الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

تحركات مصرية تناسب المرحلة.. انفتاح على العراق.. بغداد ترحب بالتعاون في إطار اتفاق النفط مقابل الإعمار.. علاقات ترتقي لمستوى الشراكة الاستراتيجية.. وتكامل مصري عراقي أردني ليس على حساب أحد

شارع الرئيس جمال
شارع الرئيس جمال عبد الناصر وسط بغداد

  • مراقبون:
  • العراق حكومة وشعبا يدعمون العلاقة مع مصر بشكل قوي
  • العلاقات المشتركة توجت بتوقيع 15 اتفاقية اقتصادية وتعليمية وأمنية وبناء بنى تحتية وزراعية وتجارية وصناعية
  • اتفاقية "النفط مقابل الإعمار" أهم الاتفاقات التي تم توقيعها
  • سفيرنا الأسبق لدى بغداد: العلاقات بين مصر والعراق ضخمة وتاريخية


أنهى وفد وزاري عراقي كبير، زيارته للقاهرة منذ أسبوعين، بعد التوقيع على بعض الاتفاقيات بين بغداد والقاهرة.


وترأس الوفد وزير التخطيط خالد نجم البتال، وعضوية وزراء الصحة والتجارة والصناعة، واستمرت الزيارة ثلاثة أيام، وقع خلالها 7 اتفاقيات، كما أجرى الوفد لقاءات ثنائية مع نظرائهم المصريين وقاموا بزيارات ميدانية لعدد من المشاريع المهمة في القاهرة.


سلسلة من الاجتماعات عقدها وزراء ومسئولون مصريون مع نظرائهم العراقيين للمضى قدما في تنفيذ آلية "النفط مقابل الإعمار" التي جرى الاتفاق عليها مبدئيا في أكتوبر الماضي.


وكانت مصر قد وقعت مع العراق 15 اتفاقية ومذكرة تفاهم تهدف إلى مشاركة شركات مصرية في مشروعات التنمية في العراق، مقابل استيراد النفط العراقي.


وشملت اجتماعات المسئولين المصريين والعراقيين العديد من مجالات التعاون، ومنها الكهرباء والطاقة، والإسكان، والصحة، والاستثمار، والبنية التحتية، والصناعة، والتعدين، ومشروعات الطرق. ومن بين ما جاء خلال الاجتماعات:

* الكهرباء: بحث وزير الكهرباء محمد شاكر مع نظيره العراقي ماجد مهدي حنتوش مشاركة الشركات المصرية في تنفيذ المشروعات وتوريد المهمات والمعدات اللازمة لإعادة إعمار شبكة الكهرباء العراقية.


* مشروعات الطرق والبنية الأساسية: بحثت وزيرة التعاون الدولي رانيا المشاط خلال اجتماعها مع وزير التخطيط العراقي خالد بتال، إمكانية مشاركة مصر في مجالات الإسكان الاجتماعي وإنشاء وصيانة الطرق بالعراق، إضافة إلى الدعم الفني والعلمي في زراعة الحبوب والزراعات النسيجية ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والاستثمار في البنية التحتية.


* الأدوية: التقت وزيرة الصحة هالة زايد نظيرها العراقي حسن التميمي لبحث التعاون في مجال التصنيع الدوائي، وفتح خطوط إنتاج دوائية في مصر لصالح العراق وتصديرها إليه، وتدريب العمالة والفنيين بالمصانع العراقية.


* التعدين: بحث وزير البترول والثروة المعدنية طارق الملا مع وزير الصناعة والمعادن العراقي "منهل عزيز" التعاون في مجال نقل الخبرات المصرية في مجال التعدين وتدريب عدد من العاملين العراقيين من خلال تصميم وتنفيذ برنامج تدريبي في أنشطة التعدين المختلفة يعقد بمصر.


* النقل والمواصلات: بحث وزراء النقل في مصر والأردن والعراق خلال انعقاد الجمعية العمومية للجسر العربي للملاحة، آلية إنشاء منظومة لتسهيل نقل الركاب بريا بين الدول الثلاث بتذكرة موحدة.


واستقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي أيضا نائب رئيس الوزراء وزير التخطيط العراقي خالد بتال بمقر رئاسة الجمهورية، وبحثا سبل تعزيز التعاون المشترك بين البلدين في المجالات كافة.


ويرى خبراء أن تطور العلاقات بين الجانبين له أهميته الكبيرة سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي وعلى المنطقة بشكل عام، خاصة في ظل التكامل بين البلدين، كما أن العلاقة بين العراق ومصر ترتقي لمستوى العلاقات الاستراتيجية الهامة جدا للطرفين، في ظل حرص بغداد على تكامل العلاقة على المستوى الثنائي، أو فيما يخص الإطار الثلاثي مصر والأردن والعراق.


وتطور العلاقة الاقتصادية بين البلدين سينعكس بشكل كبير على توثيق التعاون، خاصة أن العراق حكومة وشعبا يدعمون العلاقة مع مصر بشكل قوي. وهناك خصائص لهذا التكامل فمصر تتميز في العديد من المجالات لاسيما مجال البناء والإعمار، وفي المقابل فإن العراق غني بالنفط، وهو ما يؤكد أهمية التكامل بين البلدين.


كما أن الحكومة العراقية الحالية تكمل الخطوات التي اتخذتها الحكومات السابقة تجاه تعزيز العلاقة مع مصر، وتفعيل كافة الاتفاقيات التي وقعت بين البلدين. وتوجت تلك العلاقات المشتركة بتوقيع 15 اتفاقية اقتصادية وتعليمية وأمنية وبناء بنى تحتية وزراعية وتجارية وصناعية، أهمها اتفاقية "النفط مقابل الإعمار"، وذلك خلال زيارة رئيس الوزراء مصطفى مدبولي إلى بغداد.


من جانبها، ذكرت صحيفة "الصباح" العراقية الرسمية أن مذكرات الوفد شملت تمكين المشروعات المتوقفة في العراق، ومشاريع بروتوكولات ثقافية وعلمية وتنموية وزراعية، فضلًا عن تفعيل مذكرات التفاهم الموقعة أثناء زيارة رئيس الوزراء مدبولي والوفد المرافق له إلى بغداد مؤخرًا.


نقلة في مستوى العلاقات
ومنذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي، لمقاليد السلطة في مصر، وهو يؤكد في كل مناسبة أهمية ووحدة وسيادة العراق على أراضيه.


ورفضت الحكومة المصرية مقترح الكونجرس الأمريكي في أبريل 2015 بتقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم وبشكل طائفي بين الشيعة والسنة والأكراد، كما استنكرت القاهرة تصريحات لرئيس الاستخبارات الفرنسية بأن الحدود بين العراق وسوريا لن تعود كما كانت في الماضي - وهو ما رفضته القاهرة وتتدخل لإيقافه بشكل قوي - هذا من ناحية.


ومن ناحية ثانية، تشهد العلاقات بين المؤسسة العسكرية المصرية والعراقية تطورا لافتا للنظر يصل ويشمل هذا التعاون قيام القوات المسلحة المصرية بتدريب نظيرتها العراقية وبخاصة قوات الصاعقة العراقية-وهو ما ظهرت نتائجه في عمليات تحرير المناطق التي كان يحتلها داعش.


ومن ناحية ثالثة، وعلى خطى تصاعد قوة العلاقات العسكرية بين البلدين سارت العلاقات السياسية والدبلوماسية على نفس الوتيرة، ولكن بشكل أكثر تميزا وذلك من خلال زيارات من أرفع المسئولين بين البلدين، وكانت زيارة وزير الخارجية سامح شكري في صيف 2014 عقب توليه المنصب بداية لاستعادة دفء العلاقات بين البلدين من أجل دعم الحكومة العراقية الجديدة، ودفع التوافق السياسي بين القوى السياسية من أجل التركيز على مكافحة الإرهاب، كما كانت زيارة رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري في فبراير 2016 استمرارا في دفع العلاقات بين البلدين ولتهنئة مصر بانتخاب البرلمان الجديد، كما سعى البرلمان المصري لتكوين جمعية صداقة برلمانية مصرية عراقية، وجاءت زيارة الرئيس فؤاد معصوم في 2016 لتتوج تلك الزيارات المتبادلة من قبل الطرفين.


الدعم الدبلوماسي
أما التضامن الدبلوماسي الدائم من القاهرة مع بغداد، فقد تجلى مع تصاعد العمليات الإرهابية من قبل تنظيم الدولة المتطرف، وأيضا المباركة السياسية لإنجازات الجيش العراقي في تحرير مدينة الرمادي مع نهاية 2015، وفي عملية تحرير الموصل 2016، كما تضامنت مصر مع العراق من خلال رفضها للغارات التركية على معاقل حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل على الحدود بين بغداد وأنقرة، وأيضا في مطالبتها في خروج القوات التركية من معسكر" بعشيقة" والتي اعتبرتها بغداد احتلالا لأراضيها، كما دعمت مصر إصدار بيان من جامعة الدول العربية لإدانة التدخل التركي في شؤون الدول العربية وبخاصة العراق في أكثر من مناسبة.


ومؤخرا بدأت مصر خطة الاستثمار في حقول الغاز في العراق توطيدا للعلاقات على جميع المستويات في كلا البلدين، حيث باعت شركة "الكويت للطاقة" حصتها البالغة 20% في حقل "سيبا" حقل الغاز الطبيعي في العراق لهيئة البترول المصرية.


كما أعلن العراق تزويده لـــ مصر بــ 2 مليون برميل شهريا وتدل كل هذه الاتفاقيات على دعم ومساندة لا محدودين للتعاون مع مصر في كافة المجالات، وهي رسالة من دولة العراق بمساندة سبل توثيق أواصر العلاقات والتعاون في مجالات الصناعة والتجارة والنقل والزراعة والطاقة والنفط.


كما تم الاتفاق مع العراق خلال زيارة وزير البترول طارق الملا على استيراد نفط البصرة الخام لتكريره في مصر، وتعزيز التعاون بين الشركات المصرية العاملة في مجالي البترول والغاز إضافة إلى قيام شركات المقاولات والإنشاءات بقطاع البترول المصرية بإنشاء خطوط نقل البترول وتوصيل الغاز في العراق، إضافة لتدريب الكوادر الفنية ونقل الخبرات، وتحقيق التكامل بين البلدين بتشغيل المعامل المصرية للتكرير وتوفير الطلب العراقي من المشتقات بدلا من استيرادها من السوق العالمية.


خط أنابيب عراقي يصل الأردن ومصر
من جانبه، أشار المهندس طارق الملا، وزير البترول، إلى مقترح إنشاء خط أنابيب لنقل النفط الخام من العراق إلى الأردن ومصر، بما يعزز التعاون في مجال القدرات البترولية بين البلدان الثلاثة، وتوفير احتياجات المشروعات المختلفة، لافتأً إلى أن هناك فرصة تاريخية تتجسد في دعم القيادة السياسية في هذه الدول لمساعي تحقيق التكامل بين الدول الثلاث، من أجل الدفع قدمًا في مجالات التعاون المشترك وتبادل الإمكانات والقدرات.


ويرى مراقبون أن هناك جدوى اقتصادية وسياسية لخط الأنابيب النفطي الذي يخرج من البصرة العراقية إلى العقبة الأردنية ثم إلى مصر، حيث يساعد على تصدير النفط العراقي بعيدا عن التوترات الموجودة في الخليج العربي، كما أن هناك تهديدات للتصدير عبر سوريا نتيجة الأوضاع الراهنة.


ويمثل وصول النفط العراقي إلى الموانئ المصرية قيمة مضافة، عن طريق تكرير النفط الخام وتصديره كمشتقات بترولية وأيضا توفير احتياجات الدولة المصرية بالإضافة إلى رسم المرور الذي سنحصل عليه، وهذا يعود بالفائدة على مصر وعلى العراق، كما أن هذا الخط يتيح للأردن تأمين احتياجاته من النفط بأي كميات، كما أن الفائدة الكبرى للعراق هو تأمين صادراته النفطية، الأمر الذي يعني عدم توقف واردات النقد الأجنبي.


كما أن العمل في هذا الخط لن يستغرق وقتا طويلا، لأن ما سيتم هو استكمالات فقط، لأن الخط ممتد داخل العراق، وهناك خط موجود بالفعل بين الأردن ومصر، فكل ما سيتم هو عمليات توصيل فنية غير باهظة التكاليف ولن تستغرق وقتا طويلا.


علاقات ضخمة وتاريخية
من جانبه، أكد السفير سيد أبو زيد عمر، سفير مصر السابق في العراق، أنه من الطبيعي أن يحدث هذا التقارب بين القاهرة وبغداد لأن العلاقات ضخمة وتاريخية وهناك صلات على المستويات الرسمية والشعبية وعلاقات مصاهرة بين البلدين تسمح بأن يحدث تنسيق بينهما على الصعيدين العربي والدولي.


وقال في تصريحات صحفية سابقة تعليقا على زخم العلاقات المصرية العراقية، إن التوجه المصري للتحالف مع العواصم العربية القديمة مثل "بغداد" هو توجه منطقي لأنها دول عربية شقيقة وتربطها بمصر علاقات شاملة، مشيرا إلى أن المُخطط السياسي المصري لم يغب عنه أن يظل على ارتباط بهذا المسرح الذي يحارب الإرهاب ويتصدى لأطماع دول الجوار في التدخل في شؤون المنطقة وأيضا لأن مصر ستظل الشقيقة الكبرى للعالم العربي مهما حدث ولن تخذل من يطلب التعاون معها.


وشدد السفير أبو زيد على أن التقارب بين القاهرة وبغداد ليس على حساب أحد وخاصة أن العراق يشهد متغيرات إيجابية حيث تقف جميع مكونات الشعب العراقي خلف الحكومة للتخلص من الإرهاب وهناك رضا شعبي عن هذه التوجهات، مطالبا بألا يحدث تغول من أي مكون في الشعب على غيره من المكونات لضمان استقرار العراق.


وأكد أن مصر هي الدولة الأولى التي نبهت لمخاطر الإرهاب وتصدت له بنجاح والعراق يستعين الآن بالخبرات المصرية في مجال التدريب للتغلب على عناصر داعش التي كانت تسيطر على مناطق واسعة من البلاد.


وأشار إلى أن المصريين كانوا يعاملون معاملة خاصة خلال حكم صدام - حيث عمل سفيرا لمصر هناك - وكانت الشرطة العراقية تحمل منشور تعليمات بمعاملة المصريين كأبناء صدام "عدي وقصي"، وحتى خلال برنامج النفط مقابل الغذاء كان صدام يعطي الشركات المصرية أولوية التبادل، لافتا إلى أن معظم العراقيين مصريو الهوى.


وحول التدخلات التركية في العراق أوضح أبو زيد أن التعاون المصري العراقي قد يمكًن العراق من الحفاظ على حقوقه بعد أن اخترقت تركيا الحدود بما يعد نوعا من التبجح السياسي رغم أن العراق طالب المجتمع الدولي بانسحاب تركيا وعدم التدخل في شئونه.


واختتم السفير سيد أبو زيد كلامه بأن العراق يحتاج للشركات المصرية لإعادة الإعمار في المناطق المدمرة وخاصة في الموصل والاستثمار في مجال الطاقة بقوة ،موضحا أن الموصل ستكون البداية بعد تحريرها.


الطرف المحايد
من جهتهم، أكد مراقبون أن مصر هي الطرف المحايد الوحيد في المنطقة التي ساعدت وتساعد دولها على استعادة استقرارها في ظل صراع على بسط النفوذ بين دول الإقليم، خاصة من قبل تركيا وإيران كل حسب هواه، والقاهرة تعود اليوم من جديد لتطرح نفسها كصمام أمان للجميع. ولتبرهن أنها مازالت لديها القوة الكافية للحفاظ على ما تبقى من كيانات الدول وحفظ هويتها الوطنية والقومية.


وأوضح المراقبون أن ملامح مصر العصرية بدأت تتشكل داخليا وإقليميا ودوليا، على جميع المستويات، وتظهر قوة الدولة المصرية الفاعلة القادرة على الوفاء بالتزاماتها القومية في حماية محيطها الإقليمي من التهديدات الخارجية.


وشددوا على أن القاهرة تتحرك الآن لإرساء نظام أمن عربي قوي يوفر الاستقرار للدول العربية من خلال العمل على فكرة الأمن الجماعي، حيث ترفض مصر التقوقع مرة أخرى - داخل حدودها - وتعود من جديد وبقوة لممارسة دورها الاستراتيجي في المنطقة، بثقلها السياسي والعسكري.


واختتم المراقبون التصريحات بأن عودة مصر إلى الساحة واقترابها من المناطق الساخنة ربما يكون بداية عودة المنطقة للاستقرار من جديد، وخروج الجميع من فخ الطائفية.



لماذا العراق؟
وتعد مصر أكبر داعم لوحدة وسيادة العراق على كامل أراضيه، ومساندة جميع الجهود الرامية إلى استعادة الأمن والاستقرار في البلد الشقيق والتصدي لمحاولات بث الفرقة والانقسام بين مكونات الشعب العر اقي، فالعراق وطن لكافة العراقيين دون تمييز بين ديانة أو طائفة أو عرق


وبحسب اللواء عبد المحسن أبو النور، الملحق العسكرى المصرى فى السفارة المصرية بدمشق، فى تقريره السري إلى الخارجية المصرية فى 25 سبتمبر 1958، قال: "يقع العراق فى أقصى الشمال الشرقى للدول العربية كلها؛ وعلى هذا يعد العراق الخط الدفاعى الشرقى للعالم العربى، وإن أية سيطرة خارجية عليه وأى تطور سياسي يؤثر مباشرة على الجمهورية العربية المتحدة - مصر وسوريا وقتها".