الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

علي جمعة: النيل من أنهار الجنة

علي جمعة
علي جمعة

قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الله أنعم على مصر بالنيل‏,‏ وهو من أعذب الأنهار طعما‏, ‏وأجملها منظرا‏,‏ حتى عده رسول الله ﷺ من أنهار الجنة‏,‏ فقال‏: "‏سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة" (مسلم),‏ وفي رواية أنه لما رفع ﷺ إلى سدرة المنتهى كان من وصفه‏: "‏وإذا أربعة أنهار نهران باطنان‏,‏ ونهران ظاهران‏.‏ فقلت ما هذان يا جبريل قال أما الباطنان‏,‏ فنهران في الجنة‏,‏ وأما الظاهران فالنيل والفرات" (‏البخاري‏).‏

وأضاف جمعة عبر الفيسبوك: واعتاد المصريون من قديم الزمان أن يحتفلوا بفيضان النيل ووفائه‏,‏ وكان لهذا الاحتفال أغراض متعددة‏:‏
‏ شكر النعمة قال تعالى‏: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7],‏ وقال سبحانه‏: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [النحل:18].‏ والماء من أعظم النعم التي منَّ الله بها على الإنسان‏,‏ قال عز وجل‏: (وَمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ) [البقرة:164],‏وقال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ المَاءَ إِلَى الأَرْضِ الجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ) [السجدة:27],‏ وقديما بين الفقهاء درجات أفضلية المياه إظهارا لهذه النعمة وامتثالا لعلو شأن الماء في حياة المسلم‏,‏ بل وفي حياة الإنسان عامة‏.


وأوضح: ولذلك قال أهل التجارب والخبرة‏: "‏من أقام بمصر سنة وجد في طباعه وأخلاقه رقة وحسنا‏" (‏كوكب الروضة‏,‏ للسيوطي).‏ أن الله سبحانه قد جعل الماء أصل المخلوقات فقال‏: (وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) [الأنبياء:30],‏ وقال تعالى‏: (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ) [النور:45],‏ ثم أكثر الحاجة إليه‏,‏ وجعله عنوانا للطهارة الحسية والتهيؤ للصلاة بالوضوء أو الاغتسال‏,‏ وأداة من أدوات إزالة النجاسة‏,‏ وأمرنا باحترامه وبعدم إفساده وتلويثه‏,‏إذ نهى النبي ﷺ "‏أن يبال في الراكد‏" (‏مسلم),‏ والتبول في الماء الراكد لا يفسده فقط‏,‏ بل يجعله مستنقعا وموطنا لانتشار الأوبئة والأمراض‏,‏ ونهى كذلك عن الإسراف في استعمال الماء‏,‏ ولو تعلق الأمر بالعبادة كالوضوء‏, فقد مر ﷺ بسعد رضي الله عنه وهو يتوضأ فقال‏: "‏ما هذا السرف؟"‏ فقال سعد‏:‏ أفي الوضوء إسراف؟ قال‏: "‏نعم‏,‏ وإن كنت على نهر جار‏" (‏ابن ماجه).‏

وتابع: ‏ استمر المصريون في ترصد وتخصيص يوم يحتفلون فيه بالنيل عند وفائه‏, واشتهر ذلك اليوم باسم ‏(وفاء النيل‏),‏ وكانت هذه الحفاوة تبدأ في يوم ‏26‏ بؤونة من الشهور القبطية‏,‏ وهو الوقت الذي اعتاد النيل أن يفيض من جانبيه‏,‏ ويستمر في الزيادة لمدة ‏48‏ يوما‏,‏ فيحتفلون في يوم ‏14‏ مسري وهو يوافق عادة يوم ‏20‏ أو ‏21‏ أغسطس باختلاف السنين الكبيسة والبسيطة‏، وفي هذا اليوم ينعقد المجلس الشرعي الإداري لرصد زيادة النيل‏,‏ فإن وصل المقياس إلى ‏16‏ ذراعا فأكثر وجبت الضرائب على المزارعين‏,‏ وإن كانت أقل من ‏16‏ ذراعا عفي عنهم‏.