الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

المستشار سُليمان عبدالغفار يَكْتُب: ماذا لَوْ عادَ المَسيحْ عَلَيْهِ السَّلامْ ؟!

صدى البلد

 

بُعِثَ "السَيِّدِ المَسيح عَليْهِ السَلام" في عَصْرٍ غَلَبَ عَليْهِ البُهْتان والظُلْم، وطَغَتْ فيهِ المَظاهِر على كُلِّ شئ – فَكانَ النَّاس يَتَهافَتونَ على زينَةِ الخارِج، ولا قيمة لِجَوْهَرِ الداخِل في نَظَرِهِم – فَضْلًا عَنْ تَناقُضات الأوْضاع التي جَعَلَتْهُم يَنْقَسِمون إلى فَريقَيْن "سادة وعَبيد" فالأسْياد يَمْلِكونَ الثَرْوة ويَعيشونَ حياةَ التَرَفْ – بَيْنَما الأرِقَّاءْ والعَبيد يُعانونَ الشَقاءَ والفَقْر – فالرفاهية والراحة في جانِب – والفاقَه والإرهاق في جانِبٍ آخَر ...!؟! – ليؤَدِّي ذَلِكَ الوَضْعِ إلى إصابة نُظُمِ المُجْتَمَع بِالجُمود – لاسيَّما جُمود الشَرائِع والقوانين – فالعَقائِدِ الوَثَنية في الدولة الرومانية تَحَجَّرَتْ مِثْلَما تَحَجَّرَتْ العَقائِدِ الكِتابية بَيْنَ الطوائِفِ اليهودية ...!؟! لِتَسود ذَلِكَ العَصْر آفَة التناحُر والتَعَصُّب كُلَّ شئ – تَناحُرْ بَيْنَ الأغْنياء على حيازةِ الأمْوال، وتَناحُر بَيْنَ رِجالِ الدِّين المُتَشَبِّثين بِظاهِرِ النُصوص ومَراسِمِ الشَريعة، وتَعَصُّبِهِم لِتأويلاتِهِم المُتَباينة بَعيدًا عَنْ روحِ العَقيدة ...!؟! فَجاءَتْ دَعْوةِ "المَسيح" عَليْهِ السَلام لِتؤكِّد على أنَّ الإنْسانَ خاسِرٌ إذا مَلَكَ الدُّنْيا بِأسْرِها وخَسِرَ نَفْسَهُ، وأنَّ مَلَكوت السَماء مَكانَهُ الضَمير، ولَيْسَ المَمالِك والقُصور ...!؟!.

وَصَفَ "السَيِّدِ المَسيح" نَفْسَهُ  بِأنَّهُ "وَديعٌ مُتواضِعُ القَلْب" – فَكانَ يؤَكِّد على أنَّ الوداعةَ هى مُفْتاحِ السَماء، فَلا يَدْخُلَها غَيْرَ الوَدْعاء – تَمَثَّلَتْ هذهِ الوَداعة في الكَثير مِنْ أقْوالِهِ وأفْعالِهِ التي بَلَغَتِ الغاية في الرَحْمة بِالخاطِئين والعاثِرين – إلَّا أنَّ هذا الرَسول الرَحيم كانَ يَعْرِفُ الغَضَب إنْ ضاعَتِ الرأْفَة أوْ غابَتِ الرَحْمة عَنِ الأيْتام والمَقْهورين – فَكانَتْ دَعْوَتَهُ تَقوم على الإخاء والسَلام، لاقْتِلاع جُذورِ البَغْضاءِ والظُلْمِ التي يُكِنُّها الأقوياء والمُتَغَطْرِسين بِحَقِّ الضُعَفاء – ليؤَكِّد على حَقِّ كُلِّ إنْسان في حياةٍ طَيِّبة لا تَقِفُ عِنْدَ حُدودِ المأْكَلْ والمَشْرَب، أو إقامة مَحاريبِ العِبادة والسَعيِ إلى اكْتِنازِ المال !؟! – فَلَمْ تَكُنْ دَعْوَتَهُ لِمُلْكٍ يَزولْ، إنَّما لِمَلَكوتٍ يَدومْ ...!؟! – ليوَضِّح أنَّ ما كانَ لِقَيْصَرٍ فَهوَ لِقَيْصَر، وأنَّ ماكانَ لله فَهوَ لله ...!؟! – بَيْنَما تَجَلَّتْ سَماحَتَهُ في أنَّهُ كانَ يَمْشي مَعَ الصالحين والخاطِئين – يَشْهَدُ الأعْراس والوَلائِم، ولا يُرُدُّ دَعْوة أو تَحيِّة صادرة مِنْ قَلْبٍ كَريم – لَكِنْ سَمَحاتَهُ اصْطَدَمَتْ بِعماية العِنادِ والغُرور، وجَهالة المرائين، والجامدين مِنْ المُتَشَدِّدين ...!؟!.

لَقيَتْ دَعْوة "المَسيح" عَليْهِ السَلام إلى المَحَبَّة والتَسامُح إعْراضًا وعَداوةً مِنْ طوائِفِ اليَهودِ وكانَ أكْثَر ما يُثيرُ حُنْقِهِم عَليْه تَبْشيرِهِ بِالتَوْبة والغُفْران لِمُرْتَكِبي الخَطايا إنْ خَلُصَتْ نواياهُم لله – لِهَذا لَمْ تَتَوَقَّف مُحاولاتِهِم التي تَرْمي لِإحْراجِهِ بِإثْباتِ مُخالَفَتِهِ لِلشَرائِعِ الدينية والقوانينِ السياسية المَعْمول بِها – أو الإفْتاء بِرأيٍ يُخالِفُ ما يدْعو إليْهِ مِنْ آدابِ الرَحْمة ووَصايا السَماحة والخَيْر – فأوْعَزوا ذاتَ مَرَّةٍ إلى كَتَبَةِ المَعْبَد وطائِفة الفَريسيين المُتَشَدِّدين أنْ يَقْتَحِموا عَليْهِ دَرْسَهُ في الهَيْكَلْ، ومَعَهُم إمْرأة يَدْفَعونَها إلى وَسَطِ الحَلَقة وراحوا يَتَصايَحون قائِلين "أيُّها المُعَلِّم: هذهِ المَرْأة تَمَّ أخْذَها وهي تَزْني – وقَدْ أوْصانا "موسى" أنْ تُرْجَمْ الزانية – فَماذا تَقولُ أنْت ...؟!؟ – أدْرَكَ "السَيِّدِ المَسيح" ما يُريدون !؟! .... فَماذا يَقولْ – ولَيْسَ لَهُ مِنْ سُلْطة !؟!... ومابالَهُم يَسْتأذِنونَهُ – وهوَ لا يَمْلِكُ مَنْعَهُم مِنَ الذَهاب بِها إلى قُضاتِها المُكَلَّفين بِالنَظَر في مِثْلِ تِلْكَ القَضايا ...!؟!.

كانَتْ المَكيدة مُدَبَّرة بِإحْكام – لَكِنَّها كانَتْ مَكْشوفةً – لأنَّهُم كانوا يَقْصدون بِها إحْراجَهُ ... وظَنُّوا أنَّهُ لا مَخْرَجَ لَهُ مِنْ كَيْدِهِم !؟!... فإنْ قالَ ارْجُموها – فإنَّهُ حَقُّ الولاية الذي لَيْسَ لَهُ – لأنَّهُ كانَ يَرْفُضُ الاقْتِراب مِنَ السُّلْطة – وإنْ قالَ اطْلقوها – فَتِلْكَ "شَريعة موسى" يُنْكِرُها في قَلْبِ الهَيْكَلْ !؟! – فَكَيْفَ يَكونُ الخَلاصُ إذَنْ مِنْ هذا المأزَق المَكْشوف ؟!؟ – لَبِثوا يَتَرَقَّبون كَيْفَ يُمْكِنَهُ الخُروج مِنَ الموقِفِ الذي دَفَعوهُ إليْه ...!؟! – وما إنْ فَرَغوا مِنْ جَلَبةِ الأسْئِلة – وَقَفَ عَليْهِ السَلام قائِمًا يَرُدُّ عَلَيْهِم رياءَهُم وبُهْتَناهُم ليَقولَ لَهُم ... " مَنْ كانَ مِنْكُمْ بِلا خَطيئةٍ فَلْيَتَقَدَّمْ وليَرْمِها بِحَجَرْ ..." – وهَكَذا لَمْ يَنْقُضْ بِقَوْلِهِ "شَريعة موسى"، ولَمْ يَدَّعي تَنْفيذَها، ولَمْ يُجامِل رياءَهُم – إنَّما جاءَ رَدَّهُ ليُصيبَهُم بِالحيرة والخَجَلْ !؟! – تَرَكَهُم ليَنْصَرِفوا بِخِزْيِهِم، وبَقيَتْ المَرْأة المِسْكينة واقِفة وَحْدَها أمامَهُ لا تَدْري ما يَفْعَلُ بِها !؟! – فَسألَها سؤالَ العارِف ... أيْنَ المُشْتَكون مِنْكِ؟ - هَلْ مِنْ أحَدٍ أدانِكْ؟ - قالَتْ: لا أَحَدْ أيُّها السيِّد – فأرْسَلَها وهو يَقولُ لَها – ولا أنا أدينُكِ – فاذْهَبي ولا تُخْطِئي ...!؟! – أرادوا إحْراجَهُ – لَكِنَّهُ كَشَفَ عَنْ تَقْواهُمِ المُزَيَّفة !؟! – لأنَّ الرَسولُ المُبَشِّرُ بِالخَلاصِ والنَجاة يَرى أنَّ المُتَّهَمينَ هُمْ أوْلى النَّاس بِالعَطْفِ والرَحْمَة والإنْقاذ في أحْضانِ الدَعْوة الجَديدة.

كانَتْ دَعْوَتُهُ عَلَيْهِ السَلام هى "الحُبْ" فَلَمْ يأْتِ بِنُصوصٍ جَديدة – بَلْ عَمَدَ إلى إعادَة تَفْسيرِ الشَريعة القائِمة التي أصابَها الجُمود على أيْدي المُتَشَدِّدين مِنْ رِجالِ الدين الذينَ يَحْكُمونَ بِظاهِرِ الشَرْع، فَغابَتِ الرَحْمة وعَمَّ الجور والظُلْم – فَراحَ يَدْعو الجَميع إلى المَحبَّة "... أحِبَّوا أعْداءَكُم ... بارِكوا لاعِنيكُم ... أحْسِنوا إلى مُبْغِضيكُم ... إغْفِروا لِمَنْ يُسيئُ إليْكُم ويَطْرُدَكُم – فإنَّ الله يُطْلِعُ شَمْسَهُ على الأشْرارِ والصالحين ... ويُرْسِلُ غَيْثَهُ لِلأبْرارِ والظالِمين !؟!... فَأيُّ أجْرٍ لَكُمْ و أحْبَبْتُمْ مَنْ يُحِبُّونَكُمْ ...!؟! – تَعَلَّقوا بِالكَمالِ لأنَّ الله كامِلٌ يُحِبُّ الكَمال ..." – فَهَلْ هُناكَ دَرَجَةً مِنْ دَرَجاتِ الحُبِّ تَعْلو هذهِ الدَعْوة إلى المَحَبَّة ...!؟! – فَكانتْ شَريعَتُهُ عَلَيْهِ السَلام – هي شَريعة الحُبِّ والضَمير – في مواجَهة شَريعةِ الكِبْرِ والرياءْ – التي تَزْهو بِالنَفْسِ وتَتجاهَلِ الوَصايا الإلَهية بِعَدَمِ التَعالي على النَّاس – وقُبولِ أعْذارَهُم والشَفَقة عَليْهِم والرَحْمَة بِهِمْ ...!؟!.

جاءَتْ دَعْوَة "المَسيحْ – عَلَيْهِ السَلامْ – " لِإعادَة الحياة لِلديانة اليَهودية، والقَضاء على دَعاوي العُنْصُرية بِادِّعاءِ الإسْرائيليين أنَّهُمْ "شَعْب الله المُخْتار" فَلَيْسَ هُناكَ مَنْ يَتَمَتَّعْ بِالحُظْوَة في مَلَكوتِ السَماء – لأنَّ مَحَبَّة الله تَشْمَل الجَميع. وإذا كانَ المَسيحْ لَمْ يُبْدِعُ تَشْريعًا جَديدًا لِتَنْظيم سُلوكِ النَّاس وعلاقاتِهِمْ، إلَّا أنَّهُ أبْدَعَ المَحَبَّة ونادَى بِالبِرِّ والتَعاطُفِ وإعْلاءِ الفَضائِلِ الإنْسانية – فَكانَتْ دَعْوَته أشْبَهُ ما تَكون بِعاصِفة لِتَقْويض مادية العالم الروماني، والقَضاء على أنانيةِ اليَهود وأطْماعِهِم – إلَّا أنْ أتْباع المَسيحِ لَمْ يَكونوا أوْفياء لِتَعاليمِهْ – فَقَدْ تَفَرَّقوا مَذاهِب شَتَّى وأخْفَقوا في تَحقيقِ رِسالَتِهِ – فَحينَ آلَ إليْهِم الأمْر بَعْد اعْتِناقِ الرومانِ المَسيحية، أنْزِلوا بِالمُخالفينَ لَهُم مُخْتَلف أشْكالِ الاضْطِهادِ والتَنْكيل – سواءً كانوا وثَنيين أو يَهودًا أو مُسْلمين – وحَتَّى مَنِ اعْتَنَقَ مَذاهِب أُخْرى غَيْر "الكاثولوكية" مِثْلَما جَرى مِن اسْتِباحة الحملة الصَليبية الثالِثة لِمَدينة "القُسْطَنْطينية" في إطارِ العَداء لِلأرْثوذُكْس مِنْ أتْباعِ الكَنيسة الشَرْقية ...!؟!... وفي العَصْرِ الحَديث عَمَدَتْ "الحَضارة الغَرْبية" إلى تَحْويلِ "الديانة المَسيحية" عَنْ طَبيعَتِها الصوفية المُسالِمة، وأخْرَجِتْها عَنْ رِسالَتِها التي وَقَفَتْ عِنْدَ حُدود "خَلاص الروح ومَمْلَكَةِ السَّماء" وتَطْويعها إلى نَزْعة لِلصِراعاتِ الدُنْيوية التي سادَتْ مُمارَساتِها المادِّية لِتَبْرير عُدْوانِها على غَيْرِها والانْخِراط في حُروب لا نِهاية لَها ...!؟!.


في روايَتِهِ الشَهيرة "الإخْوة الأعْداء" التي كَتَبَها في الرُبِّعِ الأخير مِنَ القَرْنِ التاسِعَ عَشْر – تَخَيَّلَ الأديبُ الروسي الكَبير "تيودورديستوفسكي" على لِسانِ أحَد شَخْصياتِ الرواية – عَوْدَةِ السيِّدِ المَسيح في زيارَةٍ عابِرة لِمَدينة "أشْبيلية" بِالأراضي الإسْبانية – إبان سَطْوة "مَحاكِمِ التَفْتيش" التي كانَتْ تُجْبِر المُسْلمين واليَهود على التَنَصُّر وإلَّا تَعَرَّضوا لِلْقَتْلِ والتَعْذيب – في أعْقابِ سُقوطِ الحُكْمِ الإسْلامي في بِلادِ الأنْدَلُس ...!؟! – يَقولُ الكاتِب – نَزَلَ السَيِّدِ المَسيح المَدينة لِتَقْديم وَصاياهُ لِلنَّاس وصُنْعِ المُعْجِزات – فأقْبَلَ عَليْهِ الضِعاف والمَرْضى والمَحْزونون يَلْثَمونَ قَدَميْهِ ويَسْألونَهُ الرَحمة والعَون – وبَيْنَما يَمْضي عَلَيْهِ السَلام بَيْنَ الناس يُضْفي عَلَيْهِم مِنْ مَحَبَّتِهِ ورأفَتِهِ، ويَعْرِضونَ عَليْهِ مَخاوِفَهُم وشكاياتِهِم- إذا بِرَئيس ديوانِ التَفْتيش "المُفَتِّش الأكْبَر" يَمُرُّ بِالمَكان ليَقِفْ بُرْهةً يَتَأمَّل "السيد" والشَعْبِ مِنْ حَوْلِهِ – ثُمَّ يُشيرُ إلى الحُرَّاس ويأْمُرُهُمْ بِاعتِقالِهِ – ليودِعوهُ حُجْرةِ السُجَناءْ في انْتِظارِ التَحْقيق ...!؟! – عِنْدَ المَساء يَذْهَبُ المُفَتِّش الأكْبَر إلى حُجْرَةِ التَحْقيق ويَقول لِلرَسولِ الكَريم "... إنَّني أعْرِفُكَ ولا أجْهَلُكْ – ولِهَذا حَبَسْتُك – إنَّما لِماذا جِئْتَ إلى هُنا ؟... إنَّكَ تَعوقُ عَمَلَنا وتُلْقي العَثَرات في طَريقِنا !؟! – لَقَدْ كَلَّفْتَ النَّاس ما لا طاقةَ لَهُم بِهِ – كَلَّفْتَهُم حُرِّية الضَمير والقُدْرة على التَمْييز بَيْنَ الخَيْرِ والشَرِّ – لَهُم ولِغَيْرِهِم – لَكِنَّهُم يُعانونَ الشَقاء بِما طَلَبْتَ مِنْهُم – بَيْنَما عَرِفْنا نَحْنُ داءَهُم وأعْفَيْناهُم مِنْ ذَلِكَ التَكْليف – فَقَدْ أعَدْناهُم مَرَّةً أُخْرى إلى ظاهِرِ الشَرائِع والشَعائِر – فَلِماذا تَعودُ إليْنا لِتَقْطَعْ عَليْنا طَريقَنا وتُحَدِّثُهُم مِنْ جَديد عَنْ حُرِّيَة الاخْتيار و حُرِّيةِ الضَميرْ ...؟!؟.
... اسْتَمَرَّ "المُفَتِّش الأكْبَرْ" في حَديثِهِ الذي يَلومُ فيهِ "السيِّدِ المَسيح" لِعَوْدَتِهِ مَرَّةً أُخْرى لِدَفْعِ الإنْسان إلى إمْعانِ النَظَر والتَطَلُّع إلى المَعْرِفة، وأنْ يَخْتارَ لِنَفْسِهِ ما يُريد – وهوَ لا يَعْلَمُ ما يُريد !؟! – لِتَرْتَفِعَ نَبْرَتَهُ بِالتَهْديد في مواجَهة "المَسيحْ" بِقَوْلِهِ: "... لَقَدْ مَنَحَتْنا السُلْطة قَديمًا، ولَيْسَ لَكَ أنْ تَسْتَرَدَّها الآن – ولا نَعْتَزِمُ التنازُلَ عَنْها !؟! – فَدَعْ هذا الإنْسانُ لَنا وارْجِع مِنْ حَيْثُ أتيتْ – وإلاَّ أسْلَمْنالكَ غَدًا لِهَذا الإنْسان – وسَلَّطْناهُ عَليْك ...!؟! – وحاسَبْناكَ بِآياتِكْ ... وأخَذْناكَ بِمُعْجِزاتِكْ ...!؟! – لِتَرى هذا الشَعْب الذي لَثَمَ قَدَميْكَ اليوم – مُقْبِلًا عليْنا غَدًا، مُبْتَهِلًا لَنا أنْ نُخَلِّصَهُ مِنْكَ، وأنْ نُدينَكَ مِثْلَما نُدينُ الضَحايا مِمَّنْ قَضَيْنا عَلَيْهِم بِالتَعْذيب – والتَحْريق ..." – يَقولُ "دستوفسكي" على لِسانِ بَطَلِ روايَتِهِ "ايڤان كرامزوف" الذي تَخَيَّلَ هذا اللِقاء وأدارَ ذَلِكَ الحِوار – "... إنَّ السَيِّدَ المَسيح" لَمْ يَنْبِس بِكَلِمة، ولَمْ يُقابِل هذا الوَعيد بِعُبوسٍ أو غَضَبْ – إنَّما تَقَدَّمَ إلى كَبيرِ المُفَتِّشين – وهوَ شَيْخٌ فانٍ في التِسْعينَ مِنَ العُمْرْ – فَلَثَمَ وَجْنَتيهِ ... وخَرَجَ إلى ظَلامِ المَدينة – وغابَ عَنِ الأنْظارْ ...!؟!".

فَماذا لوْ تَخيَّلْنا عَوْدة "السَيِّدِ المَسيح" إلى عالَمِ اليَوْم...؟!؟ – لَسَوْفَ يَجِدُ "الإمبراطورية الأمْريكية" قَدِ اسْتَوْلَتْ على ميراثِ "الإمبراطورية الرومانية" في الهَيْمَنة والنُفوذ – واسْتِخْدامِ القوة والبَطْش لِإخْضاعِ مَنْ يُخالِفُها الرأْي ...!؟! – ويَتَعَجَّبُ أكْثَرْ عِنْدَما يَرى أنَّ "طوائِف بَني اسرائيل" تَجَمَّعَتْ حَوْلَ "المَدينة المُقَدَّسة" لِتُقيمَ دَوْلَتَها المُدَجَّجَة بِالسِّلاحِ على أشْلاءِ غَيْرِها ...!؟!... بَيْنَما تَكونُ دَهْشَتَهُ أكْبَرْ لِتَدّنِّي أحْوالِ أتْباع "نَبيِّ الإسْلام الكَريم" الذي بَشَّرَ بِهِ في الإنْجيل – وكَيْفَ أنَّهُم تَخَلُّوا عَنْ رِسالَتِهِمْ التي أتّمَّتِ الدينْ – وأهْمَلوا دُوْرَهُم في نَشْرِ قيَمِها النَبيلة التي تَدْعو إلى الحُرِّية وإقامَةِ العَدْل ...!؟! – فَباتوا مُتَفَرِّقين – لا يَخْتَلِفون عَنْ أسْلافِهِم قَبْلَ سُقوط دَوْلَتِهِم في الأنْدَلُسْ التي تَناثَرَتْ دويْلاتٍ صَغيرة تَتَصارَعْ فيما بَيْنَها وتَتَحالَفُ مَعْ أعْدائِها ...!؟!" – ليَتَحَوَّلَ "الشَرْق" مُسْتَوْدَعِ الحِكْمة ومَهْبَطِ الأدْيانِ إلى تابِعٍ لِتَقاليد وسُلوكياتِ "الغَرْب" بِكُلِّ ما فيها مِنْ غُرورٍ وجَشَعٍ وأنانية وعُدْوان – بَعْدَ اسْتِبْدالِهِ "وَصايا المَسيحْ" بِتَعاليم "ميكياڤيللي" ونَهْجِها في تَحْقيقِ الغاية دونَ اعْتِبارٍ لِلوَسيلة – وإعْلانِهِ القَطيعة مَعْ هَدْيِ السَماء ...!؟!... أطّلَّ "السَيِّدِ المَسيحْ" على مَشْهَدِ العالَمِ البائِس – رَغْمَ بَريقِ المَظاهِر وزيفِ المَشاعِرْ !؟! – ليَتَّخِذَ قَرارَهُ بِعَدَمِ مُقابَلة أحَد – عِنْدَما شاهَدَ "ميكروبًا ضَئيلًا" يُطْلِقونَ عَلَيْهِ "كورونا" وقَدْ راحَ يَحْصُدُ الأرْواحَ في كُلِّ مَكان – مُتَحَدِّيًا طُغْيان وجَبَروت "حَضارةِ العَصْر" ...!؟! – وقَبْلَ أنْ يُغادِر عَلَيْهِ السَلام ... تَمْتَمَ بَيْنَهُ وبَيْنَ نَفْسَهُ بِكَلِماتٍ – وقَدْ غَمَرَهُ الشُعور بِالأسَى على مَصيرِ الإنْسانْ ...!؟!... "لَمْ تَكُنْ الأُمور بِكُلِّ هذا السوء إبانَ البِعْثَةَ الأوْلى – !؟!... لِماذا تَجاهَلْتُمْ دَعْوَتي لَكُمْ "بِالتَراحُم والمَحَبَّة والتَسامُحْ" فيما بَيْنَكُم ؟!؟... – وعادَ أدْراجَهُ في سَلام ...!؟!".