الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

في التفكير العلمي

في إجابة الفيلسوف الألماني الشهير إيمانويل كانط عن السؤال الذي طرحته إحدى الصحف عن ما هو التنوير تعظيم هائل للعقل الذي يجب ألا يتم النظر إليه نظرة سطحية سخيفة ووصمه بالمحدودية المقيتة، فلو كان العقل محدودا بتلك الصورة التي يحاول أن يشيعها هؤلاء الذين لا يدركون قيمته لَما وصل الإنسان لِما وصل إليه، ولما حقق الإنسان كل هذا التقدم العلمي الهائل الذي أوصله إلى آفاق بعيدة، ويفتح كل يوم آفاقا أرحب وأوسع، هذا الذي لم يكن ليتحقق إلا من خلال التفكير العلمي السليم، فما أن ودّع الإنسان منهج السحر والشعوذة، وما أن خاصم العقلُ التفسيرَ الخرافي الماورائي، وما أن توقف الإنسان بعقله أمام الظواهر مفسرا ومحللا ومكتشفا، إلا وفُتِحَتْ الأبواب المغلقة، ومازال الإنسان يعمل على فتح غيرها من الأبواب حيث وجد الإنسان خلف كل باب ألف باب أخرى، لم يعد يرهبها ولم يعد يعتقد في استحالة فك شفرات تلك المغاليق التي تغلّق هذه الأبواب، ولكنه أخذ على عاتقه أن يستمر في كسر تلك الأقفال بالعقل والعلم ليحقق الطفرة تلو الطفرة، والإنجاز بعد الإنجاز، في مسيرة علمية مبهرة، حق لنا - نحن أنصار العقل والتفكير العلمي - أن نفخر وأن نزهو بها.

في تعريفه للتنوير قال الفيلسوف الألماني الفذ إيمانويل كانط - فيلسوف ألماني من القرن الثامن عشر (1724 - 1804). عاش حياته كلها في مدينة كونيغسبرغ في مملكة بروسيا: " إنه خروج الإنسان عن مرحلة القصور العقلي وبلوغه سن النضج أو سن الرشد." كما عرَّف القصور العقلي على أنه "التبعية للآخرين وعدم القدرة على التفكير الشخصي أو السلوك في الحياة أو اتخاذ أي قرار بدون استشارة الشخص الوصي علينا." ويرى كانط أن العقل البشري مؤهل لذلك، وأن عدم قدرته عند أي شخص على ذلك ليس لعيب في العقل بل في خوف هذا الشخص من استخدامه بطاقاته الكبيرة والهائلة، هذا الخوف الذي يمنع الإنسان من المضي قدما فيما يفتحه له العقل من آفاق لا نهائية من خلال التفكير العلمي.
إن التفكير العلمي ليس، كما يظن البعض، مقصورا على العلماء والمفكرين والمثقفين، بل يجب ولابد من أن يصبح تفكير كل الناس، فعلى كل إنسان أن يفكر بطريقة علمية، حيث أن ذلك في مقدوره، وذلك لأن أسلوب التفكير هذا يصلح لكافة مناحي الحياة، وهذا التفكير العلمي هو الضمانة الوحيدة للإنسان وللمجتمع من الوقوع فريسة للدجالين والمشعوذين والسحرة، وهو الضمانة الوثيقة لحماية الإنسان من تلك العلوم الكاذبة التي يقدمها البعض بطريقة تبدو علمية ليخدعوا بها أصحاب التفكير الأسطوري.

والذي لا شك فيه أنه في مصر ومجتمعاتنا العربية لم يصبح حتى اللحظة التفكير العلمي هو السائد بين شعوبنا، ومازال العقل في المجمل لدينا يفكر بطريقة أسطورية ويسلك طرق التفكير السحري، وينتظر أن تطل عليه من الغيب حلولا لمشكلاته، وربما لو تأملنا قليلا ما شاع على وسائل التواصل الاجتماعي على خلفية الصاروخ الصيني الذي كان قد فقدت الصين السيطرةَ عليه وتلك الآمال التي تمناها قطاع عريض من الشعب في أن يسقط هذا الصاروخ على سد النهضة الذي يمثل مشكلة المشاكل في المخيلة الجمعية للشعب، لَعَلِمْنا كيف يفكر قطاع عريض من مجتمعنا، فإن كان هذا الحرص على حل مشكلة سد النهضة - والتي لا يرادوني في حلها بالشكل الذي ترتضيه مصر بما تمتلك من قيادة سياسية بارعة متمثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي ومؤسسات قادرة على الحفاظ على كل نقطة مياه من حصتنا في مياه النيل أدنى شك وهو ما سيسفر عنه قادم الأيام - فإن فكرة انتظار حدوث معجزة - ولم نعد في عصر المعجزات، إن كان ثمة في الأصل عصر لمعجزات قد مضى - نقول إن فكرة حل المشاكل بحدوث معجزة مازال لها في عقول قطاع عريض من الشعب مساحة شاسعة، هذا الذي يعني أنه، كما يقول فيلسوفنا المصري فؤاد زكريا - " فؤاد حسن زكريا (1 ديسمبر 1927، بورسعيد - 11 مارس 2010 )، أكاديمي وأستاذ جامعي مصري متخصص في الفلسفة
- لابد من إنهاء وقوفنا الطويل على أعتاب الماضي - طريقة التفكير الأسطورية هنا مثالا - هذا الماضي الذي لم يرفضه الدكتور فؤاد زكريا بالمطلق، ولكن كان له موقف منه يتمثل في ضرورة تنقيته والاحتفاظ بالصالح منه والتخلص من الفاسد فيه أو غير المناسب فيه للعصر والملائم للظرف التاريخي، حيث أن الرجل الفيلسوف، ونحن معه كذلك، يؤمن بأن في تراثنا ما يمكن أن يكون شعلة تضيء لنا طريقنا إلى المستقبل، الذي لابد أن يحمل راية القيادة له المفكرون والمثقفون وأصحاب العقول النقدية من أحرار هذه الأمة.

وللمضي خطوات في طريق المستقبل، والتخلص من الجهل المنتشر في المجتمعات العربية، فإن السبيل إلى ذلك يتم بالعمل في عدة مجالات تبدأ بتعزيز الحرية الفكرية بشكل يسمح للمفكر بالمضي قدما إلى الحدود  القصوى دون خوف من سلطة أو مجتمع، بالإضافة إلى مجال التعليم الذي يجب أن يصبح على أسس حديثة تسمح بتكوين العقل النقدي للتلميذ من خلال الحوار المباشر بينه وبين المعلم من ناحية وبينه وبين أقرانه من التلاميذ من ناحية ثانية، مع ضرورة تدريس المناهج الحديثة تلك التي تقوم بها المدارس الأوروبية والتي من خلالها ومن خلال طرق التدريس تخلق إنسانا قادرا على التمييز والنقد من ناحية ومؤهلا لأداء الوظائف التي تم تعليمه من أجلها من ناحية ثانية، أما المجال الإعلامي فله دور هام للغاية يأتي في مقدمته إشاعة أجواء الحرية الفكرية وذلك بعرض كافة الآراء مع عدم التحيز لفكر دون فكر وعدم التملق للثقافة الشعبية السائدة، حيث أن سيطرة الثقافة الشعبية أحد أهم عوامل إبقاء المجتمع على ما هو عليه من ثقافة متدنية - بحجة أن الذوق العام يريد ذلك - وإن افترضنا صحة هذه الذريعة فإن من واجب الإعلام ومسؤولياته أن يأخذ بيد المجتمع ويرتقي به من خلال نشر ثقافة عصرية مناسبة، كما لابد وألا ينحاز الإعلام إلى أية سلطة من السلطات خاصة السياسية والدينية، هذا الذي، إن تم، وهو واقع في مجتمعاتنا العربية، يضر ضررا بالغا بالإعلام وبالتبعية بالمجتمع الذي سيخضع هو الآخر لرؤية تلك السلطات. وعلى الإعلام أن يقوم بنشر المعرفة بالموضوعية المناسبة. وأهم شيء لتغيير المجتمع هو الأخذ بالتفكير العلمي والبعد بالتالي عن التفكير الخرافي غير المبني على أسس علمية مهما تم إلباسه لباسا مقدسا، حتى يصبح بمقدور أفراد المجتمع التمييز بين الحقيقة والوهم، وما بين العلم والخرافة، هذا الذي لابد أن يصبح طريقة التفكير لدى أعضاء المجتمع جميعهم وليس مقصورا فقط على العلماء والمفكرين والمثقفين، هذا الذي تناولناها في مقالات سابقة وسنظل دائما نؤكد على ضرورة نشره.

ولتحقيق ذلك فإننا نرى أهمية إدراج طريقة ومبادئ التفكير العلمي في مراحل التعليم، أو على الأقل يتم تدريس تلخيص مبسط لها في مراحل التعليم المختلفة هذا الذي سينعكس حتما على الإنسان المصري خلال بضع سنوات لما للتعليم من أثر تكوين شخصية الطلاب.

لقد استطاع التفكير العلمي بعدما استطاع الانتصار على غيره من تفكير خرافي وأبعده عن طريقه وبعدما نجح في تخطي العديد من العقبات استغرقت آلاف السنين، أصبح بعدها هذا التفكير العلمي هو الرافعة الحقيقية والراسخة التي قامت عليها النهضة الإنسانية والعلمية الحديثة: التي هي النهضة العلمية الغربية، والتي بسببها يقرأ الآن متابعنا  الكريم هذا المقال على أحد منجزات تلك الثورة العلمية التي لولا التفكير العلمي ما كان في الإمكان أن نصل لما وصلنا إليه الآن من تكنولوجيا حديثة مرشحة للتطور بشكل مضاعف بعشرات بل ومئات المرات في القليل من قادم الأيام. فكما هو معروف فإن العلوم تخضع للتغيير، والتعديل، والتنقيح، والتطوير. وتتطوَّر بتطوُّر العصر، والتكنولوجيا.
وإن كان حجم العلم في الماضي القريب يتضاعف كل 50 سنة فإنه الآن مع عصر التكنولوجيا، باتت المعرفة تتضاعَف كل 12 ساعة!. هذا الذي يعكس ما يمكن أن ينتجه العقل البشري والعقول الإلكترونية في مقبل السنوات، هذا الذي يمكن أن ينقل النوع الإنساني نقلة نوعية، حيث هناك من يدعو لدمج شرائح في جسم الإنسان تزيد من قدراته العقلية والذهنية ناهيك عن ما يسمى بالثورة البيو تكنولوجية التي سوف نخصص لها مقالا قريبا.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط