الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

علي جمعة: عاشت فلسطين تحت الاحتلال البريطاني مؤامرة كبيرة ضيق عليهم سبل العيش

عاشت فلسطين تحت الاحتلال
عاشت فلسطين تحت الاحتلال البريطاني مؤامرة كبيرة

قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، إن البريطانيين احتلوا القدس في 9 ديسمبر 1917م، وخطب قائد الجيش البريطاني أللنبي في القدس محتفلا بانتصاره قائلا: "والآن انتهت الحروب الصليبية "، وكأن حملتهم على فلسطين كانت آخر حملة صليبية، ومنذ ذلك الوقت فتحت بريطانيا بالقوة مشروع التهويد المنظم لأرض فلسطين، واستطاعت بريطانيا بعد ذلك إقناع فرنسا بالتخلي عن مشروع تدويل فلسطين كما في نصوص سايكس بيكو مقابل رفع بريطانيا لدعمها للحكومة العربية التي نشأت في دمشق، ثم وفرت بريطانيا لنفسها غطاءً دوليًّا باستصدار قرار من عصبة الأمم في 24 يوليو 1922م بانتدابها على فلسطين، غير أن فكرة الانتداب التي ابتدعتها عصبة الأمم كانت قائمة على أساس مساعدة الشعوب المنتدبة وإعدادها لنيل استقلالها.

 

وأضاف علي جمعة عبر صفحته على فيس بوك أنه قد تضمن صك الانتداب نفسه على فلسطين مسئولية الدولة المنتدبة (بريطانيا) في الارتقاء بمؤسسات الحكم المحلي، وصيانة الحقوق المدنية والدينية لجميع سكان فلسطين، وهذا يعني ألا يقف وعد بلفور في نهاية الأمر عائقًا في وجه أبناء فلسطين ضد الارتقاء بمؤسساتهم وإقامة دولتهم.

 

وأشار إلى أنه في العام نفسه الذي صدر فيه وعد بلفور بإقامة وطن قومي لليهود نجحت الثورة البلشفية الشيوعية في الاتحاد السوفيتي، ومعظم قياداتها من اليهود- وعلى رأسهم مؤسسها الفكري كارل ماركس هو يهودي أيضًا - نجحت هذه الثورة في السيطرة على روسيا، وتم إصدار قوانين تحرم اضطهاد اليهود، وقوانين أخرى أهم وهي إلزامية على عاتق دولة الاتحاد السوفيتي بإقامة دولة إسرائيل ذات السيادة في فلسطين، ولأن أرض فلسطين كانت ستئول إلى الاحتلال البريطاني وليس الروسي، فقد اقتضى الأمر أن يتوجه اليهود بكافة الوسائل الدبلوماسية للحصول على قانون أو مجرد وعد من بريطانيا بإقامة دولة إسرائيل ولو مجرد وطن قومي على جزء من فلسطين.

وكان تنفيذ وعد بلفور يعني عمليًّا الإضرار بمصالح أهل فلسطين وحقوقهم، وتعطيل بناء مؤسساتهم الدستورية باتجاه إقامة دولتهم، وقد فضلت بريطانيا دائمًا التزام الشق المتعلق بوعد بلفور، وأصمت آذانها ولم تحترم الشق المتعلق بحقوق أبناء فلسطين العرب، وعاشت فلسطين تحت الاحتلال البريطاني مؤامرة كبيرة؛ فحرم أهل فلسطين من بناء مؤسساتهم الدستورية وحكم أنفسهم، ووضعوا تحت الحكم البريطاني المباشر، وأُعْطِيَ المندوبون السامون صلاحيات مطلقة، وضيقت بريطانيا على الفلسطينيين سبل العيش وكسب الرزق، وشجعت الفساد، وسعت لتعميق الانقسامات العائلية والطائفية وإشغال أبناء فلسطين ببعضهم، وفي المقابل شجعت الهجرة اليهودية، فزاد عدد اليهود من 55 ألفًا (8% من السكان) سنة 1918م إلى 650 ألفًا (31% من السكان) سنة 1948م.

 

ويعتبر بن جوريون وحده صاحب مخطط فرض الأمر الواقع على القدس منذ صدور قرار تقسيم فلسطين في نوفمبر 1947م إلى مدينتين، والتهويد المبكر للجزء الغربي منها، حيث تعامل بن جوريون مع قرار تقسيم فلسطين بأسلوب يعتمد على الخداع والمكر لم يفهمه العرب، حيث عمل على أن يكون للقدس كيان منفصل خاضع لنظام دولي خاص، تتولى الأمم المتحدة إدارته، وتعين مجلس وصاية ليقوم بأعمال السلطة الإدارية نيابة عن الأمم المتحدة، ولقد أكد القرار حدود المدينة والتي تضمنت بلدية القدس الحالية إضافة إلى القرى والبلدان المجاورة لها.

 

ورفض العرب قرار التقسيم؛ انطلاقًا من أن التدويل يسلبهم حقهم التاريخي والشرعي في السيادة على المدينة، إلا أن اليهود قبلوا مشروع التدويل حتى يمكنهم إعلان قيام دولة إسرائيل؛ على أن تعمل بعد ذلك على فرض أمر واقع جديد؛ ولذلك احتلت القوات الصهيونية مزيدًا من الأراضي العربية، ثم أقامت طريقًا يربط بين تل أبيب والقدس، كما بادرت باحتلال حي القطمون الذي له أهمية إستراتيجية في القدس قبل إعلان قيام دولة إسرائيل.

 

ولتحقيق الإستراتيجية التي تبناها بن جوريون لم يحترم قرارات مجلس الأمن، حيث لم يلتزم بقرار تجريد القدس من السلاح لحمايتها من الدمار.

 

وتكريسًا للأمر الواقع بادر بن جوريون بنقل العديد من الوزارات إلى القدس، وكان منها وزارة الخارجية؛ حتى تضطر الدول التي تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل إلى نقل سفاراتها من تل أبيب إلى القدس، ومن ثم تعترف بالأمر الواقع الذي عمد بن جوريون إلى تثبيته؛ كما بدئ في إقامة مبنى الكنيست الجديد في 14 أكتوبر 1958م، والذي افتتح في 30 أغسطس 1966م، وبذلك يكون بن جوريون قد نجح في تنفيذ إستراتيجيته الهادفة إلى خلق أمر واقع جديد.

 

كانت هذه هي الخطة الماكرة الكبرى التي سعت إلى تهويد القدس الشريف، وكان اليهود ومن ساعدهم من الدول الغربية هم أطراف هذه النكبة التي يئن العالم العربي والإسلامي تحت وطأتها حتى اليوم، وهو ما يدعو إلى الاهتمام بأمر القدس إلى أن يرجع الحق لذويه {وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} [إبراهيم:20].