الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

من عالم ومغامرات مع البسلة إلى رئيس دير.. من هو أبو علم الوراثة؟

مندل - أبو علم الوراثة
مندل - أبو علم الوراثة

يعتبر غريغور يوهان مندل راهبٌ أوغاستيني وعالمٌ نمساوي وهومؤسس علم الوراثة الحديث، فقد وُلد  في بلدة هيندزدورف على الحدود المورافيا-سيليزية في الإمبراطورية النمساوية التي أصبحت الآن جزءًا من جمهورية التشيك و كان والداه أنطون وروزين مندل مزارعان يعملان في مزرعةٍ تابعةٍ لعائلة مندل منذ 130 عام. 

امتلك مندل أختان فيرونيكا وتيريزياو عمل خلال طفولته كبستانيٍ ودرس تربية النحل ودرس  الفلسفة والفيزياء العملية والنظرية في المعهد الفلسفي بجامعة أولوموك من عام 1840 إلى عام 1843 وتوقف سنةً أخرى بسبب المرض. كافح أيضًا ماليًا لدفع تكاليف دراسته وأعطته أخته تيريزيا مهرها وساعد مندل أبناء أخته الثلاث فيما بعد في دراستهم حيث أصبح اثنان منهما أطباء.

ودخل كلية الفلسفة عندما كان عميد قسم التاريخ الطبيعي والزراعة يوهان كارل نستلر الذي أجرى أبحاثًا مكثفة عن الصفات الوراثية للنباتات والحيوانات وخصوصًا الأغنام. ودخل  دير القديس أوغاستينوس في برنو والتي يُطلق عليها برون باللغة الألمانية بناءً على توصية من مدرس الفيزياء فريدريك فرانز، وبدأ تدريباته ككاهن.

وعمل مندل مدرّسًا بديلًا في المدرسة الثانوية ولكنه لم ينجح في الامتحان الذي يخوّله بأن يكون استاذًا مؤهلًا للتعليم في المدرسة الثانوية بشكلٍ رسمي حيث أنه قد  أُرسِل  في عام 1851 إلى جامعة فيينا للدراسة ليتمكن من الحصول على مزيدٍ من التعليم الرسمي ثم عاد إلى الدير في عام 1853 ليبدأ العمل كأستاذ فيزياء.و تقدّم مندل للامتحان مرة ثانية في عام 1853 لكنه لم ينجح به أيضًا.

وتعامل مندل مع سبع صفاتٍ لنباتات البازلاء وهي: طول النبات، شكل ولون الثمرة، شكل ولون البذور، موقع ولون الزهرة و اعتمد مندل على لون البذرة كمثالٍ لنبات البازلاء وأوضح من خلاله أنه عندما هُجِّنت البازلاء الصفراء نقيّة السلالة والبازلاء الخضراء نقيّة السلالة فكانت نتيجة هذا التهجين سلالة ذات بذور صفراء دائمًا.

تُظهر نتيجة التهجين السابق وجود بازلاء خضراء في الجيل الثاني بمعدل واحدة خضراء مقابل 3 صفراء فقد فسّر  هذه الظاهرة عندما صاغ مصطلحي "المتنحية" و "السائدة" في إشارةٍ إلى صفاتٍ معينة، مما يعني أن الصفة الخضراء التي اختفت في الجيل الأول قد تنحّت وسادت مكانها الصفة الصفراء.

لم يُفصَح بأهمية عمل مندل حتى مطلع القرن العشرين والذي يعتبر  أكثر من ثلاثة عقود من وقت ظهورها  مع إعادة اكتشاف قوانينه و تحقق كل من إريك فون تشيرماك، وهوغو دي فريس، وكارل كورينس، وويليام جاسبر سبيلمان بشكلٍ مستقل من العديد من النتائج التجريبية لمندل مستبشرين بالعصر الحديث لعلم الوراثة.


وأُلهم مندل المعروف باسم "أبو علم الوراثة الحديثة" من قبل أساتذته في جامعتي بالاكو وأولوموك (فريدريش فرانز ويوهان كارل نيستلر) وزملاؤه في الدير (مثل فرانز ديبل) لدراسة الاختلاف في النباتات وقد بدأ مندل تجاربه على نباتات البازلاء الصالحة للأكل في عام 1856.

واستقرّ على دراسة الصفات السبعة التي بدت وكأنها متوارثة عن صفاتٍ أخرى بعد إجراء تجارب أوليةٍ على نباتات البازلاء؛ وركز أولًا على شكل البذور والذي كان إما زاويًا أو دائريًا حيث أنه أجرى  دراساتٍ على 28000 نبتة كان قد زرعها ومعظمها من نبات البازلاء بين عامي 1856 و 1863.

وقد أوضحت هذه الدراسات أنه عند تهجين الأنواع المختلفة النقية السلالة (النباتات الطويلة المخصبة مع النباتات القصيرة) تظهر في الجيل الثاني نباتاتٍ تمتاز فيها واحدة من أصل أربعة بصفة متنحية أصيلة، وواحدة أخرى بصفة سائدة، واثنان منها نباتات هجينة. أدت كل هذه الدراسات إلى وضع ما يٌعرف بقوانين الوراثة المندلية.

حيث عمل الإحصائي وعالم الوراثة السكانية فيشر على إعادة بناء تجارب مندل وتحليل نتائج الجيل الثاني ووجد أن نسبة الأنماط السائدة إلى المتنحية مثل البازلاء الخضراء مقابل الصفراء، والبازلاء المستديرة مقابل المجعّدة قريبة من النسبة المتوقعة التي هي من 3 إلى 1

واعتقد فيشر بوجود لغطٍ ما فيما يخص التوافق بين النتائج وتوقعات مندل وظنَّ بوجود نوعٍ من التزوير حيث أدى تحليله إلى ظهور مفارقة مندلية فمن ناحيةٍ ما لا يمكن الشك في صحة بيانات مندل الإحصائية لأنها صحيحة، ولا يمكن الشك في وجود أي احتيال متعمّد أو تغيير غير مقصود لملاحظاته.

وكنوع من التجربة قام العالم مندل بمنع بعض الأزهار من التلقيح الذاتي ونقل حبوب اللقاح بعناية من نبات طويل القامة إلى آخر قصير القامة. وقد فعل نفس الشيء بالنسبة لكل الصفات المنفصلة. ولنا أن نتخيل الدهشة التي أصابته عندما اكتشف أن بعض الصفات قد اختفت. فقد كانت كل الذرية الناتجة من هذه العمليات التهجينية طويلة القامة، وقد كانت كل الأزهار بنفسجية اللون وكل البذور خضراء. عندما زاوج مندل النباتات التي تتميز بصفات متقابلة وجد أن كل الذرية (الجيل الأول) أظهرت صفة واحدة (طويلة القامة) بينما اختفت الصفة المقابلة (قصيرة القامة)، وافترض مندل من هذه التجربة أننا نرث صفة واحدة فقط من أحد الوالدين.

وتعتبر أكثر الأشياء إثارة للدهشة في عمل مندل أنه وضع القوانين الأساسية للوراثة قبل أن يتم التوصل إلى أي معلومات حول الكروموسومات أو الجينات أو الحمض النووي(DNA).

إلا أن مندل قد استمر في تجاربه وقد كانت تجربته التالية هي إنبات البذور التي حصل عليها من نباتات الجيل الأول ومعرفة أي أنواع النباتات ستنتج، وقد كانت نتائج هذه الخطوات مدهشة، فلقد ظهرت في الجيل الثاني تلك الصفات التي اختفت في الجيل الأول لكن ظهورها كان بنسب مختلفة. فقد وجد أن الصفات تظهر بمعدل ¾ للصفة التي ظهرت في الجيل الأول و¼ للصفة التي لم تظهر في الجيل الأول.

وقد أطلق مندل على الصفة التي ظهرت في أفراد الجيل الأول بـالصفة السائدة، والصفة التي اختفت في الجيل الأول ثم عادت للظهور في الجيل الثاني بـالصفة المتنحية.

و  بعد إجرائه العديد من التجارب إستطاع الحصول على النتائج نفسها أن يصوغ أسس الوراثة والتي عرفت بقوانين مندل للوراثة. وما زالت أفكار مندل صحيحة على الرغم من التفسيرات المختلفة التي نتناولها اليوم حول الجينات. وفيما يأتي أسس الوراثة التي بنيت على النتائج التي توصل إليها مندل من تجاربه:



وقد وضع مندل اثنين من القوانين الوراثية سمي القانون الأول بقانون مندل الأول (قانون انعزال الصفات)، والتي تتحدث عن انعزال الأليلين في جين الصفة الواحدة أثناء عملية الانقسام المنصف وتكوين الجاميتات. أما قانون مندل الثاني (قانون التوزيع الحر) والذي ينص على انفصال أليلي الصفة الوراثية وتوزعهما بصورة مستقلة عن أليلي الصفات الأخرى أثناء عملية الانقسام المنصف.

وبعد الانتهاء من تجارب البازيلاء تحولت حياته وتجاربه نحو النحل، لتوسيع عمله انتج سلالة هجينة من النحل (مفرغة بحيث يتم تدميرها)، لكنها فشلت بسبب صعوبة تفسير سلوكيات تزاوج النحل، ووصف أيضا انواع نباتية جديدة، تم اضفت مندل إلى قائمة مختصرات أسماء علماء النبات

وبعد أن ارتقى منصب رئيس الدير في عام 1868، عمله العلمي انتهى إلى حد كبير بسبب المسؤوليات الإدارية المتزايدة خصوصًا الصراع مع الحكومة المدنية التي كانت تفرض رسوم ضرائب على المؤسسات الدينية، في البداية أعمال مندل تم رفضها لكن بعد وفاته أصبحت مقبولة على نطاق واسع حيث كان معظم علماء الأحياء مهتمين بنظرية داروين الخلق التلقائي التي لم تكلل بالنجاح، وتم اكتشاف افكار مندل من عام 1930 إلى 1940 حيث تم توليف افكار مندل مع نظرية داروين.

وتوفي يوم 6 يناير 1884، عن عمر يناهز 61 عاما، في مدينة برنو، مورافيا، النمسا المجر والتي تعتبر الآن جمهورية التشيك، بعد معاناة من التهاب الكلية المزمن، لحن التشيكي ليوش ياناتشيك في جنازته واحرقت جميع اوراقه بعد وفاته.