الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

معجزة ستيفاني وليامز في ليبيا


على مدى السنوات العشر الماضية، والتي تكتمل فصولها بعد أيام قليلة. أو "العقد الأسود"، كما يسميه أغلب الليبيين. لم تكن ليبيا "دولة" على أقل حد متعارف عليه في العالم. فقد مزقتها الحروب الأهلية والصراعات، وأصبحت منذ سقوط النظام الجماهيري السابق، "شبه دولة" بمعنى الكلمة. رغم وفرة ثرواتها وغناها واتساع المساحة وقلة عدد السكان، مقارنة بمساحتها الشائعة.

ولا عجب إنه بعد سنوات قليلة من الدمار الهائل، الذي طال ليبيا بعد فوضى الربيع المدمر 17 فبراير 2011 أن يخرج للعلن، كل صناع الدمار في ليبيا، بدءًا من باراك أوباما الرئيس الأمريكي الأسبق، وممثلون كبار في حلف الناتو، وقادة بريطانيا ليؤكدون على ندمهم الشديد جراء ما لحق بليبيا ويأسفون لقرار التدخل وإسقاط النظام الليبي آنذاك.  

والحق، أنه إذا كانت هناك، قبل 10 سنوات وبعيدًا عن الحرب الإعلامية السافرة والمضللة، التي شنت على ليبيا، وموجة الأكاذيب والروايات الرخيصة، بعض "الملاحظات السياسية" حول نظامها السياسي برئاسة العقيد القذافي آنذاك، ومطالبة البعض بالتغيير بعد 4 عقود في السلطة. فإن "ليبيا الدولة"، وقتها، كانت على درجة كبيرة من التقدم الاقتصادي والرفاهية، وارتفاع مستوى المعيشة لسكانها، وكانت دولة مستقرة لا تعرف ميليشيات ولا إرهاب. بل نفذت فيها آنذاك مشاريع عملاقة لا تزال باقية، وإن طالتها يد الفوضى، تشهد بلمسة حقيقية للقذافي في ليبيا على كافة مناحي الحياة. ومنها مشروع النهر الصناعي العظيم، الذي ضمن المياه لكل الليبيين طيلة العام، وحمى البلاد من الجفاف، وكانت هناك مشاريع ضخمة في مجال التنمية الاقتصادية، تجتذب ملايين العمالة. حيث كانت ليبيا قبلة للعمالة المصرية والعربية والأجنبية مثلها مثل دول الخليج، وفيها "وفورات" مالية ضخمة. لكن مع ذلك سقط النظام، بمؤامرة سردت تفاصيلها على العالم أجمع، وقادها حلف الناتو بمشاركة الجامعة العربية، وقت وجود السيد عمرو موسى في رئاستها. وكان ولا يزال التدخل الخطأ والكارثي.


وعلى مدى السنوات العشر الماضية، شهدت ليبيا "حال بائسة"، أصبحت فيها الدولة التي تعوم على النفط، لا يجد أهلها كهرباء ولا ماء ولا رواتب وانهيار تام في كل مؤسسات الدولة ومرافقها، بل وأزمة في رغيف الخبز، وأكثر من 300 ميليشيا وفق بعض التقديرات في المشهد. وخسارة نحو 360 مليار دولار في بالوعة الفساد، وفق تقديرات الأمم المتحدة.

لم تكن هناك بوصلة محددة معروفة للبلد، وانخرط الجميع في مواجهات دموية وحروب ما تكاد تنتهي حتى تبدأ من جديد.

واستمر الحال هكذا، حتى ظهرت المبعوثة الأممية بالإنابة، ستيفاني وليامز، على صدر الأحداث، بعد تقديم غسان سلامة، المبعوث الأممي السابق استقالته قبل ما يقرب من عام. والتي استطاعت، بعد فترة عمل شاقة على مدى العام الماضي، وقبل أن يتسلم المعبوث الأممي الجديد، يان كوبيش، منصبه قبل أيام قليلة مضت أن تفعل "المعجزة السياسية" في ليبيا.

فالبلد منقسم، والقرار ليس لليبيين شرقًا وغربًا، وأنقرة وأردوغان دخلوا ليبقوا ومعهم 20 ألف مرتزق، وعشرات الآلاف من أفراد الميليشيات التابعة لإخوان ليبيا ودواعش ليبيا وتيارات متطرفة شديدة الإجرام تمرح في جنباتها.
و"الشرق"، كوّن حكومة الشرق وبرلمان الشرق والغرب تكتل وراء حكومة فايز السراج، بعد اتفاق الصخيرات 2015 وأوجد له برلمانه الخاص ومعه المجلس الأعلي الاستشاري للدولة. أما الجنوب الليبي، فقد توزعت ولاءاته بين الشرق والغرب.

هكذا "موازييك" سياسية مرعبة، لم يكن فيها حبل واحد للنجاة، دخلت ستيفاني وليامز، في "المعمعمة السياسية" هذه، وتحملت سبّ وانتقادات وتأويلات وتفسيرات مرة بعد أخرى، بأنها تحابي حكومة الوفاق المحسوبة على الإخوان وتركيا. وأخرى بأنها توالي حكومة الشرق، وعلى علاقة طيبة بـ"عقيلة صالح" رئيس مجلس النواب والمشير حفتر.

لكنها مع ذلك، سارت في طريق مرسوم من الرغبة في انجاز حدث سياسي، يُغير المشهد الليبي أو يضع "أساسات" لمشهد مختلف يأتي قريبًا، عن حالة السيولة في ليبيا ونجحت في ذلك، بعدما استطاعت أن تبني على ما وضعه غسان سلامة، وأن تقود باقتدار وهى السيدة الدبلوماسية، مسارات سياسية وعسكرية واقتصادية وأخرى للمسار الدستوري، وملتقى الحوار السياسي في تونس ولقاءات جنيف وبوزنيقة بالمغرب ومصر. وهدفها الذي لا تحيد عنه، إيجاد سلطة جديدة، بعيدا عن حكومة الشرق ويترأسها عبدالله الثني والخلافات معها كبيرة من جانب الليبيين، وبعيدة عن حكومة الغرب، ويترأسها فايز السراج، والخلافات معها مدوية واتهامات الخيانة تطولها من كل جانب.

نجحت ستيفاني وليامز، ولا يمكن إنكار ذلك أو التقليل من شأنه، في دفع ملتقى الحوار السياسي في جنيف الى اختيار سلطة تنفيذية ليبية جديدة، يترأسها محمد المنفي السفير الليبي السابق في اليونان، وعبد الحميد "الدبيبة" رجل الأعمال والملياردير الليبي المعروف.

ومهما تخرج من اتهامات حول ولاءات رؤوس السلطة "الجدد"، سواء كانوا تابعين للإخوان أوتركيا وفق بعض الاتهامات، أو يأتمرون بأمر "حكومة الشرق". فإن وليامز فعلت المستحيل، ووضعت "أساس"، لتوحيد المؤسسات العسكرية والسياسية والاقتصادية في ليبيا، وقادت الليبيين إلى اختيار مجلس رئاسي جديد. وضمنت له كذلك نجاحا في المستقبل، بعدما نجحت بدهائها السياسي في ألا يكون اعتماد أو منح الثقة للسلطة التنفيذية الجديدة، بيد مجلس النواب المنقسم منذ سنوات وحده. وهى تعلم حتما أنه قد يكون العائق أمام ظهور السلطة التنفيذية الجديدة، فوضعت القرار في يد الليبيين من ناحية أخرى، فإذا فشل مجلس النواب في منح الثقة للسطة التنفيذية الجديدة، فإن القرار سيؤول حتمًا للجنة ملتقى الحوار السياسي في جنيف، والتي صوت أكثر من نصفها قبل نحو أسبوع لقائمة المنفي – الدبيبة، أى أنه تم اعتماد السلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا، ومن يتصدرون المشهد هم من اختارهم الليبيون، وليس "وليامز"، لأن ملتقى الحوار السياسي، كان ولا يزال معبر عن كل الليبيين على أقصى ما يمكن الوصول إليه.

وليس هذا فقط، بل إن "وليامز"، التي صنعت درسا سياسيًا يستحق التوقف أمامه في ليبيا، وضعت أمام الحكومة الانتقالية مهمة واضحة وهى تحقيق مصالحة وطنية ليبية شاملة، وتوحيد المؤسسات، وإنجاز ملف الانتخابات المقبلة ديسمير 2021، وهى الانتخابات المنوط بها إرجاع القرار مرة ثانية للشعب الليبي بعد عقد كامل من الظلام.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط