمة، الخير قل والفلاح هجر أرضه، لقد اصبحنا عمالا باليومية- والكلام على لسان أحد الرجال- لا ننكر أن أوضاعنا أفضل بكثير من زمن مضى، ولكننا نريد اهتماما أكثر، نحن غير قادرين على أن ندفع مصروفات الدراسة لأطفالنا، 500 جنيه وأكثر للولد الواحد، "طب واللى عنده اكثر من واحد، نجيب منين؟".


تلك السيدة العجوز التي تجلس أمام منزلها تحدثت بعفوية قائلة: ياريتها على المدارس وبس، مفيش مياه شرب عندنا، هى حنفية واحدة في آخر القرية نروح نملا منها للأكل والطبيخ"، مفيش صرف صحي وبيوتنا بتغرق في الشتا ما بنبقاش عارفين دي مياه مطر ولا مياه صرف؟.


نترك القرى الصغيرة والنجوع الفقيرة التي تختلط مياه الشرب فيها بمياه الصرف الصحى، والآمال بالآلام، نترك وراءنا ابتسامات وفرحة عارمة بتلك المساعدات، دموع تتنظر المقبل، وقلوب تحلم بأيام أفضل، ودعوات لا تنتهي لصاحب المبادرة، وألسنة تناجي خالقها بالرزق وفتح الأبواب المغلقة.


ومن القرى والنجوع والمراكز إلى المناطق النائية التابعة لمحافظة البحيرة، فرهاش وحفص، والرحباية، شبرا، الكوم الأخضر، السراية، يا قلبي احزن، حيث الناس من هَول الحياة موتى على قيد الحياة، لكي نصل إلي بيوت الأسر المستحقة وبعض المدارس كان علينا ان نخترق المجاري ونبحر في بحور الصرف الصحي الذي اختلطت بمياه الشرب، لا رصف، لا طرق، لا حياة إنسانية.


وسط اليأس والفقر والحرمان والاحتياج لا يزال للأمل مكانًا، لاتزال القلوب تشعر ببصيص من نور، يعيشون تحت خط الفقر بل بالأحرى أماكنهم ليست موجودة على الخريطة اساسًا، ولكنهم يتابعون جيدًا، يدركون الظروف الصعبة والاستثنائية التي تمر بها مصر، يقدرون ويأملون، ينتظرون محور المحمودية ذلك الطريق الذي سيغير حسب أمنياتهم محافظة البحيرة تمامًا، بل يتابعون جيدًا مشروع رشيد الجديد ورحلة العائلة المقدسة في وادي النطرون، وكما قالت لي تلك الشابة الجامعية التي تدرس في كلية الآثار وتذاكر باجتهاد على لمبة الجاز لأن الكهرباء- على حسب كلامها- "ما بتجيش خالص" ان ذلك المشروع سيجعل من محافظة البحيرة مكانا سياحيا عالميا، بل ستكون من أهم وأغنى المحافظات خلال السنوات المقبلة.


ودعناهم وكلمات الشكر والتقدير والامتنان لصاحب المبادرة الإنسانية التي رسمت السعادة على ملامحهم تلاحقنا، وأحلام الكثيرين بالعودة مرة اخرى بمبادرات كريمة لا تنتهي.