الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

المستشار سُليمان عبدالغفار يَكْتُب: حِكايات الضَحِكْ والبُكاء (2-2)

صدى البلد


في مَقالِنا السابِق بِعُنْوان "حِكاياتِ الضَحِك والبُكاء"..."كورونا الوافِد"و"كورونا المُقيم"...!؟!" الذي قَدَّمْنا مِنْ خِلالِهِ حِكاية "أبَداً...أبَداً – مِشْ مُمْكِن" لِلكاتِب والأديب "صَبْري موسى" – كانَتْ حِكاية لِلحُزْنِ والبُكاء لَأنَّهُ قَدَّمَ فيها نَموذَج "الأب مُتَحَجِّر الفِكْر بِنَظْرَتِهِ الجامِدة لِلحياة التي أوْدَتْ بِهِ إلى إهْلاكِ أُسْرَتَهُ – فَقَدْ هَرَبَتْ الزَوْجة مِنَ السِجْن الذي أقامَهُ لَها، تارِكةً حياتَها وَراءَها بِما فيها وَلَدَها الوَحيد وفَرَّتْ بِنَفْسِها ليُسْلِمُها إلى الضَياع وقَدْ رَفَضَ أهْلَها تَخْليصِها مِنْ هَذا الزَوْجْ !؟! – لَمْ يَتَّعِظْ الأب مِنْ فِرار زَوْجَتِهِ، وراحَ يُمارسُ على وَلَدِهِ جُحودِهِ وتَحَجُّرِهِ رَغْمَ بُلوغِهِ مَرْحَلةِ الشَبابْ – ليَهْرُبَ الوَلَدُ بِدَوْرِهِ مِنْ حِصارِ أبيهِ الخانِقْ – الذي تَحَوَّلَ إلى كابوسٍ يَقْبِضُ على أنْفاسِهِ – ويُسْلِمُهُ لِلإنْتِحار ...!؟! – دَعَتْني تِلْكَ الحِكاية إلى تَشْبيهِ الابِّ القاتِل بِميكْروب "كورونا" الذي يَحْصُدُ الأرواح في كُلِّ مَكان – وجاءَ اخْتياري لِحِكاياتِ "صَبْري موسى" لِلكِتابة عَنْها – لِما تُعْطيهِ مِنْ دَلالاتْ – فَهَذا الكاتِبَ الرائِع صاحِبَ الرِواياتِ الاسْتِثْنائية "حادِث النِصْف متْر" و "فَسادِ الأمْكِنة" يَلْفِتُ أنْظارِنا لِنَماذِجٍ مِنَ البَشَرِ نَراهُم مِنْ حَوْلِنا – وقَدْ تَجَرَّدوا مِنْ سَجايا الخَيْرْ – فلا يُقيمونَ اعْتِباراً لِقانونٍ أو وازِعٍ مِنْ ضَميرْ – لَأنَّ مايَعْنيهُم ذَواتِهِم ومَصالحِهِم مَهْما أصابَتْ غَيْرَهُم بِالضَّرَرْ – ليَدْعونا إلى إيجاد حياةٍ أفْضَل تَتَلاشى فيها الحَواجِز التي تَعوق مَسْعى الإنْسان لِلعَوْدة إلى جَنَّةِ المأوى التي فَقَدَها في حياتِهِ الأولى وحُرِمَ مِنْها لِتَغْليبه نوازِعِ النَّفْسِ الأمَّارة بِالسْوءِ على شَفافيةِ الروحِ ومُدْرَكاتِ العَقْلْ – عَبْرَ حِكاياتٍ واقِعية تَخْتَلِطُ فيها البَسَمات بِالدُّموع – وقَدْ تَمَثَّلَ فيها سِماتِ المِصْريين عِنْدَما يواجِهونَ المِحَن والأزَمات، بِالسُّخْرية والرِّثاءْ – ويُغالِبونَ الضَحِك بِالبُكاء ...!؟! – مِثْلَما نَرى في هاتَيْنِ الحِكايَتَيْنْ – مَوْضوعِ المَقال ...!؟!.

تَحْتَ عِنوان "البِنْت الفَلْحوسة وحقوق النِساء" يَحْكي كاتِبُنا بِخِفَّة دَمْ ورَشاقة حِكاية "فَتاة عَصْرية" تَذْهَبْ إلي الجامِعة – تَقْرأْ الكُتُب والمَجَلَّات وتَحْتَفِظ في رأْسِها بِعِدَّة أفْكار عَنْ حُقوقِ المَرْأة وحُرِّيَتِها، وأنَّها لا يَنْقُصْها شئ لِتَتَساوى بِالرَجُل ...!؟! تُقيمُ الفَتاة مَعْ جَدَّتِها في شَقَّة بِأحَد أحْياء القاهِرة. في الشَقَّة المُقابِلة تُقيمُ سيِّدة مُتَزَوِّجة مَعْ زَوْجِها الطيِّب الموَظَّف بِالبَلَديِّة. جارة الفَتاة نِصْف مُتَعَلِّمة أخْرَجَها أهْلُها مِنَ المَدْرَسة لِتَتَزَوَّجْ – نَسيَتْ القِراءة والكِتابة، وتَفَرَّغَتْ بِكُلِّ حَماسِها لِتَمْلأَ البَيْتَ بِالاوْلاد – عَمَلاً بِوَصِية أُمِّها – حَتَّى لا يَهْرُبْ مِنْها ويَتَزَوَّج غَيْرَها...!؟! – أسْفَرَ الزَواج الذي أتَّمَ عَشَر سَنَوات عَنْ خَمْسة مِنَ البَنين والبَنات – وبِحُكْمِ التَجاورِ الشَديد بَيْنَ الشَقَّتين أصْبَحَتْ الفَتاة والسَيِّدة المُتَزَوِّجة صَديقَتيْن. أمَّا عَنِ الزَوْجِ الطَيِّب الذي لَمْ يُكْمِلْ العِقْد الرابِع مِنَ العُمْر – وَجَدَ نَفْسَهُ مُكَبَّلاً بِمَسْئوليات عَنْ بَيْتٍ مَلِئٍ بِالأعْباء، فَبَدأْ رِحْلَة الهُروب خارِجِ البَيْت – وقَدْ تَنَوَّعَتْ مِنْ جَلَساتِ أصْدِقاء وسَهَرات مَقاهي وسينما وغَيْرِها – ألْقَتْ بِهِ مُحاوَلاتِ الهَرَبِ إلى التَعَرُّف على شابَّة مُطَلَّقة تَعيش في شَقَّتِها الصَغيرة مَعْ طِفْلٍ لَها – ارْتاحَ "الزوجِ الطَيِّب" إليْها فَتَزَوَّجها، لِتَسْتَمِرَّ رِحْلَتَهُ في الهُروب مِنْ زَوْجَتِهِ الأولى إليْها بِانْتِظام ...!؟!.

أمَّا عَنِ الزَوْجَة الأولى – التي ذَهَبَتْ نَصيحة أُمِّها هَباءْ !؟! – فَقَدْ بَدَأتْ الفَتاة تُلاحِظُ عَلَيْها سَحاباتِ الوُجوم التي أطْبَقَتْ عَلَيْها، وكُلَّما سأْلَتْها عَمَّا بِها لا تَتَلَقَّى مِنْها جَواب، وأخيراً اسْتَدْرَجَتْها لِتَعْلَمْ أنْ زَوْجَها الطَيِّب تَزَوَّجَ عَلَيْها – طالَبَتْها بِعَدَمِ السُكوت والاسْتِسْلام لِهَذا الحال – وأنَّ عَلَيْهِ أنْ يَقوم بِتَطْليق تِلْكَ التي تَزَوَّجَها – فأجابَتْها بِتَشاؤمْ – وماذا أفْعَلْ لو قامَ بِتَطْليقي أنا وتَرَكَني مَعَ الأولاد ...؟!؟ – أشارَتْ عَلَيْها أنَّ هذا افْضَل بِالنِّسْبة لَها – المُهِمْ أنْ تَعيشَ بِكَرامَتِها، فَلَيْسَ لَهُ أنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْها – طَلَبَتْ مِنْها الفَتاة أنْ تُرْسِلَ إليْها عِنْدَما يأْتي لِلتَحَدُّث إليْهِ بِشَأْنِها ...!؟! – كانَ يأْتي مَرَّتَيْن في الأسْبوع – وبَعْدَ مُقابَلةِ الفَتاة لَهُ أكْثَر مِنْ مَرَّة وجِدالِها مَعَهُ الذي يَسْتَمِرُّ ساعاتْ – لَمْ يَعُدْ يأتْي لِلْبَيْتِ مُطْلَقاً. طَمْأنَتْها الفَتاة وقالتْ لَها – أنَّها لَنْ تَتْرُكَهُ وسَوْفَ تَذْهَبْ إليْهِ عِنْدَ زَوْجَتِهِ الثانية. لَكِنْ الفَتاة لَمْ تَجْرُؤْ على الذَهاب إلى هُناك، بَلْ ذَهَبَتْ إليْهِ في مَقَرِّ عَمَلِهِ واتَّفَقَتْ مَعَهُ على أنْ يَلْتَقيا في أحَدِ المُتَنَزْهات لِبَحْثِ قَضية زَوْجَتَهُ الأولى وأوْلادَها. بَعْدَ شَهْرَيْن مِنَ اللِقاءات بَيْنَ الفَتاة والزَوْجِ الهارِب، فوجِئَتْ "الزَوْجَة الأولى" جارةِ الفَتاة بِدُخول جَدَّتِها عَلَيْها وهى تَصْرُخْ وتوَلْوِلْ – انْدَهَشَتْ الزَوْجة وسألَتْها عَنِ السَبَبْ؟ – أجهشَتْ الجِدَّة في البُكاء، وأخْبَرَتْها أنْ زَوْجِها الطَيِّب خَدَعْ حَفيدَتِها – واسْتَدْرَجَها إلى شَقَّة أحَدْ أصْحابِهِ – وسَلَبَها شَرَفَها – لِهَذا فَإنَّ الفَتاة تُطارِدُهُ هَذِهِ الايَّام – تُطالِبَهُ بِالزَواجِ مِنْها...!؟! في مُفارَقة مُضْحِكة مُبْكيةْ ...!؟!.

الحِكاية الثانية بِعُنْوان "الأُسْتاذ عليوي وخادِمَتَهُ" توَضِّح مَدَى التَناقُض في سُلوكِ الإنْسان – عِنْدَما يَتَعارَضُ المَبْدأ مَعَ المَنْفَعة !؟! – وكَيْفَ يَضْرِبُ بِمَبادِئِهِ عَرضَ الحائِط – مؤكِّداً على أنانيَّتِهِ وتَغْليبِهِ لِمَصْلَحَتِهِ على حِسابِ غَيْرِهِ – مِمَّنْ أوْقَعَهُمُ الحَظِّ العاثِرِ في قَبْضَتِهِ ليَكونوا تَحْتَ رَحْمَتِهِ ...!؟! – مِنْ هؤلاء الأُسْتاذ عليوي الذي تَخَرَّجَ مِنْ كُلِّيةِ الحُقوق سَنة 1949 – كانَ شابَّاً في غايَةِ الحَماس يَقْرأْ الكَثير مِنْ كُتُبِ الفَنْ والأدَب والرواياتِ الإنْسانية، وكانَ نَشاطَهُ السياسي يَدور في أحَدِ تِلك الأحْزاب التي تَحْتَضِنُ قَضايا العُمَّال والمُهَمَّشين مِنَ الناس. ولأنَّهُ مِنْ أصْحابِ الطُموح فَقَدْ رَفَضَ الوَظيفة الحُكومية، مُفَضِّلاً عَلَيْها التَدْريب على مِهْنَةِ المُحاماة في أحَد مَكاتِبِ المُحامين الكِبار – الذي كانَ بِدَوْرِهِ مِنَ المُدافِعين عَنْ حُقوقِ العُمَّال – بَعْدَ مُرور عامَيْن وانْتِهاء فَتْرة التَدْريب سافَرَ الاُسْتاذ عليوي إلى بَلْدَتِهِ، ليُقْنِعَ والِدَتَهُ بِبَيْعِ الفَدَّانِ المُتَبَقِّي مِنْ ميراث والِدِهِ المَرْحوم. أخَذَ الثَمَن وعادَ إلى القاهِرة ليَسْتأْجِر شَقَّة في مَيْدان "السيدة زينب" ليَقومَ بِتأسيسِها مَكْتَب، وتَعْيين وَكيلاً و فَرَّاشاً، وعَلَّقَ خارِجَها لافِتة كَبيرة مَكْتوباً عَلَيْها "أحمد عليوي – مُحامي العُمَّال". خِلال فَتْرة وَجيزة أصْبَحَ مَعْروفاً في حَيِّ السَيِّدة – و في تِلْكَ الأثْناء الْتَقى مُصادَفَةً بِالآنِسة "سَلْوى" خَريجة مَعْهَدِ الخِدمة الاجْتِماعية، وتَعْمَلْ كأخصائية اجتماعية في إحْدى المؤسَّسات – وكانَتْ مِثْلَهُ تَقْرأْ كَثيراً في كُتُبِ الفَنِّ والأدَبِ والروايات – فَضْلاً عَنْ ذَلِكَ كانَتْ تَحْتَفِظْ في قَلْبِها الصَغير بِمشاعِرِ الرَحْمة والعَطْف تِجاه الفُقَراء – الأمْر الذي جَعَلَها قَريبة مِنْ قَلْبِهْ.

بَعْدَ مرور شَهْرين مِنَ التَعارُف بَيْنَ "الأُسْتاذ عليوي والآنسة سلوى" قَرَّرَ أنْ يَتَزَوَّجها – وبِالفِعْلِ قاما بِالتَعاون على تأسيس شَقَّة صَغيرة وتَمَّ الزواج، واتَّفَقَ الزَوْجان على الاسْتِعانة بِصَبِيَّة صَغيرة تَقوم على أعْمالِ المَنْزِل – فَأرْسَلَ خِطالباً لِوالِدَتِهِ التي ارْسَلَتْ لَهُ البِنْت "أحْلام" ذات الثَماني سَنَوات ابْنَة أحَدِ المُزارِعين بِبَلْدَتِهِم. في غُضون ثَماني سَنَوات تَمَكَّنَ الأُسْتاذ عليوي مِنِ الانْتِقال مِنْ مَكْتَبِهِ المُتواضِع بِالسَيِّدة زينب إلى مَكْتَبٍ آخَر أنيق في وسط البَلَد، وكانَتْ زَوْجَتُهُ سَلوى أنْجَبَتْ لَهُ ثَلاثة مِنَ الأولاد – كانَتْ "أحْلام" قَدْ أصْبَحَتْ بِمَثابة العَمودِ الأساس في البَيْتْ، فَهى التي تُنَظِّف وتَغْسِل وتَطْبُخ وتَعْتَني بِالأوْلاد – وكأنَّها نَحْلَة تَدور طَوالَ النَهار – والسَيِّدة سَلْوى سَعيدة لأنَّ أحْلام تَقوم عَنْها بِكُلِّ أعْمالِ البَيْتْ، فَتُوَفِّرَ لَها الوَقْت لِتَسْتَغْرِقَ في قِراءةِ كُتُبِ الفَنِّ والأدَبِ والرواياتِ الإنْسانية، وتَناسى السَيِّد عليوي وزَوْجَتُهُ أنَّ أحْلام التي جاءَتْ إليْهِم صَبيِّة صَغيرة، أصْبَحَتْ عَروس يُفَكِّرُ أهْلِها في تَزْويجِها ...!؟! – ذاتَ مَساء عادَ الأُسْتاذ عليوي إلى بَيْتِهِ ليَجِدَ زَوْجَتَهُ مُسْتَغْرِقة في حالة مِنَ الحُزْنِ والتَفْكير – سألَها عَمَّا جَرَى؟ – أخْبَرَتْهُ أنَّ والِدة أحْلام سَوْفَ تأتي بَعْدَ عِدَّة أيَّام ليَسْتأذِنونَكَ في أخْذِها مَعَهُم – شَهِقَ الأُسْتاذ عليوي قائِلاً: ياخَبَرْ!؟ كَيْفَ يأْخُذونَها؟ – لابُدَّ أنَّهُم فَقَدوا عُقولَهُم ...!؟! – نَحْنُ نُرَبِّيها ونُكَبِّرُها وهُم يأخُذونَها على الجاهِز!؟! – واسْتَطْرَدَ الأُسْتاذ عليوي – قَوْلَهُ لِزَوْجَتِهِ: لا تَحْمِلي هَمَّاً لِهَذا المَوْضوع !؟! – عِنْدَما يَحْضِرُ أهْلَها سَوْفَ أجْعَلَهُم يَعودون مِنْ غَيْرِها!؟! – بِالفِعْلِ حَضَرَتْ والِدة أحلام وخالَتَها – وهُما تَحْمِلان ما تَقَدَّران عَلَيْهِ مِنْ خَيْراتِ الريف!؟! – رَحَّبَتْ بِهِم السَيِّدة سلوى وعِنْدَما تَحَدَّثَتا مَعَها على اسْتِحْياء في مَوْضوعِ عَوْدة أحْلام إلى البَلْدة لِلزَواج مِنْ ابنِ خالَتِها – قالَتْ لَهُم – الحَديث مَعَ الأُسْتاذ عِنْدَما يَعودُ في المَساء ...!؟!.

حَضَرَ الاُسْتاذ عليوي مُتَلَفِّعاً بِكُلِّ خِبْرَتِهِ في المُحاورة والمُراوغة والدِّفاع!؟! – لَمْ تَسْتَغْرِق القَضية مِنْهُ سِوَى دَقائق – تَمَكَّنَ خِلالَها مِنْ اقْناعِ السَيِّدَتَيْنِ الريفيَّتينِ الطَيِّبَتَينِ بِتَرْكِ أحْلام وما أحْضَروهُ مِنْ خَيْراتِ وتُغادِران البَيْت في طَريقِهِما لِلعَوْدة مِنْ حَيْثُ جاءتا رَغْمَ حُلولِ الليل ؟!! – في الدَقائِقِ التي تَرافَعَ فيها  أمامَهُما قَبْلَ مُغادَرَتِهِما، قالَ لَهُما الأُسْتاذ "أحْلام عاشَتْ هُنا في المَدينة، (اتْعَلِّمِتْ واتْنَوَّرِتْ وعِرْفِتِ الدُّنْيا) – كَيْفَ تُعيدونَها إلى الحياة في الرِّيف لِتَتَزَوَّج مِنْ شَخْصٍ لا تَعْرِفُهْ – ولَيْسَ هُناكَ تَفاهُم بَيْنَهُما؟ – وأضافَ يَقول – لَقَدْ قَضَيْتُ حياتي كُلِّها أُدافِعُ عَنْ مُسْتَقْبَلِ العُمَّالِ وحُقوقِهِمْ – ولا يُمْكِنَني السَماح بِوقوعِ مِثْلِ هذهِ الجَريمة التي تُقْدِمونَ عَلَيْها – ولا أمْنَعَها !؟! – واخْتَتَمَ مُرافَعَتِهِ مُتَسائِلاً: أحْلام بَقى لَها عَنْدي هُنا كام سَنة ...!؟! – لَقَدْ أصْبَحَتْ مِثْلَ ابْنَتي تَمام ...!؟! – انْتَهَتْ مُرافَعة الأُسْتاذ، بَيْنَما كانَتْ أحْلام تَجْلِس القُرْفِصاء أمام البانيو في الحَمَّام – كانَ البانيو مَليئاً بِمَلابِسِ الزَوْجِ والزَوْجة والأوْلاد !؟! – وكانَتْ ذِراعاها تَغوص بَيْنَ الغَسيل وفُقَّاعاتِ الصابون تَتَطاير على وَجْهِها – عِنْدَما دَخَلَ عَلَيْها الأُسْتاذ عليوي – ليُخْرِجَ مِنْ جَيْبِهِ مَنْديلَهُ المُتَّسِخ ليَتَمَخَّطَ فيهِ ويُلْقيهِ أمامَها في الماء – وسألَها: وما هورأيك يا أحْلام – فيما قُلْتُهُ لِوالِدَتِك وخالَتِك مِنْ كَلام ؟!؟ – أمْ كُنْتِ تُريدينَ الذَهاب مَعْهُما لِلزواجِ مِنْ ابْنِ خالَتِك لِتَعيشينَ مَعَهُ في الغيط ؟!؟ – قالتْ أحْلام بِسَذاجَتِها: ما تَراهُ أنْتَ يا سيِّدي!؟! – حَضْرِتَك بِالطَّبْع تَعْرِف مَصْلَحْتي أكْثَر مِنِّي ...!؟! وانْحَنَتْ على الغَسيل تواصِلُ تَنْظيفَهُ بيَدِيْها المُتَوَرِّمَتَيْن!؟! – خَرَجَ الأُسْتاذ عليوي مُنْتَشياً – ليَقِفَ أمام زَوْجَتِهِ ضاحِكاً وَوَجْهَهُ مُنْتَفِخ مِنَ السَعادة!؟! – فَقَدْ رَبِحَ القَضيِّة ...!؟! – وسَوْفَ تَظِلُّ أحلام في خِدْمَتِهِم حَتَّى يَتَمَكَّنَ هو وزَوْجَتَهُ مِنَ التَفَرُّغِ لِلدِّفاعِ عَنْ حُقوقِ الفُقَراء...!؟!... نَعَمْ لَقَدْ رَبِحَ القَضيَّة – إنَّما هَلْ يَعْلم أنَّهُ قَدْ خَسِرَ نَفْسَهُ...!؟!