الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

العَشر الأواخر.. خير الخير

 

إن فضلَ العشر الأواخر من شهر رمضان عظيمٌ؛ فهو خير الخير.. هو العتق من النيران... والحصاد الحلو.. وهو التطوير والتطهير والتحرير؛ تطوير علاقة المسلم بربه تعالى، وتطهير الروح والجسد من الآثام، وتحرير النفس مِن الأوهام والضلال، والقلب مِن الكذِبِ والنفاق، والضمير مِن الغشِّ والخداع، والعقل مِن المكر السيِّئ..
في هذا العَشر يترقى المجتهدون في مراتب الإيمان والصلة بالرحمن؛  لذلك يجب على كل منَّا أن ينتهز هذه السانحة؛ ليتحرك في سبعة خطوط متوازية، في إطار بناء المؤمن القوي الخَيِّر، الذي يحبه الله تعالى، القادر على عبادة الرحمن وعمارة الأكوان ورعاية الإنسان، والقادر على بناء المجتمع وتحقيق خيريته وتقدمه وازدهاره بمنهج الله، وهذه الخطوط هي: 
الخط الأول (الخط الأكبر) وهو: إصلاح الشخص علاقته بالله سبحانه وتعالى، وهذا الخط هو الأساس، الذي إذا تم على نحو سليم، ترتب عليه كل خير وصلاح وإصلاح وفلاح ونجاح، ونجم عنه بقية الخطوط المتوازية، وإلا فما فائدة الخطوط التالية، والخط الأساسي الموصل لها مقطوع؟!. 
الخط الثاني: إصلاح الشخص علاقته بأهله. 
الخط الثالث: إصلاح الشخص علاقته مع أقاربه وذوي رحمه. 
الخط الرابع: إصلاح الشخص علاقته مع كل الناس. 
الخط الخامس: إصلاح الشخص علاقته مع صحته النفسية والروحية والجسدية. 
الخط السادس: إصلاح الشخص علاقته مع عمله ورؤسائه وزملائه. 
الخط السابع: إصلاح الشخص علاقته مع شتى مفردات الطبيعة والكون.
لقد كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، (إذَا دَخَلَ العَشْرُ، أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ المِئْزَرَ) (أخرجه مسلم)، وداوم (صلى الله عليه وسلم) على اعتكافه في العشر الأواخر حتى لحق بربه -عز وجل- وكان يأمر بخباء فيُضرب له في المسجد، يخلو فيه بربه سبحانه، وكان يعتكف كل سنة عشرة أيام. 
ولقد كانت أقواله وأفعاله خير محفز على الصيام والقيام والإحسان، يقول (صلى الله عليه وسلم): (مَن قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ) (أخرجه البخاري)، وقال: (مَن صامَ رَمَضانَ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ، ومَن قامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ) (أخرجه البخاري). 
لقد أراد النبي الكريم، أن يظل المسلم في معية الله على الدوام، ويا لها من فرصة عظيمة أن يصوم المسلمُ النهارَ، ويقيم الليلَ، وفي أثنائهما يدور في فلك الإحسان... 
وإنها لفرصة عظيمة أن ننير قلوبنا وبيوتنا بقيام الليل على خطى هؤلاء الأماجد: (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)، وفي معية مَن: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
وفي هذا العشر الأخير المبارك يجدر بنا أن نتلمس ليلة القدر ذات الشأن العظيم، فقد وصفها الله تعالى بكل جليل وجميل؛ فهي ليلة مباركة، صاحبة الفضل الوافر، والشرف الكبير، جعلها الله تعالى خيرًا من ألف شهر، وجعلها مباركة طيبة؛ بسبب نزول القرآن فيها، وفيها تتنـزل الملائكة والرُّوح بأمر الله، وهي سلام، وتمتد إلى مطلع الفجر.. وأكرم بها من ليلة عظيمة بلغت شأوة المعالي وذُرْوة السموق!، قال تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ. فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)، وقال جل شأنه: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ القَدْرِ. لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ. تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ. سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الفَجْرِ)، ففيها تتنـزل الملائكة ومعهم الرُّوح الأمين (جبريل عليه السلام)، فيقولون: هل من داع فيستجاب له؟، هل من مستغفر فيغفر له؟.
وفي هذه الليلة المباركة تتنـزل الرحمات، وتتضاعف الحسنات أضعافًا مضاعفة؛ لذلك سنَّ الله عز وجل إحياءها؛ لنتذكر نِعمه على عباده، وبخاصةٍ نزول القرآن الكريم فيها على رسوله الأمين، ومَن أخلص لله في قيامها، وأحياها متعبدًا بالصلاة وقراءة القرآن والذكر والدعاء، كانت له عند الله أفضل من ألف شهر، لذلك كان النبي الكريم يُحييها، ويحث أصحابه على التماسها، والتعرض لنفحات الله فيها. 
وقيل إن الرجل فيما مضى ما كان يقال له عابد حتى يعبد الله ألف شهر، فأُعطوا ليلة إن أحيوها كانوا أحَقَّ أن يسموا عابدين من أولئك العباد، فعلينا أن نحيها ونجتهد في تلمسها؛ لعلنا نصادفها فنظفر بكرائم الله ورحماته فيها.
نحيها بشتى أنواع العبادة والذكر، يقول (صلى الله عليه وسلم) قال: (مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ...) (أخرجه البخاري). 
وما أجمل أن يزاوج المسلم بين الصيام والقيام، وتفريج كرب المكروبين، والإصلاح بين الناس، وجبر خواطر المنكسرين، وإماطة الأذى، والإبداع في إسعاد خلق الله؛ لاسيما في هذه الآونة الصعبة التي يمر بها العالم، فقد (كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أجْوَدَ النَّاسِ، وكانَ أجْوَدُ ما يَكونُ في رَمَضانَ حِينَ يَلْقاهُ جِبْرِيلُ، وكانَ يَلْقاهُ في كُلِّ لَيْلَةٍ مِن رَمَضانَ فيُدارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أجْوَدُ بالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ) (أخرجه البخاري)‏. 
ويبقى قوله (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) الخالد -في الحديث الذي أخرجه مسلم-: (مَن نَفَّسَ عن مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِن كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عنْه كُرْبَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، وَمَن يَسَّرَ علَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عليه في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَن سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ)، نبراسًا وملهمًا لنا على الدوام. وبالله التوفيق.
 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط