الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

فضل السعي بالإصلاح بين المتخاصمين

الإصلاح بين المتخاصمين
الإصلاح بين المتخاصمين

فضل السعي بالإصلاح بين المتخاصمين .. السعي لتوحيد الكلمة وترابط القلوب من أفضل الأعمال؛ فهو سبيل المحبة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة»، قالوا: بلى، قال: «صلاح ذات البين» رواه الترمذي. 

قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حرص على وحدة المسلمين، ونبه على أن الصلح بين المتخاصمين من أفضل الأعمال. فقال: «ما عمل ابن آدم شيئًا أفضل من الصلاة وصلاح ذات البين وخلق حسن».

وأضاف «جمعة» عبر صفحته على «فيسبوك»، أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- باشر بنفسه حين تنازع أهل قباء فندب أصحابه وقال: «اذهبوا بنا نصلح بينهم» (البخاري)، وكذلك كان أصحابه رضوان الله عليهم، فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوصي من يوليه ويقول: «رُدُّوا الْخُصُومَ حَتَّى يَصْطَلِحُوا ، فَإِنَّ فَصْلَ الْقَضَاءِ يُورِثُ الضَّغَائِنَ بَيْنَ النَّاسِ».

وتابع: والسلف رحمهم الله كانوا حريصين على هذا الخير ساعين فيه، يقول الإمام الأوزاعي رحمه الله: ما من خطوة أحب إلى الله عز وجل من خطوة في إصلاح ذات البين، وكان الرجال العظام والمشايخ وأصحاب الجاه في السابق من أفراد كل قرية يندبون أنفسهم لهذا العمل ويعتبرونه من تمام الشرف والعز.

وتابع: ولم يقتصر الصلح على المسلمين فيما بينهم، بل شمل أبناء الوطن الواحد ولو كانوا غير مسلمين، اقتداء بما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- حين باع ليهودي تمرًا بثمن معلوم على أن يسلمه له بعد مدة، فاستعجل اليهودي التمر قبل حلول الأجل، وعامل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما لا يليق، حتى همّ عمر بن الخطاب بإيذائه، فخاف الرجل، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمر: «أنا وهو كنا إلى غير هذا منك أحوج، أن تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن التباعة، اذهب به يا عمر فاقضه حقه وزده عشرين صاعا من تمر مكان ما روعته» (سنن البيهقي).

ونصح بأنه في هذا الزمان تتأكد أهمية السعي لإصلاح ذات البين الذين كان وظيفة الأنبياء والعلماء والصالحين، والذي كان عادة للمشايخ وكبار القوم، وكان هدفًا ومقصدًا لكل صالح مصلح محب للخير بين الناس، ومريد لجلب المودة والتآلف بين القلوب.

وأكد أن الله عز وجل شرع في دينه من الأحكام ما يؤدي إلى تماسك المجتمع، وندب إليها، وسن رسول -صلى الله عليه وسلم- ما يزيل الضرر عن الفرد والمجتمع، وحث المسلمين على التمسك بوحدة مجتمعهم، وأكد أن الطريق إلى ذلك التماسك بين فئات المجتمع المختلفة هو اتباع السبل التي ندب إليها الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، ومن أهمها السعي بالإصلاح بين الناس، مع إخلاص النية وإيكال الأمر إلى الله تعالى والتيقن من أن التوفيق بيده «وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ».


فضل التعاون بين الناس
أفاد مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف، بأن من أهم دعائم المجتمع الصالح الذي ينشده الإسلام، ويدعو إليه، ويحث عليه أن تسود بين أفراده المحبة والإخاء، والصدق والإخلاص، والتعاون على البر والتقوى.

وأوضح «البحوث الإسلامية» في فتوى سابقة له، أن المتأمل في الشعائر التي يقوم بها المسلم، ويُطالب بأدائها يجد أنها تؤكد على هذه المعاني، وتُدَرِّب المسلم على التخلق بها.

وأضاف مجمع البحوث بالأزهر: "مثل العبادات شرعت فيها الجماعات لتأليف القلوب ونبذ الخلافات، وأن يُرى المسلم بين إخوانه على قلب رجل واحد، وفي جانب المعاملات حَرَّمَ الإسلام كل ما يجلب الخلاف، وينشر الأحقاد، ووضع الإسلام مبدأ عامًا في المعاملات: أن كل ما أدى إلى النزاع والخلاف منهي عنه شرعًا".

وأشار إلى أنه كثيرًا ما نجد الشيطان ينزغ بين بني الإنسان بغية الوقيعة بينهم، وإفساد ذات البين، قال – تعالى -: {إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا} [الإسراء: 53]، وقال - صلى الله عليه وسلم- –: {إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ}، رواه مسلم.

وشرح معنى قوله – صلى الله عليه وسلم -: {وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ}: أي أن الشيطان يسعي بين الناس بالخصومات والشحناء والحروب والفتن وغيرها، فيحدث الخلاف والنزاع، ويكون الخصام استجابة لفعل الشيطان، وطبقًا لما يفرضه علينا ديننا أن نسعى بالصلح والتوفيق بين المتخاصمين والإصلاح بينهم، لكي نُفَوِّت على الشيطان غوايته وإفساده بين بنى البشر.


ولفت إلى أن وذلك استجابة لنداء الرحمن: «فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» [الأنفال: 1]، وقوله: «وَالصُّلْحُ خَيْرٌ» [النساء: 128]، وقوله: «لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا» [النساء: 114].

وأكمل: بل أباح الإسلام في الإصلاح بين الناس كل كلمة طيبة تثلج الصدور وترفع الضغائن والأحقاد، وإن كانت في أرض الواقع ليس لها وجودًا، فقال – صلى الله عليه وسلم -: {لَيْسَ الكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، فَيَنْمِي خَيْرًا، أَوْ يَقُولُ خَيْرًا}، متفق عليه؛ فيجب أن يكون من يقوم بالإصلاح غير مراء أو طالب رياسة، وأن يتحلى بأخلاق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في إصلاحه بين الناس، مذكرًا المتخاصمين عاقبة الظلم، مبينًّا فضل العفو.


واستشهد بما روى عن أُمِّ سَلَمةَ- رضي اللَّه عنها-: أَنَّ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِنَّمَا أَنَا بشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ؛ فأَقْضِي لَهُ بِنحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بحَقِّ أَخِيهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ»، مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، مبينًا: «رتب الشرع الحكيم على الإصلاح بين الناس أجورًا عظيمة، فقال- عليه الصلاة والسلام - لأبي أيوب -رضي الله عنه-: «يَا أَبَا أَيُّوبَ، أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى صَدَقَةٍ يُحِبُّهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ: تُصْلِحُ بَيْنَ الناس إذا تباغضوا، وتفاسدوا»، رواه الطبراني (4/ 138).

وأردف: كما رتب الإسلام عظيم الأجر على الإصلاح بين الناس، فقد بين عظيم الإثم والوز على الشقاق والنزاع، فقال – صلى الله عليه وسلم-: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ»، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: «صَلَاحُ ذَاتِ البَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ البَيْنِ هِيَ الحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ»، رواه الترمذي، مختتمًا: الإصلاح بين الناس له فضل عظيم، وأجر جزيل صاحبه مثاب، ومرفع الدرجات،  فاللهم ألف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام.