الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ


 
البعض يزعم أن الله تعالى لا يعلم المستقبل من خلال فهم غير صحيح لآيات القرآن الكريم: (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) آل عمران 140، (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) آل عمران 142، (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ) الحديد 25، وغيرها من الآيات.
لقد قرر الله تعالى أن علمه محيط بكل شيء: (أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) فصلت 54، وسبب هذه الإحاطة مرتبط بملكيته لكل ما في السماوات والأرض وبهيمنته تعالى عليهما: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) الطلاق 12.
والعلم الالهي لا يغيب عنه شيء لأن كل شيء مكتوب: (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ. وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) النمل 74-75.
ومن واقع إحاطته تعالى بكل شيء أخبرنا مقدمًا باستحالة إيمان الكافرين المصممين على كفرهم: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ. وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) الأنفال 22-23. 
ويوم القيامة وهم على مقربة من دخول النار سيتمنون الرجوع الى الدنيا ليؤمنوا، والله بعلمه المحيط يؤكد إنهم لو عادوا للدنيا فسيكفرون: (وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ. بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) الأنعام 27-28.
فإذا كان علم الله محيطًا بكل شيء، فلماذا يقول تعالى: (لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ) المائدة 94، فهل يعنى هذا أن الله يختبر الناس كي يعلم شيئًا لا يعلمه؟. 
والرد أن هذا أسلوب من أساليب القرآن في وصف الطريقة التي يتعامل الله مع البشر بصورة تقريبية، بأن يخاطبهم تعالى بما يدركون، كأن يقول تعالى عن الكافرين: (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا. وَأَكِيدُ كَيْدًا) الطارق 15-16، وصف رده عليهم بنفس الأسلوب وهو الكيد، لأن أفعال الله وصفاته لا يستطيع البشر إدراكها، فيأتي التعبير عنها بالشكل الذى يفهم به البشر ويدركونه. 
وأبرز مثل لهذا تعبير المكر فهم يمكرون والله يصف عقابه لهم بالمكر بهم: (وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ. فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ) النمل 50-51. 
ويأتي هذا النوع من الأساليب في وصف موضوع علم الله فيما يخص الابتلاء والفتنة، وحسب فهم الناس يخبرنا تعالى بأنه يفعل هذا ليعلم الفائز والخاسر، والمعنى أن نعلم نحن من الفائز ومن الخاسر، وهذا الأسلوب هو الأقوى في مجال الوعظ.
ويأتي موضوع الابتلاء صريحًا فالإيمان ليس كلمة تقال، وأولئك يفشلون في فتنة الابتلاء، وبهذا يكونون الأعلم بأنفسهم: (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) العنكبوت 3.
ويأتي في موضوع القتال، فالله أرسل الرسل وأنزل معهم الكتاب ليحكم الناس بالقسط والعدل، وأنزل أيضًا الحديد كأداة أساسية للحرب إن لم يتبع الناس الكتاب الالهى ويقيموا العدل: ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) الحديد 25، هنا ليعلم الناس من يكون مناصرًا للحق أو مناصرًا للظلم. 
وفى اختبار تغيير القبلة: (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ) البقرة 143، ويصبح هذا التعبير (لِيَعْلَمَ اللَّهُ) مرتبطًا بإحاطته تعالى بكل شيء: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا. إِلاَّ مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا. لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا) الجن 26-28.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط