الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هل يعطل نفتالى المسار المصري؟!

إختراق إستراتيجي غير تقليدى، حققته الدولة المصرية بمؤسساتها الرئاسية والمخابراتية والدبلوماسية، بالوساطة الناجحة بشكل كبير بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتى تتمتع بدعم إقليمى ودولى لا اعتيادى، لكن القاهرة تواجه فترة صعبة لتثبيت الهدنة، خاصة مع الارتباك السياسي الإسرائيلي، وترقب وصول عقليات جديدة لمناصب سيادية مؤثرة في القرار الإسرائيلي من مؤسسة الرئاسة للكنيست والحكومة الجديدة طبعا، وكل الأجواء المقلقة حولها، بخلاف الموساد والجيش وحتى القضاء، وما يميز التعامل المصري هذه المرة، إن هناك آلية لمواجهة كل السيناريوهات، حتى لا تضيع هذه الفرصة التاريخية، التى صعدت من خلالها قضية الصراع العربي الإسرائيلي للسطح الدولى، وظهرت مدى القيادة المصرية للملف بإحترافية وتميز.

المصريون يتجاوزوا الكثير من الصعوبات، هذه المرة، ويتصدرون الموقف بالمشهدين الإقليمى والدولى على كل السياقات، السياسية والفنية والميدانية، وسط حفاوة شعبية فلسطينية ومن كل الفصائل حتى المختلفة أيديولچيا ومصالحها متقاطعة مع معسكرات مناوئة للدولة المصرية، ومنها التنظيم الدولى للإخوان وإيران وتركيا وقطر، وهذه الاجواء الاستثنائية تدعم الرؤية المصرية بشكل واضح في الجولات الجديدة للوساطة بين الفصائل الفلسطينية، والتى ترعاها القاهرة من جديد، بالتوازى مع مطالبة الإسرائيليين باستمرار التهدئة، والتراجع عن المحاولات الاستفزازية التى من الممكن أن تفجر المشهد من جديد، ووقتها ستخرج الأمور عن السيطرة، ولن يستطيع أحد وقفها..والطرفان الفلسطيني والإسرائيلى يدركان ذلك، ولهذا لا يتخطيان خط المناوشات والتهديدات بصورة أو أخرى، رغم السيولة السياسية الإسرائيلية، ورغم التأثيرات الإقليمية على القرار الفلسطيني.

التفاعل الأمريكى الواضح :

من أبرز ملاحظات الوضع، هو تغيير الرؤية الأمريكية تجاه ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث كانت واشنطن تضعه في أولوية متأخرة، مقارنة بالبرنامج النووى الإيرانى، بل وحتى الأزمة اليمنية والقرن الإفريقي، التى عينت لهم الإدارة الأمريكية مبعوثين، ولم تعين للقضية الفلسطينية مبعوثا..ولم يستفد من ذلك الفلسطينيين فقط، بل الإسرائيليين أيضا، وبما فيهم نتنياهو، التى كانت أمامه فرصة كبيرة للاستمرار في الحكم، خاصة إن الرئيس الأمريكى بايدن، كان يتواصل معه يوميا تقريبا، بعد قطيعة كبيرة، لم تشهد سوى إتصال واحد، وهذا ليس معتادا بين واشنطن وتل أبيب، بل وعندما استدعوا مسئولين إسرائيليين لواشنطن، كان رئيس الموساد المنتهية ولايته يوسي كوهين ومستشار الأمن القومى القريب للرحيل مائير بن شبات، وأخيرا وزير الدفاع بينى جانتس، الذي سيكون أكثر من كونه وزير للدفاع في الحكومة المرتقبة، على الأقل حتى تتعرف الإدارة الأمريكية على عقليتى نفتالى بينت ويائير لابيد عن كثب.

وكما كان من الممكن أن تكون الاتصالات الساخنة بين بايدن ونتنياهو، سبيلا لاستمراره السياسي، كانت هى أيضا السبيل لنهايته، خاصة إنه كانت له موافق خارجة عن التصور الأمريكى لتطور الأحداث، وكان يحرج واشنطن، رغم إنها غيرت موقفها لصالحه، فقط نكاية في الصينيين الذين كانوا يقودوا مجلس الأمن لإصدار بيان باهت عن الأزمة، يحمل فيه الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني مسئولية الأزمة، حتى هذا لم تكن تريده واشنطن وعرقلته بفيتو أربع مرات متتالية، لوقف أية محاولة للظهور الصينى فى الشرق الأوسط، خاصة أنه لو تم الربط بينه وبين المبادرة الصينية للتقارب بين إيران والسعودية، كان هذا سيضر أمريكا كثيرا، والتى تركز الآن على التهدئة حتى مع روسيا، للتفرغ لمواجهة الصين.

كيف وظفت مصر الموقف الأمريكى للمصلحة العربية؟!

نجحت الدولة المصرية في توظيف هذا التغيير في الرؤية الأمريكية لصالح تحقيق اختراق استراتيجي غير اعتيادى في المشهد من خلال إقناع الأمريكان بالتصور المصري المعتمد على أن الصراع الفلسطيني الاسرائيلي هو أصل الأزمات والقلاقل المنوعة في الشرق الأوسط، وأية محاولة لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط الصغير والكبير، يجب أن تبدأ من فلسطين، وتقاطعت الرؤية الأمريكية مع الرؤية المصرية، وبدأ التفاعل، حتى وصل الأمر لاتصال شكر وتقدير من بايدن للسيسى، وكانت أول مكاملة تجمع الرئيسين منذ وصول الرئيس الديمقراطى للبيت الأبيض، وحققت منها القاهرة فوائد عديدة في هذا السياق وغيره، وأهمها رسالة السيسى بضرورة التعاون المصري الأمريكى لحل قضايا أخرى في الشرق الأوسط بعد النجاح في وقف هذه الحرب، وهناك مؤشرات تؤكد على تفاعل واشنطن مع وجهة النظر المصرية، نترقبها في ملفات حيوية بالنسبة لمصر كسوريا والسد الإثيوبي وليبيا واليمن.

التحركات المصرية

مصر لم تركز في تحقيق فوائد خاصة، كما رددت بعض القوى المناوئة ومنهم تيارات في الفصائل الفلسطينية نفسها وقوى خليجية وإقليمية، بل كانت تريد التهدئة بشكل عام لحماية الفلسطينيين والمنطقة من أى توتر، خاصة أن العالم كله قابع تحت تأثيرات سلبية من حوالى ثلاث سنوات بسبب ضربات جائحة كورونا، وبخلاف الأزمات المشتعلة في الإقليم، وبالتأكيد كل دول المنطقة تتضرر منها بشكل أو آخر، وكانت الرؤية المصرية تعتمد على هذا المحور منذ بداية تنفيذها وحتى الآن، خاصة إن التجارب التاريخية للدور المصري كافية لتأكيد ذلك.

تنويعات الدور المصري

ظهر تنويعات التحركات المصرية منذ اللحظة الأولى وحتى الآن، في المحاور التى طرحها الرئيس السيسى نفسه، إن كانت مباشرة خلال لقاءاته وإتصالات بقيادات العالم، أو من خلال الرسائل التى حملها رئيس جهاز المخابرات المصرية السيد عباس كامل في زياراته لتل أبيب ورام الله وغزة، وأيضا خلال جهود وزير الخارجية سامح شكرى، وتركزت في التالى:

- أكد الرئيس السيسي دعمه ومساندته للشعب الفلسطيني بالفعل قبل القول.

- القضية الفلسطنية ستبقى على رأس اهتمامات الدولة المصرية.

- حرص مصر على مقدرات الشعب الفلسطينى ودعم قضيته ودعم الرئيس

- دفع جهود إنهاء الانقسام الفلسطيني.

- أهمية اتخاذ كل ما يلزم من إجراءات لضمان عدم تكرار التصعيد بين إسرائيل وفلسطين.

- استمرار الجهود والاجتماعات لحل مشكلة الأسرى والمفقودين بين إسرائيل وحركة حماس.

- إعادة إعمار غزة أولوية مصرية قصوى

ووضحت تلك الرسائل المصرية لكل القوى الدولية والإقليمية، وبالفعل تفاعل الكل معها، وكما كانت القاهرة سريعة جدا في إجراءاتها منذ التحرك الأول، الذي انتهى بوقف إطلاق نار إجبارى على الطرفين، تستمر الاجراءات المصرية السريعة على كل الأصعدة ميدانيا وإنسانيا وسياسيا ومخابراتية بمتابعة حثيثة من القيادة السياسية، وبالفعل تسارعت وتيرة الأعمال في إعادة الإعمار في القطاع، رغم شروط إسرائيل بربط إعادة الإعمار بصفقة تبادل الأسرى، وتتدفق المساعدات الإنسانية العربية والدولية للقطاع، وسط أجواء يحاول البعض نشر السلبية حولها لعرقلة المسار المصري، إن كان بشروط تعجيزية من الطرفين، أو بتوقع تخبط المسار المصري مع الحكومة الإسرائيلية المرتقبة والسيولة السياسية في تل أبيب، التى تصعب من اتخاذ قرارات مهمة، بخصوص الملفات المنتظرة إن كانت تفاصيل عملية إعادة الإعمار التنفيذية والمالية، أو صفقة تبادل الأسرى أو إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية الفلسطينية بالقدس الشرقية، والتى تعلو عليها القاهرة والقوى الدولية كثيرا.

المدرسة المصرية

أثبتت العقيدة المصرية قوة وصدق رؤيتها الاستراتيجية للعالم كله، بما فيه القوى العربية المهرولة للتطبيع دون حساب، ووصلت رسالة المدرسة المصرية بإن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو أساس كل الأزمات في الشرق الأوسط وغيره، وإن التطبيع المنظم هو السبيل لتوازن القوى في المنطقة، وليس غير ذلك.
وكانت هذه الرسائل المصرية واضحة لكل القوى المناوئة التى تزايد على القضية الفلسطينية، ومنها إيران ومعسكرها من دول وميلشيات، وحدث اختراق استراتيجي كبير لصالح الدولة المصرية في مقابل قوى مالية وايديولوچية كقطر وتركيا وقوى خليجية تقول إنها صديقة، لكن أفعالها غير ذلك بالمرة.

ماذا بعد ؟!

القاهرة تصر على المضي قدما رغم الاستفزازات من الطرف الإسرائيلي المباشرة وغير المباشرة، والسيولة السياسية الإسرائيلية، التى من الممكن أن تصل إلى اغتيال سياسى وفق تحذيرات الشاباك نفسه، وترفض الحديث عن فكرة أن نفتالى بينت سيعطل المسار المصري بمزايداته المتوقعة، خاصة إنه يفضل المضي لانتخابات خامسة عن أى تنازلات وفق وصفه، بخلاف الحديث عن سلاح الفصائل، لكن القرار فى الغالب لن يكون في تل أبيب فقط، بل من واشنطن، وسيظل ذلك لفترة ما، والاتجاه الأمريكى الأغلب حتى الآن يسير مع الرؤية المصرية.

ولا يقل التوتر على الجانب الفلسطيني عن نظيره الإسرائيلي، وبالتالى تترقب القاهرة بقلق المشاورات مع الفصائل الفلسطينية، خاصة إن التدخلات الإقليمية بدأت بعد النجاح المصري بشكل كبير، لمحاولة إفشاله، وهذا واضح في الشروط التعجيزية من جانب بعض الفصائل، ومنها إضافة إسم مراون برغوثي لصفقة تبادل الأسرى، بخلاف التسريبات التى بثت عن الأسرى الإسرائيليين لدى حماس عبر الجزيرة القطرية، بالإضافة إلى بعض التأخر في دعم الرؤية المصرية لإعادة إعمار القطاع من أطراف ما، رغم إن وزير الخارجية الامريكى انطونى بلنكن أكد بنفسه إنه يجب وضع آلية لحماية إعادة الإعمار في غزة، حتى لا يتم تدمير ما يتم إعماره، كما سبق.

الخلاصة :

أن الدولة المصرية بكل مؤسساتها السيادية قاطبة، تضع في كل اعتبارها القضية الفلسطينية، بعدما نجحت في تصعيدها للسطح من جديد، وحققت من خلال ذلك مصالح عامة وخاصة تحمى بها ثوابت الأمن الاستراتيجي العربي، بداية من التهدئة وحتى إعادة الإعمار ورفع الحصار المنظور، ولم الشمل الفلسطينى، ووضع ملف القدس على مائدة المفاوضات من جديد.

ولا ننتظر أن تكون الفترة القليلة المقبلة سلسة على الجهود المصرية، بل ستحتاج تعبا أكثر للوصول للمنال المصري بتحييد المعرقلين من كل المعسكرين، وفي تصورى أنه لن يتمكن نفتالى وأتباعه أو إيران وأتباعها من تعطيل المسار المصري، لو استمرينا بنفس الإصرار الشديد والرؤية الممنهجة، المتواصلة منذ مواجهة العدوان الإسرائيلي وحتى الآن، ولنسير على جدول زمنى متزامن قوامه حكومة وطنية فلسطينية تدير عملية إعادة الإعمار، وانتخابات فلسطينية برعاية دولية، ودعم تيار نفتالى لابيد، حتى لا يسقط قريبا لأنه لن يكون معطلا بالشكل المتوقع، خاصة إنه سيكون تحت مراقبة أمريكية..وعلى القوى الإقليمية والعربية أن تدعمنا في عملية إعادة الإعمار أكثر من ذلك، مع توفير الأدوات غير المعطلة دون تورط أكثر داخل القطاع، بتسليم العملية لجهات أممية، حتى لا تكون لدى إسرائيل او حتى الأمريكان حجج معرقلة لإعادة الإعمار، ومنها تدخل حماس فيها .

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط