الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أَرْذَلِ الْعُمُرِ


إنسان ضعفت قوته، وضعفت ذاكرته، أصبح يسأل وينسى، يعيد الكلام عشرات المرات، فيضيق منه أقرب الناس إليه، تلك هى الشيخوخة، مرحلة ثقيلة على من يصل إليها، وعبء ثقيل على من يرعاه: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً..) الروم 54. تتدهور الصحة في تلك المرحلة، ويصاب الإنسان بالنسيان عند الوصول لأرذل العمر: (..وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا) الحج 5، هناك من يتقدم به العمر فيصبح منبوذًا، يكره الناس الجلوس معه، ويؤثر ذلك في نفسيته فيرتد طفلًا غاضبًا: (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ) يس 68.
شاءت حكمة الله أن يولد الإنسان طفلًا لا يعلم شيئًا، ثم يكتسب المعارف والمهارات من خلال الأسرة والمجتمع، ثم يبلغ ويكون شابًا قويًا، ثم يكبر ويكون كهلًا، ثم يميل خطه البياني نحو النزول حتى يصل إلى سن الشيخوخة، وهذا قدر جميع الناس، مهما كانت مكانتهم، ومهما كانوا يملكون من أموال.
ولذلك شاء الله أن يرفع من شأن الإحسان إلى الوالدين ويعطفه على عبادته تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) الإسراء23.
وفي قوله تعالى: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، نجد أن الإحسان للوالدين لا يتم قبوله بواسطة طرف أخر، لأنه يجب على الابن او الابنة أن يخدمهما بذاته، وأن يلبي حاجاتهما بنفسه، إكرامًا لهما.
ولذلك يأمرنا تعالى بالإحسان للوالدين عند الشيخوخة: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا..) الاسراء 23، لو أن الوالدين أو أحدهما مازال في كامل صحته الجسدية والعقلية فلا مشكلة، أما حينما تتقدم السن بالإنسان وتضعف صحته، وينسى كثيرًا، ويتدخل فيما لا يعنيه، وهو يعيش عند أحد أولاده، فالأمر مزعج، ولا بد وقتها من إحسان له ورحمة به .
إذا تضايق أحدنا مما يفعله والداه فليكتم ذلك في نفسه ولا يرد عليهما بغلظة: (..فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) الاسراء 23، ولكن يقول لهما قولًا لينًا، (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) الاسراء 24، ويتواضع لهما رحمة بهما، ويدعو الله أن يرحمهما كما ربياه صغيرًا. 
الفرق بين صحبتنا لأولادنا في الصغر وصحبتنا لوالدينا في الكبر، أننا نحب صحبة أولادنا التي تذكرنا بطفولتنا، أما صحبة والدينا في الشيخوخة فإنها تصيبنا بالملل والضيق، وكلنا ندعو الله أن يطيل عمر أولادنا، وقد يدعو البعض أن يسارع الله بموت والديه ليستريح من متاعبهما. 
إذا طال بأحدنا العمر سيأتي وقت شيخوخته، فعليه العمل لهذا اليوم بأن يحسن معاملة والديه ليحسن أولاده إليه مستقبلًا، والإنسان العاقل هو الذي يتقي الله في شبابه، فالتقوى أقوى، ومن عاش تقيًا عاش قويًا، عن النبي عليه الصلاة والسلام: "اغتنم خمسًا قبل خمس"، منها "شبابك قبل هرمك.."، ونتذكر أن ما نعمله اليوم من خير أو شر سنجد نتيجته غدًا.
وعنه عليه الصلاة والسلام: "من تعلم القرآن متعه الله بعقله حتى يموت"، نتعلم القرآن ونتدبره ونظل على صلة دائمة معه حتى ينعم الله علينا بتمام العقل في شيخوختنا.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط